بإعلان فوز الجمهورى دونالد ترامب برئاسة أمريكا أسدل الستار على "أقذر" تغطية أعلامية لحملة أنتخابات رئاسية فى الولايات المتحدة، تعامل فيها الأعلام الأمريكى مع ترامب بأعتباره العدو الأوحد، وصال وجال تحت شعار وهمى أسمه "المهنية والأحترافية"، لكن فى الحقيقة تخلى هذا الاعلام عن شعاراته السابقة وأعلن أنحيازه التام للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون .
البداية كانت بأعلان صريح من الصحف الكبرى والمحطات التليفزيونية تأييدهم لهيلارى ودعوتهم للناخبيين الأمريكيين ليمنحوا أصواتهم لمرشحة الحزب الديمقراطيى، وحذروا من التصويت لمنافسها الجمهورى، وبعد ذلك كانت المهمة الثانية وهى التفتيش فى ماضى ترامب بحثاً عن "فضيحة" يمكن الأستناد إليها لمهاجمته لصالح هيلارى، ولم تخلو التغطية الاعلامية فى الولايات الأمريكية من الإعلان عن أستطلاعات رأى تخالف توجهات الناخبيين، وهو ما كشفته نتيجة الإنتخابات، فكل أستطلاعات الرأى المنشورة فى الصحف والمحطات التليفزيونية أتاحت لهيلارى فوزاً مريحاً فى مواجهة ترامب، وكان لهذه الأستطلاعات دور كبير فى توجيه الراى العام الأمريكى فى عدد من الولايات المتأرجحة التى لم تحسم موقفها بالتصويت سواء لهيلارى أم ترامب، لكن جاءت النتيجة عكس هذه الأستطلاعات تماماً، فها هو ترامب يضرب الإعلام الأمريكى بأستطلاعاتها وذيفه وآكاذيبه ضربة قاضية.. فاز رغماً عن أنف الجميع، فاز رغم أن الجميع تنبأ بخسارته .
النتيجة المنطقة الأن أن الأمريكيين لقنوا الأعلام الأمريكى درساً لن ينسوه أبداً، حينما صوتوا لترامب، ضد هيلارى كلينتون، متجاهلا الحملة التحريضية ضد ترامب، والتى تجاوزت كل الأعراف والتقاليد المهنية .
عدم المهنية لم تقتصر فقط على تزيف الوقائع وأستطلاعات الرأى، بل زادت فى أتجاه نسيان كل هفوات هيلارى، بل وقفوا معها فى قضية تسريب الأيميلات وشنوا حرباَ شرسة ضد مسئولى الـfbi حينما تحدثوا عن مسئولية هيلارى فى مسألة التسريبات، فعلوا ذلك لأنهم عقدوا العزم على إيهام الأمريكيين بخطورة ترامب، وشيطنته أيضاً، ظناً منهم أنهم أصحاب القرار والسلطة والتأثير على الناخل الأمريكى، لكن جاءت عملية التصويت عكس ذلك تماماً، لتؤكد إدراك الأمريكيين للزيف والتدليس الذى كان يمارسه أعلام بلدهم، محاولين من خلال التصويت لترامب أولاً معاقبة أعلامهم المضلل وتوجيه رسالة قوية له بأنهم غير راضيين لممارساته الأبتزازية وحملاته المشوهه، حتى وان كانت تستند لوقائع حقيقية، لكن الحيادية والمهنية كانت تقتضى أن يتعامل الأعلام مع كلا المرشحان بحيادية، دون تفضيل لمرشح عن الأخر .
الموضوع بالنسبة لى لا يتعلق بترامب أو غيره، لكن القضية أساسها بالنسبة لى أن الإنتخابات الامريكية أسقطت ورقة التوت التى كان الأعلام الأمريكى يتغطى بها، فدائماً نسمع عن الحيادية والمهنية والاحترافية الأعلامية الأمريكية، لكن فى الحقيقة لا هو حيادى ولا مهنى، وأنما يعمل وفقاً لمصالحه الخاصة، ولمن يموله ولمن يدفع له أكتر .
هذه هى رسالة الأمريكيين لإعلامهم، فما بالنا نحن فى مصر، حيث نعانى ليل نهار من أكاذيب وتضليل يمارسه الإعلام الامريكى ضدنا، وللأسف الشديد بيننا من يعتبر ما يكتب على صفحات واشنطن بوست ونيويورك تايمز وغيرها من الصحف الامريكية وكأنه مؤكد ولا كذب فيه، رغم أنه مبنى على أراء شخصية لكاتب هذه التقارير، ولمن يدفعونه لكتابة هذه التقارير .
فى مصر للأسف الشديد نعطى للتقارير الإخبارية الأمريكية قدسية لا تتناسب مطلقاً مع ما تحويه هذه التقارير من تحيز كامل ضد مصر، لكنها عقدة الاجنبى التى لاتزال تسيطر علينا، وتجعلنا نصدق كل ما يصدرونه ألينا حتى وأن كان كاذب، أو له أهداف لا تتفق مع ما نسعى أليه، والأمثلة لدينا كثيرة ولا تحصى، فكل يوم تخرج علينا صحيفة بتقرير صادم عن مصر لا يمت للحقيقة بصلة، لكن هناك من يحاول أقناعنا بان الإعلام الأمريكى مهنى ولا يكذب،ـ وأن ما يقوله هو الحقيقة.. أى حقيقة تلك اتى تنشر لأكاذيب وتنحاز لفصيل إرهابى، يرفضه المصريين جميعاً .
أعتقد أنه بعد هذه الضربة التى تلقاها الأعلام الأمريكى من الأمريكيين أنفسهم علينا ان نراجع موقفنا من التدليس والكذب الذى يمارس ضدنا كل يوم من هذا الاعلام الذى تحركه ضدنا أهداف لا علاقة لها بالمهنية الأعلامية، وأن نلقى وراء ظهورنا الأسطورة القديمة المسماة بالمدرسة الأعلامية الأمريكية، لأنه لا يعقل أن نرتكن إلى مدرسة أساسها الكذب والتدليس، وهذه حقيقة لم نكتشفها نحن وإنما أعلنها الامريكيين صراحة وبصوت عالى فى الصناديق الانتخابية التى أتت بترامب إلى البيت الأبيض ورفضت هيلارى المدعومة من الإعلام الأمريكى .