استيقظ العالم على خبر لم يكن ضمن التوقعات سواء على مستوى استطلاعات الرأى أو من قبل المراقبين والمتابعين للشأن الأمريكى، فالدولة الأكبر فى العالم سيقبع على حكمها رئيس يفضل السياسات الانعزالية ويتبنى التصريحات العنصرية، رغم تاريخ بلاده من تبنى التنوع والانفتاح على الآخر.
انتخب الأمريكيون المرشح الجمهورى دونالد ترامب، الذى يميل لليمين ويتبنى سياسات متشددة تتعلق برفض المهاجرين والعنصرية ضد اللاتينيين ويطلق التصريحات المعادية للمسلمين. ومنيت منافسته القوية المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، بكل ما تحمله من آراء وتوجهات ليبرالية، بهزيمة بفارق كبير فى عدد أصوات المجمع الانتخابى.
أسباب عديدة ربما دفعت الأمريكيين للتحيز لهذه السياسات اليمينة، فلقد عانى الأمريكيون خلال السنوات الأخيرة وتحديدا بين عامى 2015 و2016 من الهجمات الإرهابية المتكررة، بينما فشلت الإدارة الديمقراطية فى توقيفها، ويشكو الأمريكيون من تضاؤل فرص العمل فى السنوات الأخيرة مع اتجاههم للتصنيع فى الدول الآسيوية ذات العمالة الرخيصة، فضلا عن إخفاق إدارة أوباما فى تحقيق معدلات نمو اقتصادى جيدة ومن هنا زادت التوجهات القومية.
لكن من ينظر للصورة الكاملة يلحظ صعود نجم التوجهات اليمينية لدى الدول الغربية فى مقابل تراجع عن النهج الليبرالى الاجتماعى الذى اتخذوه للتخلص من عقود من الظلام والتخلف. وبينما تنتظر العديد من الدول الأوروبية انتخابات هامة على منصب الرئيس أو رئيس الوزراء والمستشارة مثلما فى ألمانيا، فيجب التساؤل عن مدى تأثير فوز ترامب على حظوظ اليمين فى أوروبا، فضلا عن تبنى المذهب الترمبى مثلما يسميه معارضو ترامب بـTrumpism.
وكتب أستاذ التاريخ الفرنسى روبرت زاريتسكى، فى مقال بمجلة فورين بوليسى، معلقا على الأستراتيجية الجديدة التى يحاول من خلالها الرئيس الفرنسى السابق، مرشح الجمهوريين، العودة إلى الرئاسة وهو ما جعل المراقبين يقارنونه بدونالد ترامب.
فبالإضافة إلى منافسيه فى الوسط واليسار، تحدث رئيس الوزراء الاشتراكى مانويل فالس عن تحول الرئيس السابق إلى مذهب ترامب، فضلا عن أصدقائه السابقين، وقال صديقه ومعاونه السابق جين فرانسوا كوبى فى دعابة: "بعض المرشحين يشاهدون الكثير من العروض مع السيد ترامب".
وبحسب كتاب الحملة الانتخابية لساركوزى، الذى يحمل عنوان "الجميع لأجل فرنسا"، فإن فرنسا متورطة فى حرب أهلية بين أولئك الذين لا مانع لديهم أن تفقد فرنسا هويتها، وأولئك الحريصين على الحفاظ على تلك الهوية، ويريد الرئيس الفرنسى السابق أن يقود الفريق الثانى. ووعد ساركوزى بمنع لبس النقاب فى الأماكن العامة ومحاربة البوركينى بحماس فضلا عن وعده بإلقاء الإرهابيين المحتملين كلهم فى مراكز تقوم باجتثاث التطرف.
وبالإضافة إلى تأثر القادة السياسيين فى أوروبا بخطابات ترامب المثيرة للجدل، فإنه نجاح هذا التوجه فى دولة عظمى مثل الولايات المتحدة هو بمثابة أنباء سارة لليمين فى أوروبا، الذى يستعد لخوض معارك انتخابية قوية فى النمسا وألمانيا وفرنسا، فضلا عما تحقق بالفعل من انتصارات على مستوى الانتخابات المحلية فى ألمانيا الشهر الماضى وتشكيل حكومة أقلية فى أسبانيا بزعامة حزب الشعب اليمينى.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى نفسه كان احد مشاهد التغيير القوية فى خريطة العالم الغربى السياسية، رغم ما تنبأ به الخطوة من تتفكك الاتحاد الذى تأسس منذ عام 1958، حيث كانت المخاوف من المهاجرين وفرص العمل المحرك الرئيسى فى استفتاء الخروج الذى أيده البريطانيون، وهى نفس الشواغل التى يستغلها القوميون لتوسيع نفوذهم داخل بلدان القارة العجوز.
وبحسب صحف أمريكية فإن تصويت "بريكسيت" أو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبى انعكس المشاعر الشعبية فى الانتخابات الرئاسية المقررة فى النمسا الشهر المقبل. وفى تصريحات سابقة لكاتيا آدلر خبيرة الشأن الأوروبى بهيئة الإذاعة البريطانية، قالت أنها طوال حياتها لم تشهد تنامياً وتفشياُ لروح التشكك والفرقة فى الاتحاد الأوروبى بقدر ما تشهده الآن.
فالكثير من الأوروبيين راقبوا توجه الناخبين البريطانيين إلى صناديق الاستفتاء بعينين تملؤهما الحسد وتأكلهما الغيرة، فالكثير من القضايا والشكاوى التى يتذمر منها أنصار حملة الخروج تلقى أصداء مماثلة وآذانا صاغية موافقة عبر دول القارة الأوروبية طولاً وعرضاً.
وبسبب سياسة الباب المفتوح التى اتبعتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه اللاجئين، تراجعت شعبية الحزب المسيحى الديمقراطى الذى تنتمى له فى مقابل صعود نفوذ اليمين. واستطاع حزب "البديل لأجل ألمانيا" اليمينى المناهض للاجئين تحقيق فوزا بنسبة 21% فى الانتخابات المحلية متقدما على حزب ميركل.
وحققت حركة "5 نجوم" اليمينية فى إيطالية وحزب الجبهة الوطنية بزعامة اليمينية المتشددة مارى لوبان فى فرنسا، مكاسب قوية فى الانتخابات المحلية والإقليمية.