نقلا عن العدد اليومى...
نقابلهم فى حياتنا اليومية ونتعامل مع بعضهم دون أن نعرف أنهم مصابون بأمراض نفسية، ويوجد بيننا أشخاص قد نراهم طبيعيين، ويرون أنفسهم كذلك، ولكن الحقيقة عكس ذلك، وقد نتفاجأ ونندهش يوما من ارتكابهم بعض الجرائم، أو تظل هذه الجرائم قائمة دون أن نعرف فاعلها المجهول، بينما يعيش هذا الفاعل الذى يعانى مرضا نفسيا بيننا ولا نعرفه. علامات الدهشة تصيبنا أحيانا حين نرى شخصا هادئا يرتكب جريمة بشعة بسبب مرضه الكامن، ونحتار فى ظواهر لا نجد لها تفسيرا، يكون وراءها مريض نفسى، كما نرى أشخاصا يدعون النبوة أو الألوهية والتفسير مرض نفسى.
فى هذا الملف نفتش فى النفسية المصرية ونعرض أهم الأمراض النفسية، وأخطرها، وأخطر الظواهر والجرائم التى يقوم بها المرضى، وهل يمكن أن يتحول الإنسان الطبيعى إلى مريض نفسى أو يتحول فجأة بسبب بعض الظروف النفسية إلى إيذاء نفسه أو إيذاء الآخرين؟
الدكتور محمد غانم، أستاذ الطب النفسى فى جامعة عين الشمس، والأمين الأسبق للأمانة العامة الصحة النفسية، أكد أن عدد المرضى النفسيين لا يقل بأى حال من الأحوال عن 17% من إجمالى عدد السكان، طبقاً لآخر دراسة منشورة فى عام 2009، مع استثناء الأطفال والمراهقين وكبار السن والذين يعانون من مشاكل الإدمان، لأن هذه الدراسة التى أوردت الرقم لم تشملهم، لافتاً إلى أن نوبات القلق والاكتئاب يمثلان 10 إلى 11% من إجمالى الأمراض، بينما لا تزيد نسبة مرضى الفصام عن 1%.
بينما تشير المؤشرات إلى زيادة هذه النسبة بعد السنة التى تمت فيها الدراسة، ومع صعوبة حصر واكتشاف الأمراض النفسية، نتيجة لعدم معرفة المريض، أو من حوله بطبيعة المرض النفسى أو للمفاهيم الموروثة والتى تتعلق بالخجل من الكشف عن أن أحد أفراد الأسرة يعانى من المرض النفسى.
هل يخطط المرضى النفسيون للجرائم؟
وتابع «غانم» إن المرضى النفسيين غالبا لا يخططون للجرائم التى يرتكبونها، وغالباً ما تكون أفعالهم العنيفة اندفاعية دون قصد ولا يسبقها تفكير ولا يبيتون النية لها، بعكس الأشخاص الأصحاء الذى يدركون ما يفعلونه جيداً ويخططون للجرائم التى يرتكبونها، موضحاً أن المريض النفسى عندما يرتكب الجريمة غالباً ما يكشف عن نفسه ويرتكب أخطاء تسهل التعرف عليه، فهو غالباً لا يخفى السلاح المستخدم وقد يبلغ عن الجريمة التى ارتكبها، بل إنه قد يكتشف بعد وقوعها أن ثمة فعل خاطئ ما قد اقترفه.
وأكد الأمين الأسبق للأمانة العامة للصحة النفسية أن الدور الأهم الواجب علينا القيام به هو توعية الأشخاص المحيطين بالمريض النفسى كى يذهبوا به إلى أقرب مستشفى أو عيادة، وفى كثير من الأحيان يخرج من المستشفى أو العيادة ويمارس حياته الطبيعية بعد أن تستقر حالته، لافتاً إلى أن هناك اتجاها جديدا فى العالم حالياً يتجه إلى ألا يقضى المريض النفسى فترة طويلة بالمستشفى.
وأوضح أن هناك مجموعة من العلامات التى تظهر على المريض النفسى تحتم عليه دخول المستشفى، وهى أن يشكل خطراً على نفسه أو غيره من أفراد المجتمع، أو أن يكون فاقدا للاستبصار ولا يعرف أنه مريض وغير مدرك للحالة المرضية التى يعانى منه.
وأكد أنه يجب علينا عدم الاحتكاك بالمريض النفسى وعدم استفزازه، وعلى الأشخاص الذين يقطنون معه فى نفس المنزل أن يبذلوا كل الجهد لمتابعته، وإخفاء الأشياء التى قد يؤذى بها نفسه مثل السكين أو الآلات الحادة الأخرى، كما يجب غلق نوافذ المنزل بحواجز حديدية كى نقلل احتمالية لجوئه للانتحار إذا وصل المرض النفسى لذروته.
وعن المرضى الذى قد يشكلون خطورة على أفراد المجتمع، أشار «غانم» إلى أن مرضى الفصام أو «الشيزوفرينيا» قد يلحقون الأذى بالآخرين، وخاصة أنهم يتعرضون لمجموعة من الهلاوس السمعية كأن يسمعوا أصواتا تأمرهم بفعل شىء خاطئ أو مجرم، وقد يصابون ببعض الضلالات مثل اضطهاد الآخرين لهم، وقد يشعرون بالغيرة ويشكون فى سلوك زوجاتهم أو أزواجهم، وبالتالى يتخذون ردود فعل غير محسوبة.
وهناك أيضا مريض الاكتئاب الذهانى الذى قد يؤذى نفسه ويفكر فى جريمة الانتحار، وكذلك اكتئاب الولادة الذى قد يؤدى إلى الانتحار المضاعف أيضا، حيث قد تقوم الأم أحياناً بقتل طفلها ثم تنتحر، وذلك بسبب ضلالات تصيبها وتجعلها تظن أن طفلها مشوهاً أو يعانى من خلل ما، ولذا فهى تعتقد أنها بقتله سترحمه من مصاعب الحياة.
ومن علامات اكتئاب الولادة أن تشتكى الأم من أن طفلها مريض وغير طبيعى، وغالباً ما تكون طريقة تفكيرها خاطئة، ويتزامن ذلك مع حدوث خلل فى سلوكها وكلامها وانفعالاتها.
وأوضح «غانم» أن هناك بعض اضطرابات الشخصية التى قد تتسبب فى الجرائم مثل الشخصية السيكوباتية، التى ليس لها أى رادع أخلاقى، وهو شخص يحاول أن يستغل البشر لمصلحته الشخصية، ويتصف هذا الشخص بأنه متبلد وغير قادر على تحمل المسؤولية، وقد يرتكب جرائم السرقة والنصب والاحتيال، وقد تصل أحياناً إلى القتل، مضيفاً أن هذا الشخص يجب معاقبته على جرائمه لأنه يدرك ما يفعله، وهو يحتاج إلى العلاج السلوكى والمعرفى.
أمراض تدفع المريض لقتل طبيبه
الدكتورة هالة حماد، استشارى الطب النفسى قالت: إن هناك مجموعة من الأمراض النفسية التى قد تسهم خلال أحد المراحل العمرية فى ارتكاب الجريمة، وتشمل:
مرض الشيزوفرينيا: يعانى الشخص المصاب به من ضلالات وأوهام وهلاوس، ويرى ويسمع أشياء غير موجودة، وتكون تصرفاته غريبة، مثلاً: قد يرى والده شيطانا ممكن أن يسبب له أذى أو أى شخصية أخرى ستقتلته، ولذا يهاجمه دفاعاً عن نفسه وقد يتسبب أحياناً فى قتله.
وقد يصل الأمر أحيانا أن يقتل المريض الطبيب الخاص به، وذلك إذا وصل المرض لذروته وأصيب بهلاوس وضلالات شديدة.
مريض البارانويا: إنسان يعيش فى حالة دائمة من الشك ويرتاب فى كل الأشخاص من حوله، ويلقى بالاتهامات جزافاً على الآخرين، وغالباً ما تكون اتهاماته مبنيه على ضلالات، ويعتمد على أدلة غير منطقية ليثبت مخاوفه، فمثلاً قد يشك فى سلوك زوجته إذا وجدها تتحدث فى الهاتف بمفردها أو داخل غرفة النوم، وقد يقتل شخصاً ما لظنه أنه يخونه، وقد يلجأ للتعذيب والضرب كى يحصل على اعتراف منهما.
مريض الهوس أو جنون العظمة: يصاب بضلالات كثيرة، يتهيأ له مثلاً أنه مرسل من السماء، مثل مدعو النبوة الذين يظهرون الآن، وقد يرى المريض أنه يجب أن يقتل فلاناً لأنه كافر، وكما أنه يصاب أحياناً بحالة من الهياج، وقد يتسبب فى قتل شخص ما بالخطأ.
المرض النفسى نتيجة تعاطى المخدرات أو الخمور: الخمور والمخدرات تجعل الشخص فى حالة أشبه بالمرض النفسى وخاصة مرضى الشيزوفرينيا والهوس، فيفقد الأهلية، ولا يستطيع التحكم فى غرائزه ويعوق ذلك قدرته على اتخاذ القرار، ولذا فقد يعتدى جنسياً على شخص ما وقد يلجأ لجريمة القتل أحياناً، وشددت فى الوقت نفسه على أن الشخص يظل مسؤولاً عن تصرفاته لأنه هو من اختار تناول المخدرات والخمور، ولم يجبره أحد عليها.
وحذرت الدكتورة هالة الأهالى من إلقاء المزيد من الضغط على الأبناء الذين يؤدون الامتحانات مضيفة: «يجب عدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به، ويجب ألا يلجئوا تماماً إلى تخويفهم وتهديدهم إذا لم يؤدوا بشكل جيد فى الامتحان ويحققوا النتيجة المرجوة، لأن ذلك قد يجعل بعض الطلاب يلجأون لارتكاب جريمة الانتحار إذا لم يوفق فى الامتحان، نظراً لأن الأهل أوصلوا له رسالة مضمونها أنه سيصبح بلا قيمة إذا لم يحقق التفوق، وأن ذلك سيكون «نهاية العالم»، وهو ما يجعل الطالب يفكر فى الانتحار.
مرض نفسى وراء الحرائق المجهولة
وفجرت الدكتورة هالة حماد، خبيرة الطب النفسى، مفاجأة من العيار الثقيل، إذ أكدت أن من بين المرضى النفسيين أشخاص يقومون بجرائم يحتار فيها المجتمع وكثيرا ما يعزونها إلى الجن، حيث أكدت أن هناك احتمالًا كبيرًا بأن يكون السبب وراء احتراق منازل الشرقية شخصا مصابا بمرض نفسى يعرف باسم «هوس إشعال الحرائق أو جنون الحرائقPyromania»، وليس الجن كما يشاع، خاصة أنه رغم قراءة القرآن لم تتوقف المشكلة وتكررت الحرائق، وأكدت أن عدم وجود وفيات يدل على أن الجانى يختار أوقاتًا معينة يكون فيها المنزل خاليًا من أصحابه، ولو كان الجن متسببًا فيها لحدثت بعض الوفيات والإصابات جراء هذه الحرائق.
وأوضحت أن الشخص المصاب بهوس إشعال الحرائق غالبًا ما يعانى من سلوك قهرى واندفاعية عالية تجعله لا يتحكم بسلوكه ورغباته، ويشعر هذا المريض بضغط نفسى كبير لا يهدأ إلا عند إشعال الحرائق، وهو يستمتع بإشعال النار والحرائق أيًا كانت، كما يشعر بالرغبة فى الانتقام ويحب أن يشاهد محاولات رجال المطافئ المضنية لإطفائها ويشعر بمتعة كبيرة كلما ازداد الأمر تعقيدًا، وهو لا يستطيع التحكم فى هذا الأمر، ولا يشعر بالراحة إلا عند إشعال النيران، وتشير إحدى النظريات إلى أن هذا المريض النفسى قد يعانى من تغيرات كبيرة فى المخ.
صغير يتيم وتعرض للاغتصاب
وأكدت خبيرة الطب النفسى أن الشخص المصاب بهذا المرض غالبًا ما يقل عمره عن 20 عامًا، كما أنه فى الأغلب قد يكون شخصًا يتيمًا ويعانى من فقدان الأب سواء بالوفاة أو لدواعى العمل خارج البلاد، وهناك احتمال كبير لتعرض هذا الشخص لإساءة جنسية أو جسدية أو معنوية فى مرحلة معينة من حياته، كما أنه قد يكون على علاقة بجميع هذه الأسر.
وأشارت إلى أنه من المؤكد أن الشخص المصاب بهوس إشعال الحرائق غالبًا ما يحتاج إلى علاج نفسى وعلاج سلوكى معرفى، ويجب أن يتعلم كيف يسيطر على انفعالاته، ويتحكم فى الضغط العصبى الذى يشعر به، كما يجب أن يتعلم وسائل أخرى لإطفاء الشعور بالغضب والضغط النفسى بدلاً من إشعال النار، مؤكدة أن علاج كبار السن المصابين بهذا المرض صعب، ويحتاج فترة أطول، وغالبًا ما نستعين بالأدوية.
وحذرت من الاستمرار فى إلقاء التهم على الجن، لأن ذلك سيجعل الشخص الجانى المصاب بهوس إشعال الحرائق، يستمر فى جرائمه لأنه لا يتم البحث عنه، ومن ثم سيشعر بالطمأنينة، ويكرر هذه الجرائم، مؤكدة أنه لابد أن تتدخل الشرطة وقوات البحث الجنائى فى الأمر باستخدام كاميرات لمراقبة البيوت فى موقع الحادث ورؤية من يدخل إلى هذه البيوت.
أغرب الأمراض النفسية
الدراسات والأبحاث أشارت إلى وجود أنواع غريبة ونادرة من الأمراض النفسية، وذلك حسبما نشر بالموقع الأمريكى «Listverse»، وتشمل:
1.مرض البوانثروبى: هو اضطراب نفسى توهمى غريب يعتقد الشخص نفسه بقرة أو ثور، يبدأ المرض أحياناً فى صورة أحلام، ثم تنتقل الفكرة إلى عقله الباطن، حتى يقتنع تماماً أنه بقرة، وقد يصاب الشخص بهذا المرض عقب التنويم المغناطيسى.
ومن أشهر من أصيبوا بمرض البوانثروبى «نبوخذ نصر» وهو أحد الملوك الذين حكموا مملكة بابل، وكان يترك حاشيته ويذهب ليأكل الأعشاب كالأبقار فى المراعى.
مرض التهام الذات: حالة نفسية نادرة، يعانى الشخص فيها من قضم أظافره، وقد يأكل أجزاء من أصابعه، وقد يكون المرض طفيفاً، وفى أحيان أخرى قد تزداد خطورته ليهدد حياة الشخص.
متلازمة اليد الغريبة: قد يحدث هذا المرض بسبب إصابة فى المخ، ويعتقد الشخص المصاب أن يده خارجه عن إرادته وتصرفه، وأن هناك شخصاً آخر يتحكم فيها، وقد تتحرك يده رغماً عنه لتمسك يده ببعض الأشياء وقد يخنق نفسه أحياناً.
اضطراب فقد الإرادة «Aboulomania»: هو مرض نفسى معروف، يعجز فيه المريض عن اتخاذ أسهل القرارات، مثل اختيار المشروبات الغازية دايت أم كاملة السعرات، يتناول القهوة سادة أم مضافاً إليها لبن، وقد يصل الأمر إلى أن يصاب الشخص بشلل تام فى التفكير ويعجز عن إيجاد حل للمشكلة أو الأمر الذى يفكر فيه.
متلازمة الجثة المتحركة أو توهم كابجراس: هو مرض نفسى نادر، يعتقد فيه الشخص المصاب أنه ميت أو لا وجود له، أو أنه تعفن أو أنه فقد بعض أعضائه، وغالباً ما يصاب مرضى الشيزوفرينيا بهذه المتلازمة.
توهم فيجولى: يعتقد المريض أن كل المحيطين به هم شخص واحد، ولكنهم يتنكرون فى عدة صور لكى يلحقوا الأذى به، ولذا فهو يشك فى الجميع ولا يثق فى أى شخص غالباً.
دراسة أمريكية: المرض النفسيين غير مجرمين
بحثت دراسة علمية أشرف عليها علماء من الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، حقيقة العلاقة بين الأمراض النفسية الخطيرة ومعدلات ارتكاب الجرائم.
وقام الباحثون بتقييم ودراسة 429 جريمة ارتكبها 143 شخصا مصابا بأمراض نفسية، وكشفت النتائج أن %7.5 فقط من هذه الجرائم كانت ناجمة عن التأثر بأحد أعراض المرض النفسى، كما أوضح الباحثون أن %3 من الجرائم التى ارتكبها هؤلاء الأشخاص كانت مرتبطة بأعراض مرض الاكتئاب، و%4 مرتبطة بأعراض الفصام، و%10 مرتبطة بأعراض الاضطراب الوجدانى ثنائى القطب.
وأوصت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين خلال الدراسة التى نشرت بالمجلة العلمية «Law and Human Behavior» بالتوقف عن ربط الجرائم بالأمراض النفسية، مضيفة أن الغالبية العظمى من المرضى النفسيين غير مجرمين ولا يتسمون بالعنف ولا يشكلون أى خطورة.