برنامج إصلاح اقتصادى تقدمت به مصر إلى صندوق النقد الدولى حتى يتسنى لها الحصول على القرض، البالغ قيمته 12 مليار دولار، الذى يعد أكبر تمويل خارجى تحصل عليه فى تاريخها، لضبط عجز الموازنة المتفاقم وحل أزمة سعر الصرف وزيادة موارد الدولة وتحسين بيئة الأعمال، بما يضمن جذب الاستثمارات الأجنبية، مع مراعاة محدودى الدخل بإعادة هيكلة الدعم وتوسيع قاعدة المستفيدين ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب خفض الدين العام المتفاقم والذى تجاوز الـ100% من الناتج المحلى الإجمالى.
فجاءت موافقة المجلس التنفيذى للصندوق على القرض كشهادة ثقة دولية فى قدرة البرنامج على الخروج بالاقتصاد المصرى من عثرته، وإصلاح أزماته المزمنة، ولكن يبقى سؤال، ماذا بعد الحصول على الشريحة الأولى من القرض، والتى من المقرر أن يتم سدادها عقب الحصول على آخر دفعاته بـ18 شهرًا؟
من جهته قال الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ومساعد المدير التنفيذى السابق بصندوق النقد الدولى، إن صندوق النقد الدولى لا يغامر بتقديم مبلغ كهذا إلا إذا كان ضامنا أن برنامج الإصلاح الاقتصادى قوى جدًا، وأن مصر بإمكانها أن تخرج من عثرتها.
وأضاف "الفقى"، فى تصريح خاص لـ"انفراد"، أن تطبيق هذا البرنامج يستلزم أن تكون الحكومة أكثر احترافية وحرصًا فى اتباع ما جاء بالبرنامج، وفقًا للجدول الزمنى الذى تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولى، بحيث تتناغم سياسات الحكومة مع سياسات البنك المركزى؛ حتى لا ينحرف البرنامج الاقتصادى عن المسار المخطط له.
وتابع "الفقى"، "فات الصعب وحصلت مصر على الموافقة من صندوق النقد الدولى بالحصول على القرض، ولكن الأصعب هو القادم، فعلى الحكومة الحالية أن تعزز قدراتها لكى تصبح قادرة على التنفيذ"، مطالبًا القائمين على صنع القرار بتغيير أى وزير من الوزراء يؤدى أداءً أقل من المطلوب.
وطالب الدكتور فخرى الفقى بضرورة تعيين نائب رئيس وزراء فى الشئون الاقتصادية، يكون ذا قدر عالٍ جدًا من الاحترافية، بحيث يتولى هذا الملف برمته ويكون مسئولاً مسئولية كاملة عن متابعة خط سير خطوات البرنامج.
وأوصى الدكتور الفقى بأن يقوم محافظ البنك المركزى بإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك، بحيث يكون أغلبه من الاقتصاديين الاحترافيين، موضحًا أن المجلس يضم اثنين فقط من رجال الاقتصاد مقابل تسعة مصرفيين.
وأضاف أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ومساعد المدير التنفيذى السابق بصندوق النقد الدولى، أن تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية سيكون بمثابة شكر من الحكومة للشعب بشكل عملى على تحملهم لوطأة الظروف المعيشية، فى ظل ما اتخذته الدولة من إجراءات قوية دفعت صندوق النقد الدولى إلى الموافقة على القرض.
وأشار أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة إلى أنه يتم إعادة النظر فى الحد الأدنى من الأجور ورفع المعاشات، وزيادة عدد المستفيدين من معاشات التضامن الاجتماعى، بالإضافة إلى عمل تأمين ضد البطالة لكل عاطل، بحيث يكون نسبة من آخر مرتب حصل عليه، وأن يستمر ذلك التأمين لمدة عام على الأكثر، أو لحين التحاقه بعمل آخر، مع النظر فى إمكانية التحول من الدعم العينى إلى النقدى بالشكل الذى يصون كرامة المواطن ويدفعه إلى مزيد من العمل، ما يزيد من الناتج المحلى.
وفى السياق ذاته، قال إيهاب سعيد، خبير الاقتصاد وأسواق المال، إن ما قامت به مصر حتى الآن فى سبيل المضى قدمًا نحو تنفيذ خطط الاصلاح الاقتصادى والتنمية، يتمثل فى اتخاذ سياسة مرنة تجاه سعر الصرف وتحرير العملة، وإقرار ضريبة القيمة المضافة لزيادة الإيرادات الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية، وإقرار قانون الخدمة المدنية لضبط بند الأجور الذى يقارب على 228 مليار جنيه بالموازنة الحالية.
وأضاف إيهاب سعيد، فى تصريح خاص لـ"انفراد"، أن المسئولين قاموا بخفض دعم الطاقة لتقليل الأثر السلبى لتحرير سعر الصرف؛ حيث إن مخصصات دعم المواد البترولية كانت تصل إلى 35 مليار جنيه، متوقعًا أن يتجاوز الـ70 مليار جنيه بعد تحرير سعر الصرف حيث كان الدعم محسوبا على 9 جنيهات للدولار وبرميل البترول عند 40 دولارا، ما اضطرت معه الحكومة لرفع الأسعار لتقليل الأثر.
وأكد خبير الاقتصاد وأسواق المال ضرورة إسراع وزارة الاستثمار والبرلمان فى المضى قدمًا نحو إصدار قانون الاستثمار الجديد، إلى جانب متابعة تنفيذ حزمة القرارات المهمة التى صدرت عن المجلس الأعلى للاستثمار، بهدف تشجيع الاستثمار فى مصر من خلال توفير مناخ استثمارى جاذب وبيئة حاضنة.
وأوضح إيهاب سعيد أنه يجب السعى نحو تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات وضبط الإنفاق العام وتحديد الأولويات، واتخاذ ما يلزم من إجراءات فى برنامج إعادة هيكلة الدعم الموجة للطاقة كما هو البرنامج الذى أعلنت عنه فى 2014
وطالب إيهاب سعيد بضرورة الاستمرار فى إعادة هيكلة بند الأجور الذى يلتهم أكثر من ربع الموازنة العامة، واتخاذ برنامج ترشيدى لخفض الاقتراض الداخلى، والإسراع فى الخروج بقانون الاستثمار والقوانين المكملة لتحسين بيئة الأعمال، لافتًا إلى وجوب العمل على إصلاح الجهاز الإدارى والفساد المستشرى حتى نحول دون هروب الاستثمارات الأجنبية من مصر.
من جهته قال الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، إن قرض صندوق النقد الدولى يذهب مباشرةً لعلاج الخلل فى ميزان المدفوعات الخاص بالاقتصاد الكٌلى، وتزويد الدخل القومى عن طريق زيادة الصادرات، وزيادة الإنتاج، موضحًا أن قرض صندوق النقد الدولى يختلف عن باقى أنواع القروض.
وأضاف "الشريف"، لـ"انفراد"، أن حماية محدودى الدخل من الآثار التضخمية التى يمكن أن تقع عليهم، فى ظل ما تتخذه مصر من إجراءات قوية، بهدف تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادى، يكون عن طريق عمل شبكة حماية اجتماعية لمحدودى الدخل ومساعدة ذوى الدخول المنخفضة.
وأوصى أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة بضرورة دراسة الحكومة إمكانية التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى، لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
وقالت كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولى، فى فيديو نشره صندوق النقد الدولى تحت عنوان "مصر: فرصة للتغيير"، إن السلطات المصرية وضعت خطة للإصلاح تهدف إلى إطلاق إمكانات الاقتصاد المصرى وخدمة المواطنين بصورة أفضل.
وأضافت "لاجارد"، "يود الصندوق مساندة هذه الخطوة، لذا وافق مجلسه التنفيذى على قرض لمصر بقيمة 12 مليار دولار، هذه الإصلاحات تشكل جزءًا من حزمة دقيقة وضعتها مصر لإنعاش النمو، والتأكد من تحقيق تغييرات مستدامة ونمو احتوائى"، مؤكدة أن الصندوق على أتم استعداد لخوض رحلة الإصلاحات مع الشعب المصرى ومع السلطات المصرية، ونحن نتطلع إلى نجاحها.