لطالما كانت المحكمة الجنائية الدولية هدفا للانتقاد من العديد من القادة الأفارقة الذين يرون أنها تغض الطرف عن الفظائع والجرائم التى ترتكبها كبرى الدول الغربية، حتى وإن اعترفت تلك الدول بأنها ارتكتب خطأ مثلما حدث مع غزو العراق، الذى تسبب فى قتل الآلاف وتشريد مثلهم وزعزعة استقرار واحدة من كبريات دول الشرق الأوسط حتى هذه اللحظة، كما ينتقد الأفارقة استهدافها لهم.
وفى هذا التقرير نستعرض أولا الدول الأربع التى انسحبت من معاهدة المحكمة الجنائية الدولية فى شهر واحد وظروف انسحابها، ثم نتابع تحليل حالة المحكمة الجنائية الدولية فى ظل الانتقادات الأفريقية الموجهة لها.
بروندى
وكانت بروندى أول دولة تعلن انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية، وصوت البرلمان فى 12 أكتوبر الماضى بالأغلبية للانسحاب من معاهدة روما المؤسسة للمحكمة.
واعتبر النائب الأول لرئيس وزراء بورندى جاستون سنديمو أن المحكمة الجنائية الدولية "أداة سياسية لاضطهاد البلدان الإفريقية"، مكررا الانتقادات التى يكيلها عدد من الدول الإفريقية ضد المحكمة.
جنوب أفريقيا
وتبعت جنوب أفريقيا بروندى، وأعلنت انسحابها من المحكمة فى 22 أكتوبر الماضى، وبعث وزير التعاون والعلاقات الدولية فى الحكومة"ماتى نوكونا ماشابان" رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يبلغه فيها بقرار بلاده الانسحاب قائلا إن "جنوب أفريقيا وجدت أن التزاماتها المتعلقة بإيجاد حلول سلمية للصراعات لا تتفق مع تفسير المحكمة الجنائية الدولية للالتزامات المدرجة فى نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية “.
غامبيا
وتلت غامبيا جنوب أفريقيا ، التى أعلنت قرارها بالانسحاب فى 26 أكتوبر، واتهمتها بتجاهل "جرائم حرب" ترتكبها دول غربية كما اتهمتها بالسعى فقط لمقاضاة الأفارقة.
وقال وزير الإعلام الغامبى شريف بوجانج إن هذا الإجراء "نابع من حقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية هى فى الواقع محكمة قوقازية دولية لملاحقة وإذلال الملونين، وبخاصة الأفارقة".
وتوقع بعض المراقبين للشأن الأفريقى أن تتخذ كينيا موقفا مشابها وتنسحب من المحكمة الجنائية.
روسيا
ولكن قبل أن تتخذ الدول الأفريقية هذا القرار، أعلنت روسيا انسحابها 16 نوفمبر من المحكمة متهمة إياها بأنها "فشلت فى أن تصبح هيئة رسمية مستقلة للعدالة وخيبت الآمال المنوطة بها".
ووقع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين اليوم الأربعاء، على أمر يقضى بإيقاف مشاركة موسكو فى اتفاقية روما مما يعنى خروج الأراضى الروسية من تحت صلاحيات المحكمة.
وكانت روسيا قد وقعت على هذه الاتفاقية فى 13 سبتمبر 2000، لكنها لم تصادق عليها حتى الآن .
القارة السمراء أكبر نسبة تمثيل فى الجنائية الدولية
ويقول موقع "أفريكا" الأفريقى إن القارة السمراء هى القارة صاحبة أكثر عدد من المشاركين فى المحكمة الجنائية، إذ تنضم لها 34 دولة أفريقية من أصل 124، مما يجعلها القارة التى تمنح المحكمة الاختصاص الأكبر والأكثر تأثيرا، مما يعنى أن خروج الدول الأفريقية منها يضعف المحكمة ويقلل من شأنها، وربما يضطرها إلى نقل تركيزها إلى قارة أخرى، ربما أمريكا اللاتينية أو منطقة البحر الكاريبى.
زوال المحكمة
وهذا لن يكون سهلا نظرا للانتقادات الموجهة لها، فما الذى يدفع تلك الدول لمنح المحكمة الجنائية هذه السلطات فوق أراضيها، الأمر الذى قد ينتهى باختفائها وزوالها لأنها لن تكون قادرة على ممارسة سلطاتها فى كافة دول القارات الأخرى، إلا إذا أعادت النظر فى المخاوف والانتقادات الموجهة إليها.
ويذكر أن دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وإسرائيل والمملكة العربية السعودية واندونيسيا ودول أخرى رفضت إما التوقيع أو التصديق على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، بسبب مخاوفها من قوى المحكمة المفرطة ومن تعارضها مع السلطة القضائية بداخلها.
دعوة للمصالحة
وكان صديقى كابا رئيس جمعية الدول المشاركة فى معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد دعا إلى "التوصل إلى تسوية" بعد انسحاب جنوب أفريقيا وبوروندى الذى قال إنه لن يصبح نافذاً إلا بعد عام.