جاء إعلان البنك المركزى المصرى عن الاتفاق مع الحكومة على وضع برنامج يستهدف استقرار الاقتصاد الكلى، بالتزامن مع قرار البنك المركزى برفع الفائدة على الإيداع والإقراض بواقع 50 نقطة أساس (نصف درجة مئوية)، يعكس أن هناك اتجاها من الإدارة الحالية إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتقليص عجز الموازنة وسحب السيولة النقدية لاحتواء معدلات التضخم، مما يؤدى إلى تخفيف الضغط على العملة المحلية فى نهاية المطاف.
وفقد الجنيه المصرى ما يقرب من 12% من قيمته أمام الدولار خلال 2015 فقط ليصل إلى 773 قرشا للدولار. ورغم ذلك يرى الخبراء والبنوك الاستثمارية أن الجنيه مقوم بأعلى من سعره الحقيقى الذى يعكس العرض والطلب.
تناغم واضح بين السياسات المالية والنقدية
وأعلن البنك المركزى مساء الخميس بعد اجتماع لجنة السياسة النقدية أنه تم الاتفاق مع الحكومة خلال الاجتماع التنسيقى الذى تم يوم 17 ديسمبر الماضى على وضع برنامج يستهدف استقرار الاقتصاد الكلى من أجل تحفيز النمو الاقتصادى وزيادة الإنتاج المحلى وخلق فرص العمل، مما يشير إلى تناغم واضح بين الأطراف القائمة على السياسات المالية والنقدية للبلاد فى الآونة الأخيرة.
ويعود الفضل فى هذا التناغم إلى المجلس التنسيقى بدرجة كبيرة، والذى أمر الرئيس عبد الفتاح السيسى، بإعادة تشكيله برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وتعيين فاروق العقدة المحافظ الأسبق، ومحمد العريان، وعبلة عبد اللطيف، كأعضاء من ذوى الخبرة.
ويهدف المجلس إلى وضع أهداف السياسة النقدية بما يحقق الاستقرار فى الأسعار وسلامة النظام المصرفى، وذلك فى إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة.
وذكر البنك المركزى، فى بيان على موقعه الإلكترونى، أن البرنامج المتفق عليه مع الحكومة نص على عدة بنود رئيسية، جاء على رأسها البدء فى العمل على تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستويات مستدامة لتخفيف الضغط على السيولة المحلية وإتاحة المزيد من الموارد للقطاعات الاقتصادية مما يؤدى إلى زيادة الإنتاج المحلى وبالتالى تخفيض الضغوط التضخمية.
ترحيب بالبرنامج
ولاقى الاتفاق المشترك بين البنك المركزى والحكومة ترحيبا كبيرا من قبل الأوساط الاقتصادية والمصرفية، لكن ثمة تكهنات تفسرها بأنها خطوات استباقية تمهيدا لتخفيض الجنيه أمام الدولار.
ومن المتوقع أن تضطر مصر إلى تخفيض عملتها من جديد أمام الدولار الأمريكى، أملا فى جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتعزيز تنافسية صادراتها التى اتخذت اتجاها هابطا من 2011.
ومن الطبيعى أن تحدث قفزات فى أسعار السلع إذا تم تخفيض العملة المحلية فى بلد تبلغ فاتورة استيراده حوالى 61 مليار دولار، مقابل حوالى 25 مليار دولار صادرات.
ومن ثمَ، فإن اتجاه الحكومة للسيطرة على الغلاء وفرض قيود على الواردات التى لها بديل محلى من ناحية، وقيام البنك المركزى برفع أسعار الفائدة بعد رفع البنوك العامة أسعار الفائدة على شهادات الادخار من ناحية أخرى، يرجح أن واضعى السياسات يمهدون لتخفيض آخر للجنيه مع مراعاة تداعيات ذلك على الفقراء ومحدودى الدخل.
ويعانى الاقتصاد المصرى من تدهور الاحتياطى من النقد الأجنبى إلى مستويات متدنية للغاية، بالكاد تكفى واردات البلاد ثلاثة أشهر، لتصل إلى ما يقرب 16.4 مليار دولار فى نهاية نوفمبر الماضى، مقابل 36 مليار دولار قبل ثورة يناير فى 2011.
تداعيات تقليص عجز الموازنة
ورحب جنينة بالبرنامج الذى أعلنه البنك المركزى، واعتبره "إيجابيا فى مجمله إذا استتبعه تخفيض لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، والإصلاحات المالية المذكورة بالبرنامج".
ومع ذلك، حذر جنينة من أن تزامن قرارات الحد من الاستيراد الرامية إلى احتواء أزمة العملة الصعبة، مع خطوات تقليص عجز الموازنة والتى قد تتضمن تخفيض الدعم أو فرض ضرائب جديدة، يترتب عليها زيادة تكلفة الإنتاج وهو ما يحمله التاجر أو المصنع فى النهاية على عاتق المواطن البسيط.
وتابع: "هناك تشوه واضح فيما تم الإعلان عنه.. كيف نضع قيودا على الاستيراد ونرفع الرسوم الجمركية على بعض الواردات فى نفس الوقت الذى سترتفع فيه تكلفة المنتج المحلى وبالتالى أسعاره، ودون منافس بعد غلق باب الاستيراد".
وأضاف رئيس البحوث بـ"فاروس" أنه من المؤكد سترتفع الأسعار وستزداد الفجوة السعرية بين المحلى والمستورد، فضلا عن فتح الباب للتهريب الجمركى والأسواق الموازية، مشددا على ضرورة أن تكون القيود على الواردات لإعادة التوازن بميزان المدفوعات إجراء مؤقتا بحيث لا يستمر لمدة تتجاوز 6 إلى 7 أشهر.
قرار رفع الفائدة كان متوقعا
ولم تتفاجأ الأوساط الاقتصادية بقرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى، مساء الخميس، برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بواقع 50 نقطة أساس، باعتباره إجراء منطقيا للسيطرة على انفلات الأسعار، مما دفع معدل التضخم العام إلى 11.08% فى نوفمبر الماضى، مقابل 9.7% فى أكتوبر، وفقا لبيانات البنك المركزى.
ورفع البنك المركزى أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بواقع 50 نقطة أساس من 8.75% إلى 9.25%، ومن 9.75% إلى 10.25%، على التوالى.
وأكد البنك المركزى أن البرنامج يستهدف المحافظة على استقرار الأسعار باستهداف معدلات التضخم لا تتجاوز الـ10% على المدى المتوسط، والعمل على تقليص عجز الميزان التجارى من خلال وضع استراتيجية تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلى لتغطية احتياجات السوق، والمضى قدمًا فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التى تستهدف زيادة الناتج المحلى الإجمالى غير التضخمى والتغلب على المعوقات التى تحد من زيادة الاستثمارات.
وكانت البنوك العامة و4 بنوك أخرى قد بادرت فى نوفمبر الماضى برفع أسعار الفائدة على شهادات الادخار البلاتينية – مدتها 3 سنوات- بعائد سنوى 12,5% يصرف شهريا، وهو أعلى عائد منذ سنوات. ونجحت الشهادات فى جذب سيولة تقدر بحوالى 80 مليار جنيه حتى يوم 23 ديسمبر الجارى.
ويرى جنينة أن رفع الفائدة على الإيداع والإقراض هدفه تشجيع بقية البنوك على الانضمام لسباق شهادات الادخار، الذى انضم إليه 7 بنوك فقط من إجمالى 40 بنكا عاملة بالسوق المحلية، وهو ما يسهم فى سحب معدلات أكبر من السيولة النقدية، وتشجيع حائزى الدولار على الاستثمار فى شهادات الإيداع ذات العائد الكبير وتحويل مدخراتهم إلى العملة المحلية فى شهادات ذات عائد ثابت وهو ما يسهم فى والحد من الدولرة.
وشدد على أن تخفيض سعر الجنيه مقرونا بتطبيق الإصلاحات سيعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمحلية المطلوبة لإنعاش الاقتصاد المصرى، متوقعا تحسنا كبيرا فى التدفقات الاستثمارية بحلول نهاية 2016 ومطلع 2017.