تناولنا فى مقالين سابقين الحديث عن لجنة العفو عن الشباب المحبوسين، الذين لم يتورطوا فى ارتكاب أعمال عنف ضد الدولة باعتبارها واحدة من توصيات، بل من أهم إنجازات المؤتمر الوطنى للشباب، وتناولنا فى مقالنا الأول قانونية هذه اللجنة، وأنها واحدة من القرارات الكبيرة وذات الدلالة لإثراء وإذكاء حالة التسامح فى المجتمع، وفى مقالنا الثانى طرحنا رأينا بضرورة إعادة تشكيل اللجنة لتضم فى عضويتها خبراء قانون وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، وذلك لكى يضبط خبراء القانون الإيقاع القانونى للجنة حتى لا تجنح بعيدا عن القانون، وأما الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين فلكى تدرس اللجنة كل حالة وتحدد مدى قدرة المفرج عنه على التكيف مع المجتمع، خاصة أن الإفراج سيكون بقرار من رئيس الجمهورية، وهو أمر لو تعلمون "عظيم".
وبالفعل أنجزت اللجنة القائمة الأولى من الأسماء المقترحة، وهم من الشباب الذين صدرت ضدهم أحكاما نهائية، وصدر قرار رئيس الجمهورية بالإفراج عنهم وهم الآن طلقاء يتمتعون بكامل حرياتهم وينعمون بالعفو الرئاسى، رغم تحفظنا على اسم وحيد وهو "إسلام بحيرى" الذى خرج من محبسه ليطلق تصريحاته فى كل المواقع الإعلامية وكأنه لم يرتكب جريمة عاقبه عليها القضاء، فى إصرار منه على ارتكاب نفس الجريمة، بل إنه يؤكد أن من سيقوله أخطر مما قاله سابقا، الأمر الذى أكد لنا ما سبق وحذرنا منه فى هذا الصدد، كل بذلك بالشكل الذى لا يقدح فى اللجنة رئيسا وأعضاء لأنهم قدموا كل ما لديهم للقيام بمهمتهم الكبيرة.
ولم تمض غير ساعات إلا وتحقق لنا التخوف الذى يدفعنا إلى التفكير جديا فى سحب رأينا عن قانونية اللجنة بعد تصريحات النائب طارق الخولى عضو لجنة العفو، التى جاء فيها: "إن القائمة الثانية التى تعدها اللجنة لتقديمها للرئيس ستضم المحبوسين احتياطيا"، وهذا التصريح المثير لو كانت اللجنة تضم فى عضويتها خبراء قانون ما خرج هذا التصريح بهذه الصورة، حيث يمثل جريمة قانونية، لأنه اعتداء على العدالة وعدوان على سلطة النائب العام.. وهو ما ذهبت إليه صراحة المادة 184 من الدستور المصرى التى تنص على أن "السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم"، وغيرها من المواد الدستورية التى حسمت القضية مثل المواد 155، 185، 189 .
وإذا كنت هنا كرجل قانون نأخذ تصريح "الخولى" بحسن النية، فإننا نؤكد أن الطريق إلى ارتكاب جرائم كثيرة مفروش بحسن النية، ويضع اللجنة فى مأزق كبير، ويضع رئاسة الجمهورية فى مشكلة، لأن الرئاسة أبدا لن تتورط فى مخالفة دستورية فجة بهذا الشكل.. حيث لا يجوز لرئيس الجمهورية ولا أى جهة أخرى التدخل فى القضايا المنظورة أمام القضاء، ولم يصدر فيها حكم نهائى أو التى مازالت قيد التحقيق بحوزة النيابة العامة.
ويطالب المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام بأن يتوقف أعضاء اللجنة عن الإدلاء بأى تصريحات من هذا القبيل لأنها تثير البلبلة فى الشارع المصرى، وتأتى بنتائج عكسية غير التى أنشئت اللجنة لأجلها، وعلى اللجنة - وفورا - أن تقوم بتعيين متحدث باسمها حتى تتم دراسة البيانات الصادرة عنها بموضوعية، وتكون متسقة مع القانون ومع الهدف الذى قامت على أساسه، أو أن تقتصر التصريحات على رئيس اللجنة فقط.. أما إذا كانت تصريحات "الخولى" صحيحة فإن اللجنة بذلك تفقد قوتها بمخالفتها للدستور، الأمر الذى يجب على اللجنة أن تستعين بالخبراء حتى لا تسقط فى "فخاخ" تؤدى إلى تفجيرها.
وإذا ما كان هناك إصرار على الإفراج عن المحبوسين احتياطيا - مع التأكيد أننا لسنا ضد الإفراج عنهم - فالأمر هنا بيد مجلس النواب بإصدار تشريع جديد يسمح بذلك، بدلا من التخبط والتردد وإحداث حالة من الارتباك القانونى، وما يؤدى إليه فى الشارع من أن رئاسة الجمهورية يمكن أن تخالف الدستور، وهو الأمر الخطير فى مثل هذه التصريحات سواء كانت حقيقية أو غير حقيقية، رغم أن الرئاسة هى أحرص المؤسسات فى مصر على إعلاء قيمة الدستور والعدالة والقانون.
ويعود المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام للمطالبة مرة أخرى وللأسباب التى طرحناها، والتخوف من إحداث أزمات بفعل تصريحات تحتاج إلى الدقة والضبط والمسئولية بإعادة تشكيل اللجنة لتضم فى عضويتها خبراء قانون وأخصائيين نفسانيين واجتماعيين، أو أن تستعين بهم اللجنة لضبط أعمالها بما يتفق مع المهمة التى أوكلت إليها لإنجازها فى إطار من الدستور والقانون والمسئولية الوطنية والاجتماعية .