جاء إعلان انسحاب دول المغرب والإمارات والسعودية والبحرين وقطر من القمة "العربية – الأفريقية" المنعقدة بغينيا الاستوائية مفاجئًا فى الوقت الذى وصلت فيه الوفود للمشاركة فى القمة، وأعلنت تلك الدول أن سبب انسحابها هو إصرار الاتحاد الأفريقى على مشاركة وفد جبهة البوليساريو أو " جمهورية الصحراء" فى أعمال القمة.
واحتجت المملكة المغربية على مشاركة جبهة البوليساريو، فى اجتماعات أفريقية عربية فى العاصمة الغينية، ما أدى إلى تأجيلها إلى موعد لم يحدد، فى وقت يواصل العاهل المغربى الملك محمد السادس، جولته الأفريقية والتى شملت دولاً وقفت دائمًا ضد المغرب إلى جانب الجبهة.
ويأتى انسحاب بعض دول مجلس التعاون الخليجى والمغرب من القمة نتيجة للتفاهمات التى جرت بينهم فى القمة الخليجية المغربية التى عقد فى 20 أبريل الماضى، فقد جددت دول مجلس التعاون دعمها للرباط فى قضية "الصحراء" حيث حذر الملك محمد السادس مما وصفه بـ" خطر غير مسبوق فى تاريخ هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء".
وفى افتتاح القمة الذى عقد فى العاصمة السعودية الرياض، أكد العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز، مخاطبًا نظيره المغربى، على تضامن دول مجلس التعاون الخليجى مع كل القضايا السياسية والأمنية التى تهم بلاده وفى مقدمتها الصحراء المغربية".
وأكد الملك سلمان أن دول مجلس التعاون الخليجى، السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان وقطر، ترفض تمامًا أى مساس بالمصالح العليا للمغرب فى ما يتعلق بقضية الصحراء، مشددًا على حرص الخليج على العلاقة الوطيدة مع المغرب على كافة الأصعدة.
كما أشار البيان الختامى للقمة على الموقف المبدئى لقادة الدول الخليجية "من أن قضية الصحراء المغربية هى أيضًا قضية دول مجلس التعاون"، ودعمهم "لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتى التى تقدم بها المغرب، كأساس لأى حل."
أما العاهل المغربى، فقد قال إن خصوم المغرب يحاولون، حسب الظروف، إما نزع الشرعية عن تواجد المغرب فى صحرائه، أو تعزيز خيار الاستقلال وأطروحة الانفصال أو إضعاف مبادرة الحكم الذاتى التى يشهد المجتمع الدولى بجديتها ومصداقيتها.
وعقب انتهاء أعمال القمة بدأت سياسة استقطاب سياسى متصاعدة فى المنطقة خاصة من قبل الجزائر التى تدعم جبهة البوليساريو، فعقب زيارة الملك محمد السادس إلى الرياض لحضور قمة مجلس التعاون، والحفاوة التى حظى بها، والدعم الكامل اللا محدود لقضايا المغرب بما فيها الصحراء المغربية، توجه عبد القادر مساهل وزير الشئون المغاربية والاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية بالجزائر للعاصمة السورية دمشق، مؤكدًَا على تضامن بلاده الكامل مع سوريا فى محنتها التى تمر بها.
وتأتى زيارة مساهل لدمشق كرسالة سياسية ودبلوماسية موجهة من الجزائر إلى القمة الخليجية المغربية التى أعلنت دعمها للرباط فى أزمة الصحراء، حيث جاءت زيارة الوزير الجزائرى بعد أسبوع واحد من القمة الخليجية المغربية، ما يعكس رغبة الجزائر الواضحة فى الخروج من حالة الصمت مما يجرى فى المنطقة لتوجيه رسائل دبلوماسية موجهة لدول الخليج التى تدعم المعارضة ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد.
"فتُش عن إيران"
من المعروف أن الصراع الإيرانى مع دول مجلس التعاون الخليجى وصل إلى ذروته بسبب دعم طهران للرئيس بشار الأسد فى سوريا، فى المقابل شهدت العلاقات الجزائرية الإيرانية توافقًا واضحًا فى السنوات الأخيرة، ويتضح ذلك من خلال الزيارات الرسمية بين الدولتين مع انتعاشًا ديناميكيًا بين طهران والجزائر.
وتعد الجزائر من أكثر الدول الداعمة لجبهة البوليساريو وللجمهورية الصحراوية فى المحافل الإقليمية والدولية لدعم الجبهة فى الحصول على عضوية الاتحاد الأفريقى عام 1982 وهو ما أغضب الجارة المغربية من سياسة الجزائر الداعمة للجمهورية الصحراوية.
وتأتى القمة الخليجية المغربية كرسالة للجزائر بسبب سعيها للتقارب من إيران عقب توقيع الاتفاق النووى، وزيارات وزير الشئون المغاربية والاتحاد الأفريقى عبد القادر مساهل إلى سوريا ولبنان، ثم زيارة وزير الصناعة الجزائرى عبد السلام بوشوارب إلى إيران منتصف شهر مايو الماضى.
وللجزائر مواقف واضحة فى الأزمة السورية والأزمة اليمنية بالإضافة إلى تحفظها على تصنيف حزب الله اللبنانى كمنظمة إرهابية، وكذا تطابق مواقفها مع طهران فى القضية الفلسطينية وهو ما استدعى العاهل المغربى لتذكير دول الخليج بمواقفها الداعمة للمغرب فى استرجاع الرباط لأقاليمها خلال مشاركتها فى المسيرة الخضراء عام 1975.
ولا يخفى أن مصالح دول مجلس التعاون الخليجى والمغرب تتوافق مصالحها المشتركة فى أزمة الصحراء والأوضاع فى سوريا واليمن، فيما تتقارب المصالح الجزائرية والإيرانية فى الأزمة السورية واليمنية والقضية الفلسطينية وموقف الدولتين الداعم لجبهة البوليساريو فى أزمة الصحراء، وهو ما أدى لحالة استقطاب سياسى طفت على السطح عبر إعلان الرباط ودول الخليج انسحابها من القمة "العربية – الأفريقية" فى غينيا.