يوم بعد آخر تتكشف معلومات مؤلمة جديدة فى قضية مصرع الطفلة "ريم مجدى" التى كشفت التحقيقات أنها لم تتعرض لحادث سير وإنما ألقت بنفسها من سيارة والدها بعد أن عنفها واعتدى عليها بالضرب ظنًا منه أنه يوجهوها.
والد "ريم" ليس الأب الوحيد الذى يعنف بناته دائما دون مراعاة لمشاعرهن، فالآباء بشكل عام يرون مبدأ "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24" هى أفضل وسائل التربية للتنشئة الجيدة القائمة على قواعد ثابتة، دون الأخذ فى الاعتبار الدراسات الخاصة بالتربية وكيفية مراعاة مشاعر الأبناء سواء الذكور أو الإناث سواء فى مرحلة الطفولة أو المراهقة أو الشباب، حتى لا تكون نهايتهم مثل "ريم".
وتوصلت مباحث الإسماعيلية إلى معلومات جديدة عن أسباب وفاة "ريم" وهى المشادة التى حدثت قبل الحادث مباشرة بين الفتاة ووالدها أثناء تمرين المصارعة الخاصة بها وتتطور المشادة إلى تعنيف باليد من والدها وصفعها بالأقلام أكثر من مرة وتكرار المشادة فى السيارة أثناء طريق العودة إلى المنزل، والسبب فى هذه المشادة هو عدم التركيز فى التمرين، حتى قررت الفتاة فتح باب السيارة والسقوط منها قبل توقفها أمام المنزل.
وكشفت المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة "EFACC" أن عدد الأطفال المعنفين فى شهر مايو 2016 قد بلغ 377 طفلا وفقا لما تداولته وسائل الإعلام والجرائد المختلفة الحكومية وغير الحكومية، وبلغت نسبة الإناث من هذا العدد 32% بينما الذكور 58% و10% نسب أطفال لم يتم ذكر نوعهم.
وأشار التقرير إلى أن حالات العنف ضد الأطفال تضمنت أشكالا مختلفة ليس الضرب فقط ولكن الخطف أيضا، بالإضافة إلى 14 اعتداء جنسيا، و194 بين تسمم وطلق نارى وعنف مدرسى ومنزلى وخناق وحوادث طريق وحرائق، ولأن العنف ضد الأطفال له أشكال مختلفة وجد الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى تقرير صادر لها أن هناك 1.59 مليون طفل عامل فى مصر، ويتعرض أكثر من 80% منهم لاعتداءات جنسية.
وفى هذا السياق، أوضحت الدكتورة "نبيلة السعدى" أخصائية التواصل الاجتماعى والاستشارات الأسرية والزوجية، قائلة: "لا نختلف على حب الآباء لأبنائهم ولكن هم يقومون بتربية أبنائهم بنفس الطريقة التى تربوا عليها، ولأن غالبية الآباء تربوا بالعنف وعلى الاعتماد على الغير لتحقيق أحلامهم، ويعتبر أشهر أنواع العنف المنتشرة داخل الأسرة المصرية هو عقاب الأطفال بالضرب، وكان والد "ريم" يرغب فى تحقيق حلمه عن طريق ابنته، نظرا لفشله فى تحقيق نفس البطولات، لذلك كان يقسو عليها دون أن يشعر أن ذلك يؤدى إلى وفاة أغلى ما عنده، فمن المؤكد أن طريقة تربيته كانت قائمة على نفس الطريقة لذلك لم يعرف سبيلا آخر لتنشئة ابنته إلا هذه الطريقة، لم ينتبه الأب عند تعنيف ابنته أنها أصبحت فتاة كبيرة فى عمر المراهقة، وليست طفلة تحتاج إلى حضنه وحنانه للتعرف على سبب عدم التركيز فى التمرين بدون عنف، فالجانب النفسى هو العامل المسيطر فى اتزان باقى جوانب الحياة، وخاصة للمراهقين، فهم يحتاجون إلى الاحتواء والآمان ولكن الأهل أهملوا هذا الجانب، ونظروا إليها على أنها بطلة لابد أن تكون مثل الماكينة تعمل للحصول على البطولات فقط.
وتابعت: "سيطر على الفتاة فى لحظة سقوطها من السيارة نوبة غضب عارمة لم تنتبه فيها إلى خطورة ما تفعله، ولم تكن "ريم" هى الفتاة الوحيدة التى تقوم بذلك، فهناك اتجاه قوى بين المراهقين حاليا إلى التخلص من أجواء العنف الذى يتبعه الأهل معهم عن طريق الانتحار أو الهروب من المنزل، وكلتا الحالتين تؤدى لضياع الأبناء للأبد".
وأضافت: "العنف أنواع كثيرة منها ما هو بدنى ومنها ما هو نفسى، ورغم اختلاف الأسلوبين إلا أن النهاية واحدة وهى ضياع الأبناء، ويعتبر العنف البدنى أكثرها تأثيرا فهو يترك أثرا سلبى على النفس".
وعن أفضل طرق عقاب الأطفال، تقول الدكتورة "نبيلة": "يواجه الآباء والأمهات صعوبة بالغة فى إقناع أطفالهم بالاستماع إلى نصائحهم وهو ما يجعلهم يتعاملون معهم بعنف شديد، ولكن هناك خطوات لعقاب الأطفال لا تسبب لهم أى من الاضطرابات النفسية أو تمثل عنف عليهم، وهى أن يقوم الأب بعمل جدول يحتوى على كل ما يحبه الطفل من ألعاب ورحلات وأماكن للتنزه وأمام كل نقطة يقدر الأهل ما عدد النجوم التى يجب أن يحصل عليها الطفل حتى يحصل على هذه الهدايا والامتيازات، على سبيل المثال أماكن التنزه = 20 نجمة، لعبة جديدة = 30 نجمة، شيكولاتة = 10 نجوم وهكذا.
ثم نضع هذا الجدول على باب غرفته مع توضيح وشرح للطفل هذه الطريقة وكيف يحصل على النجوم حتى يجمعها ويحصل على ما يريد وهى الاستماع إلى كلام الكبار وتنفيذ كل ما يطلب منه كالمذاكرة وترتيب الغرفة وعدم الجلوس طويلا أمام أجهزة اللاب توب والتليفزيون، وعند تجميع النجوم لابد أن يفى الأهل بما وعدوا به للطفل حتى يعرف أن ما يقوم به الأب هو حقيقة ويمكن أن تنفذ، وفى حال خطأ الطفل يخصم من نجومه وبهذا يحرم من الألعاب والأشياء المحببة لديه، وبهذا يتعلم الطفل أن الإنصات إلى حديث الأهل أمر هام، ومنها سيتعلم فنون الحوار والمناقشة وتكوين وجهة نظر خاصة به ومحاولة إقناع الأب بوجهة نظره حتى يحصل على النجوم التى تصل به إلى ما يريد.
وفى حال استخدام الأب والأم هذه الطريقة عليهم عدم استغلال هذه الطريقة فقط لإرضاء أنفسهم واستعباد الطفل فى تنفيذ أوامر ليس لها أهمية حتى لا تؤثر بالسلب على تكوين شخصية الطفل، وعندما يقوم الطفل من نفسه بعمل شىء حسن دون توجيه من أحد على الأب إعطائه نجوما أكثر لعمل شىء محبب إلى قلبه.
وأشارت الدكتورة "نبيلة" إلى أن الطفل سيكون متجاهلا لقواعد الجدول فى الأيام الأولى له ولكن الإصرار والجدية من الأم والأب فى تنفيذه سيقنعه أن الموضوع جد ويقوم بتنفيذه.