لقى فيلم "العساكر" الذى أنتجته قناة "الجزيرة" القطرية للإساءة للجيش المصري ردود فعل غاضبة من الشعب المصري الذي يقدس جيشه ولا يقبل المساس به.. ومن هذا المُنْطَلَق يرصد "انفراد" العديد من سقطات الفيلم التى تجاوزت العُهْر الإعلامي ودخلت مرحلة محاولة التحريض العلني ضد الجيش المصري القابض على جَمْر الاستقرار، والذي بسببه مازالت تحافظ منطقة الشرق الأوسط على بعض توازنها وثباتها.
أول دقيقة في الفيلم تستعرض مواد القانون التي تلزم الذكور بالتجنيد الإجباري فقط، ولم يتطرق الفيلم إطلاقًا إلى حالات الإعفاء من الجندية، مثل "الذكر" الوحيد الذى ليس له أشقاء رجال، أو الشقيق الأصغر الذى يلتحق أخاه بالتجنيد، أو تأجيل التجنيد طوال فترة الدراسة الجامعية مهما طالت.
إخفاء وجوه الضيوف الذين يزعمون بأنهم عساكر وضباط صف وضباط، وتغيير أصواتهم تحت زَعْم الحِرْص على سلامتهم الشخصية، يضرب بالأساس مصداقية الفيلم، ويحاول توصيل رسالة خبيثة تحريضية بأن أي جندي يتحدث عن تفاصيل ما يدور داخل الجيش فأمنه الشخصي في خطر!، وهو أسلوب العصابات التي تصفّي بعضها البعض، وليس أقوى جيش نظامي عربي.
أول عسكري "ضيف" يتحدث، يحاول توصيل رسالة بأن الالتحاق بالقوات المسلحة المصرية مجرد رحلة ترفيهية، إذ زعم أنه كان يظن أن فترة الجيش مجرد "دورة تدريبية" وأنه كان سعيدًا في البداية ولكن سرعان ما تغير ذلك الشعور.
الجيش مؤسسة عسكرية مسلحة تُعَلِّمُ كل من يلتحق بها حَمْل السلاح للدفاع عن الوطن والأرض بعقيدة ثابتة وباستراتيجية نظامية مدروسة، أما "الدورات التدريبية" فلا تعطيها غير "الميليشيات المسلحة" للتدريب على حروب العصابات وحروب الشوارع، فالجيش أبعد ما يكون عن الدورات التدريبية التي يسافر بعض المشبوهين للالتحاق بها في الخارج.
حاول الفيلم الزعم بأن الكفاءة البدنية للجنود المصريين ضعيفة، وأن المرضى يلتحقون بالجيش! وهو ما ليس له أى أساس من الصحة، فالهدف من وراء تلك الجزئية هو ضَرْب أساس القوات المسلحة المصرية والمعروف عنها قوتها البشرية المهولة، إذ يُعَد عدد جنود الخدمة العسكرية المصرية أكبر من عدد سكان بعض الدول!.
محاولة الاستهزاء بإجراء الكشف الطبي الدوري المُعتاد للاطمئنان على الرجال الأسوياء جنسيًا ممن يلتحقون بالجيش المصرى، وهى الأزمة التى يقابلها الجيش الأمريكى الذى يمتلك قواعد عسكرية على أراضى دولة عربية.. فهل المطلوب هو الموافقة على إلحاق الشواذ جنسيًا بالجيش المصري؟!.
محاولة ضرب العقيدة القتالية بزعم أن الجنود يتلقون فقط التعليمات النظرية لإطلاق النيران دون أي تدريب عملي، وهو ما يوحي بأن الجنود غير مؤهلين عسكريًا حال اندلاع أي حرب، أما فيما يخص التطرق لأوامر جَمْع "فوارغ الطلقات" فهو إجراء غاية في الصرامة بشأن سرية التدريبات واستعمال كل الطلقات المُخصصة للتدريب فقط، وللتأكد من عدم تهريب أى من الذخائر خارج معسكر التدريب.
وزعم الفيلم أن تجهيز القوات على الانضباط والمارشات العسكرية كل الهدف منه الاستعراض أمام وزير الدفاع خلال حفلات التخرج!، متناسين أن تلك العروض تكون سببًا فى استعراض الجيوش لقوتها أمام العالم، لتُعَد إحدى الرسائل المُوَجَّهَة بقوة الجيش وعتاده وموارده البشرية الممتازة، فالفيلم يروّج لتلك الجزئية بشكل سلبي لضياع مجهود الأبطال والتدريبات الشاقة هدرًا دون الإعلان عن قوة الجيش العسكرية والبشرية.
ينتقد أحد العساكر المزعومين في الفيلم ترحيل زملائه لأماكن بعيدة عن مقر خدمته، فهل يريد القائمون على الفيلم توزيع الجنود على الأسلحة والفِرَق والوحدات حسب الأهواء وفقًا لما يريده الأصدقاء والأحباب؟ هل الخدمة العسكرية رحلة ترفيهية يختار فيها المقاتل لأي سلاح ينضم؟ نعم يمكن أن يحدث في جيشٍ ما، ولكن ليس في جيش نظامي محترف كالجيش المصري الذي لا يلتحق به إلا المصريون فقط.
"يابني أنت إيه اللي جابك هنا.. أنت أمك داعية عليك؟!".. جملة خرجت من أحد ضيوف الفيلم المزعومين قائلاً إنها لسان حال العسكرى وقت استقباله الجنود الجُدُد المُوَزَّعين على الوحدات العسكرية المختلفة، لإيهام المشاهد بأن الجيش أقرب للجحيم!، في رسالة تحريضية مباشرة لزرع الكُره تجاه الخدمة العسكرية بشكل خاص، والقوات المسلحة المصرية بشكل عام.
عندما "يزحف" الجندى، وتُلقى عليه المياه والأتربة أثناء ذلك التدريب مثلما يظهر فى الفيلم، هل هى إهانة للجندى؟ أم تدريب شاق يؤهله للتعامل والتأقلم مع أى بيئة يواجهها؟!، هل يطالب القائمون على الفيلم بتدريب المجندين على الأَسِرَّة والزَحْف على الوسائد الناعمة؟، أما فيما يخص "طابور النظافة" وتنظيف الوحدة فهذا لا ينتقص أبدًا من الجندى، فالعسكرية ليست حَمْل السلاح فقط، بل أسلوب حياة ومنظومة معيشية متكاملة.
"نمارس اللا شىء فى الجيش المصرى"، جملة تهكّمية قالها أحد العساكر المزعومين في الفيلم، هدفها التطاول على القوات المسلحة المصرية والاستهزاء بمجهودات الجنود البواسل.
حاول الفيلم ترويج عدم الاهتمام بكفاءة وقوة الأسلحة والمعدات بقدر الاهتمام بمنظرها الخارجى، لمحاولة الإيهام بضعف القدرة القتالية والكفاءة الفنية للمعدات والأسلحة والمركبات.
"معدات التدريب متهالكة".. "المعدات اللي بنتدرب عليها من أيام حرب أكتوبر 73" مزاعم أخرى لضرب الكفاءة القتالية وجاهزية المعدات والمركبات بالجيش المصرى.
مشهد العساكر المتفرجين على الضباط وقت الغداء تحريضي بَحْت يحاول الزعم بأن "الطبقية" هى السائدة وأن الذل والاحتقار هو ما يُمَارَس من الضُباط تجاه الجنود.. أما فيما يخص اعتراف "ضابط صف" بتكديره للعساكر نتيجة شعوره بفروق تعليمية بينه وبين حملة المؤهلات العليا، وضربهم والتعدى عليهم، يحاول توصيل رسالة خبيثة بوجود طبقات داخل الجيش تحمل الضغائن لبعضها البعض، وتلك الجزئية مغلوطة بالكامل؛ فتماسك الجيش المصري من الداخل خير دليل على كذب مثل تلك الافتراءات.
"العسكري ده زي السوستة طول ما أنت ضاغط عليها أكتر أنت متحكم فيها.. لو شِلْت إيدك ينط في وشك".. "العسكري ده فيه سِنّة كده –في إشارة لنية التمرد المُبَيَّتَة– إنما مايعرفش يمشي محترم إلا لما يتكدر".. رسائل خبيثة في منتهى الخطورة خرجت من ضيوف الفيلم، تحاول ترسيخ روح التمرد وعدم الانصياع للأوامر العسكرية بين الجنود، وهو ما يخالف تمامًا العقيدة العسكرية السائدة في العالم أجمع التى بسببها تتماسك الجيوش وتحافظ على ثباتها وقوتها لاعتبارها أساس أى جيش نظامي، ولكن من المؤكد أن ذلك التمرد وانفلات عيار الجنود نتيجة الضغوط قد يحدث بالفعل، ولكن في دولةٍ ما تُجند المُرْتَزَقَة بين صفوف جيشها.