تقوم الأمم على التوافق بين مواطنيها فى قضاياهم المتشابكة، ثم تصبح الدولة بمؤسساتها صاحبة السلطان فى إنفاذ هذا التوافق الذى يتحول إلى قوانين حاكمة، مخالفتها تعنى الخروج عن المألوف والقانون، ما يستوجب العقاب على حالات الخروج عليه، حتى يحدث التناغم المطلوب بين أفراد المجتمع الذين يمثلون الجمعية العمومية لهذا الوطن.
وواجهت مصر فى أعوامها الأخيرة محاولات مستميتة من جانب دعاة الشر لاختراق هذا التوافق الوطنى ليتحول هذا التوافق من وطن نعشقه إلى إظهار المجتمع بصورة أنه متوافق على فكرة خبيثة، تنال من الأوطان وقوتها وبقائها وتقدمها وتطورها.. هذه الفكرة التى نسجتها عقول الشر والفتنة من أجل مصالح فئة قليلة آثمة، اعتبروا الأوطان مجرد "كوبرى" للوصول إلى فكرتهم الشاذة.. والذين قفزوا على الحكم فى مصر فى ليلة غاب فيها التاريخ، ليحاولوا بعدها لجم المجتمع ليسير فى ركاب فلسفاتهم الشيطانية، التى تقوم على فرض الأمر الواقع، وهى السياسة التى لا يعرفها غير هؤلاء الخونة.
وعندما أدرك الشعب المصرى أن هذه الجماعة أطلقت من بلعومها السموم القاتلة، وأن هذه الحيات الرقطاء لن تعود إلى جحورها ثانية إلا إذا أردت الشعب قتلى لأفكارهم، أو أن الشعب يطلق فى جوفها قيمه ومبادئه فيرديها مقتولة، أو تفر هاربة إلى ديار أولياء النعمة وأسيادهم فى قطر وتركيا ومن خلفهما.. لذلك فقد عرف الشعب خبث طويتهم وأنه لا بقاء لهم فى سدة الحكم، أعلن الشعب المصرى موقفه من هؤلاء المشوهين فى واحدة من أهم ثوراته فى 30 يونيو 2013، ليعيد الوطن رسم خرائطه من جديد بدون هؤلاء الذين تورمت قلوبهم بفعل الشر الساكن فيها.
ورفع الشعب المصرى راية الوطنية من جديد وراح يحلم من جديد ويخطط للمستقبل من جديد، لكن بقيت فى الزوايا بعض من سموم الإخوان الكارهين الذين استخدموا بعض شبابنا وزينوا له العنف وسيلة من وسائل الجهاد فى مواجهة الدولة، ولأن الدولة لا تأكل أولادها، فقد قررت فى هدوء وثقة استيعاب هؤلاء الشباب وفتح صفحة جديدة بينهم وبين الدولة، ليتحولوا إلى قوة دافعة للوطن فى نهضته وتقدمه.
ولأن الدولة عازمة على تنقية المناخ الفاسد الذى تركه أولئك الفارغة عقولهم من كل فكر رشيد، والمملوءة عقولهم بكل شر مستطير، فقد انعقد المؤتمر الوطنى الأول للشباب ليكون هو محطة التلاقى بين الشباب والدولة، ويتمخض هذا المؤتمر عن توصيات عدة أهمها تشكيل لجنة تكون مهمتها بحث حالات الشباب فى السجون والتى لم ترتكب جريمة العنف فى مواجهة الدولة، وبالفعل بدأت اللجنة أعمالها وأصدر الرئيس قراره بالإفراج عن القائمة الأولى من الشباب، والتى ضمت 82 شابا من هؤلاء الذين صدرت ضدهم أحكاما نهائية، وهم الآن خارج أسوار السجون ينعمون بالحياة، وينعمون بالعفو الرئاسى المشروع الذى يتفق مع الدستور والقانون والتوافق المجتمعى.. وما زالت لجنة العفو تمارس عملها وتقوم بإعداد القائمة التالية فى إطار العفو المشروع.
ولشدة ما كانت المفاجأة عندما وجدت البعض من ضيقى الأفق يتحدثون عن أن هذه اللجنة هى مقدمة لمصالحة عامة فى المجتمع ويقصدون الإخوان تحديدا.. لكن الشعب أبدا لن يقبل بهذه المصالحة لأنه يأتى فى إطار العمل الحرام، فمنذ رمى الشعب هذه الجماعة الفاسدة خارج السياق المجتمعى لمصر، أو أنهم نالوا جزاء ما قدمت أيديهم فكان حكم القضاء فيهم بأن مكانهم خلف الأسوار.. فهرول الهاربون منهم ووجهوا أسلحتهم صوب صدورنا، وقاموا بتأليب الإعلام الغربى الأجير مقابل المال وكذلك الدول وأجهزة الاستخبارات الأجنبية لتكون مصر مرتعا للخونة والمتآمرين.. لكن الشعب نفاهم بعيدا ورفض وجودهم بينه، واعتبرهم جماعة إرهابية خارجة على مألوف الجماعة الوطنية وأن الشعب لن يقبل المصالحة معهم لأنها المصالحة الحرام.