تابع المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام باهتمام كبير، الحكم الصادر من محكمة جنح قصر النيل بالقاهرة يوم 19 نوفمبر الجارى، والذى قضى بحبس نقيب الصحفيين يحيى قلاش وعضوى مجلس النقابة خالد البلشى وجمال عبد الرحيم مدة سنتين وتسديد كفالة عشرة آلاف جنيه لوقف تنفيذ الحكم بعد أن أدانتهم بإيواء متهمين صادر بحقهما أمر ضبط وإحضار من النيابة العامة، وهنا لابد وأن نفرق بين أمرين:
الأول: الإجراءات القانونية التى نص عليها القانون فى مثل هذه الحالات، فالقانون لا يفرق بين شخص وآخر، والطعن فى هذه الإجراءات يكون دائمًا أمام الجهة التى أناط بها الدستور والقانون ذلك، وهى النيابة العامة أو القضاء، فالقضاء فى النهاية هو صاحب القول الفصل فى إظهار وجه العدالة على اعتبار أن الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة، والتاريخ يؤكد نزاهة قضائنا واستقلاليته من أى تغول أو تبعية.. وهذا الحكم الصادر بحق نقيب الصحفيين وزميليه خالد البلشى وجمال عبد الرحيم، هو حكم أول درجة وأن هناك درجة أخرى من التقاضى تعد بمثابة جولة قضائية جديدة .
الثانى: وهو الجانب المهم فى معادلة الحريات الإعلامية التى نطالب بأن تكون مساحة الحريات الصحفية بلا حدود، خاصة إذا كان لا يتعارض مع القانون، ويدخل فى حديقة الرأى والتعبير، ورغم أن مساحات الحرية فى هذا الصدد واسعة إلا أن المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام يطالب دومًا بضرورة الإسراع فى إصدار التشريعات اللازمة لتمكين الصحفى من القيام بمهمته المقدسة فى أمان وحرية ودون خوف أو تردد، لأن الدولة تقوى وتتعاظم قوتها فى وجود إعلام قوى ومنضبط .
وكان موقف نقيب الصحفيين وعضوى المجلس واضحًا وجاء فى عبارات محددة، وهو أن "النقابة ليست فى خصومة أو عداء مع أى من مؤسسات الدولة وأن النقابة سوف تتخذ الاجراءات القانونية نحو استئناف هذا الحكم".. خاصة أن نقابة الصحفيين هى الأقدم والأعرق فى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وأن نقابة الصحفيين هى واحدة من أهم منظمات المجتمع المدنى ومعها نقابات مصر المختلفة التى لا تتلقى تمويلاً من الخارج، ولا تتحرك إلا وفق أجندتها الوطنية الخالصة، وهو الأمر الذى يجعلنا نؤكد أن قوتها تعنى الرد الحاسم على المنظمات المشبوهة وأصحاب الأجندات المختلفة والذين لا يرتبطون بمصر إلا بحسب مصالحهم، فيما يعتبرون أنهم طابور خامس ضد الوطن، وتبقى نقابة الصحفيين وغيرها تمثل الرد القاطع على هؤلاء المشككين فى الدولة المصرية من أنها تعمل على تقييد والتضييق على منظمات المجتمع المدني.
ولكن فوجئنا بالمركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام بنقابة الصحفيين التونسية يصدر بيانًا ومعه بعض المنظمات التونسية، وبدلاً من أن يعلن تضامنه فى إطار المهنة إذا بالبيان يتجاوز كل الحدود والأعراف والقيم الصحفية فيطلق عباراته التى جاءت "رديئة" وصلت حد الابتذال.. فقد أكد فى هذا البيان أن حبس نقيب الصحفيين يحيى قلاش وزملائه لن يمر بسهولة، مشددا على تضامنها المطلق والمبدئى مع النقابة المصرية ومع كل الصحفيين المصريين الذين يواجهون بلطجة غير مسبوقة، -على حد تعبيرها- إلى غير ذلك من العبارات المسيئة التى تحدثت عن "توظيف القضاء" لمصلحة السلطة.
ودعت النقابة التونسية فى ذات البيان كل القوى المجتمعية فى تونس لمقاطعة كل الأنشطة التى ستقوم بها السفارة المصرية فى تونس، كما أعلنت عن أنها ستتجه إلى اتحاد الصحفيين العرب بطلب عاجل، لمناقشة إمكانية نقل مقره من مصر.
وهنا نتوقف عند عدة ملاحظات وهى:
أولاً: أن البيان قد جاء فى عبارات "ركيكة" لا صلة بينها وبين الأداء الصحفى والنقابى المتزن، بل إن كلماته قد وضح منها أنها صيغت بشكل سياسى وليس فى صورة نقابية، وأن حروف البيان تقطر حقدًا وغلاً على مصر الدولة، وأنها استغلت هذا الحدث لتحاول النيل من الدولة المصرية ورموزها، وهو الأمر الذى نصفه بالرعونة والجهل والتدخل المرفوض فى شأن مصرى خالص، وهو المرفوض أيضًا من الجماعة الصحفية المصرية.
ثانيًا: لا أتصور كيف سمحت نقابة الصحفيين التونسية لنفسها أن تهدد وتتوعد الدولة المصرية؟ عندما ضمنت البيان الأكذوبة عبارة "أن الأمر لن يمر بسهولة".. وهذه العبارة تمثل قمة الجهل القانوني، وعدم معرفة بالشأن المصرى الذى لا يقبل التهديد من أى جانب حتى ولو كانت الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثًا: نحن هنا فى مصر ننتقد الحكومة ونهاجمها وننتقد النظام، ولكن أبدًا لن نقبل أن تهان الدولة المصرية من أناس لا يدركون قيمة مصر، والمركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام يرفض استخدام عبارة "بلطجة غير مسبوقة" والتى وردت فى البيان الذى ينال من الصحافة التونسية ولا يضيف إليها، بل إنها بذلك نصبت نفسها وأوكلت لنفسها حقًا هو من صميم نقابة الصحفيين المصرية لتدافع عنها فى مصر، رغم أن صحفيى مصر هم من القدرة والكفاءة والقوة بحيث يستطيعون أن يدافعوا عن الصحفيين التونسيين وغيرهم فى أى مكان فى العالم.
رابعًا: أن قضاء مصر معروف بنزاهته وشرفه وعدله، ولن نقبل ولن تقبل نقابة الصحفيين المصرية ذلك البيان الخالى إلا من الحقد المخلوط بالسموم، وسوف يبقى قضاء مصر هو الملجأ والملاذ لكل مظلوم ضد كل ظالم سواء كان فردًا أو حكومة..
خامسًا: أما أن تتقدم نقابة الصحفيين التونسية بطلب لنقل اتحاد الصحفيين العرب من مصر فإن الصحفيين المصريين هم الذين بنوا بسواعدهم ونضالهم هذا الكيان وكيانات أخرى، وهو الذين علموا العرب وأفريقيا أبجديات الصحافة والإعلام، وسوف ترفض نقابة الصحفيين المصرية بل وستواجه هذا الطلب، ليعود وفد نقابة الصحفيين التونسيين إلى مقرهم فى "شارع الولايات المتحدة" فى قلب تونس وقد خاب مسعاهم.
سادسًا: يؤكد المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام تضامنه الكامل مع حرية الصحافة والتعبير عن الرأى، وفى نفس الوقت فإننا نرفض بيان نقابة الصفيين التونسيين لأنه لم يأت تعبيرًا عن التضامن فى قضايا مهنية ولكنه جاء فى إطار سياسى يحاول تأليب الصحفيين المصريين على الدولة المصرية وهو ما ترفضه الجماعة الصحفية المصرية.