آسفين يا عم نجيب، لم نكن نعرف أن صناديق اقتراعنا ستأتى بمن يعتبر أدبك الذى كرمه العالم خدشا للحياء العام، لم يكن الواحد فينا يتخيل أن عاقلا راشدا يتسلل فى طرق التعليم حتى يصل إلى قمته كأستاذ للقانون وهو يملك تلك العقلية وذاك الخيال المشوه، وتلك النفس المخلوطة بالتطرف والرجعية ليخبرنا بأن أدبك يخدش الحياء العام، ويشكو من أسفل قبة البرلمان التى تسلل إليها، كما تسلل سابقوه من النقاط السوداء فى ثوب التاريخ التشريعى المصرى أن الرجال تقاعسوا فى زمنك عن محاكمتك بتهمة خدش الحياء العام.. آسفين ياعم نجيب.
لو كنا فى زمن الإخوان، لو كان النائب أبو المعاطى عضوا عن حزب النور وقف بلحيته الخفيفة أسفل قبة مجلس النواب ليخبر العالم بأن محاكمة نجيب محفوظ واجبة لأن أدبه يخدش الحياء العام، لانتفضت مصر كلها، ووقف الصغير قبل الكبير على قدمه دون أن يجلس حتى يشطب اسم أبو المعاطى مصطفى ومن معه من سجلات تاريخ مصر، ومن دفاتر العاقلين، الراشدين، المتعلمين، الأسوياء الذين يعرفون قيمة الأدب، ومعنى الخيال، ولا تمرض نفوسهم أو تضعف بذكر للمرأة أو لمسة يد بين ذكر أو أنثى.
وقف النائب الدكتور- تخيل دكتور، شوف تعليم مصر بيخلى الدكاترة يفكروا إزاى- أبو المعاطى مصطفى يدافع عن قانون خدش الحياء العام وضرورة معاقبة المبدعين والفنانين والأدباء وسجنهم قائلا: «السكرية وقصر الشوق فيهم خدش حياء، ونجيب محفوط يستحق العقاب بس محدش وقتها حرك الدعوى الجنائية»، «قرأت لنجيب محفوظ عندما كنت صغيرا روايتى الجبل والحرافيش، ولست ناقدا أدبيا لتقييم أعماله، هو كاتب رائع ولكنه عبر عن القاع المصرى بشكل خارج وفظ، نريد الحفاظ على قيم المجتمع، فالأعمال السابقة ينطبق عليها مفهوم خدش الحياء، ولكن الأهم تحريك الدعوى القضائية ضده والنيابة العامة هى من تحركها».
طبعاً لا داعى للكلام عن أن السيد النائب ومن معه من هواة الشهرة ولاداعى للحديث عن حالة الفقر الثقافى القانونى والاطلاعى التى يعانى منها بعض أهل البرلمان المصرى فقد أثبت المدعو أبو المعاطى مصطفى ومن معه من المؤمنين بأن أدب نجيب محفوظ التهمة على نفسه المريضة بالتطرف وقلة الوعى، حينما اتهم نجيب محفوظ بخدش الحياء العام وتكلم عن ضرورة محاكمته، سيادة النائب القانونى معذور فى جهله بما حدث فى عام 1985 بخصوص قضية مشابهة حينما طالب بعض أعضاء مجلس الشعب بمصادرة كتاب التراث العربى بحجة خدشه للحياء العام، وحصلوا على حكم المصادرة فعلا، ولكن تم إلغاؤه بحكم تاريخى أوائل عام 1986 ووقتها وجه القاضى فى حيثياته لأصحاب دعوى المصادرة كلمات واضحة جاء فيها: «من يشترى الكتاب من أجل قراءة هذه العبارات الجنسية، فهو إما مريض أو يتسم بالغباء».
كنا نتخيل أن أهل تيار الإسلام السياسى المتشدد هم من يأخذون بيد مصر ويرجعون إلى الوراء، ولكن يبدو أن لهم أتباعا بين صفوف النخبة البرلمانية وصفوة المجتمع أكثر تشددا وأشد جذباً لمصر نحو الخلف، السيد النائب تجاهل كل ما تحمله روايات الأديب العالمى نجيب محفوظ من قيم إبداعية وثقافية وتاريخية وشغل نفسه ببعض الصور الأدبية المتناثرة بين فى صفحات أدب نجيب محفوظ وآلاف الدرر التى كتبها العقل الشعبى على مدار مئات السنين.
حينما تقرأ نص التصريحات الجاهلة لسيادة النائب وتستمع إلى حجته ومنطقه هو ومن يتفق معه ستجد نفسك مضطرا للسؤال: ألم يعمل سيادة النائب المتطرف فكره بأن منطقه الذى أراد فرضه على أدب نجيب محفوظ يسرى بالضرورة على تاريخ تراثى كامل تتضمن صفحاته صورا جنسية واضحة وألفاظا أكثر جرأة بكثير من تلك التى استخدمها أدباء كبار فى رواياتهم؟
الباب الذى يفتحه النائب أبو المعاطى تحت مظلة خدش الحياء العام لو فتحناه لن تنجو كتب تراثية فى التاريخ والأدب والفقه وكتب لكبار الفقهاء والعلماء من مقصلة الحذف ومطالب المصادرة، بل إن كتب الأحاديث النبوية نفسها وعلى رأسها الصحيحان البخارى ومسلم لن تنجو من تلك الملاحقة، ووقتها سنجد كل هواة الإثارة قد بدأوا فى كتابة بلاغات تطالب بتنقية كتب الحديث والتراث والفقه، وطبعا ستكون هذه البلاغات بناء على سرعة الاستثارة الجنسية التى تصنعها الألفاظ، ووقتها لن تعدم أن يظهر لك أحد الظرفاء أو المهووسين بالجنس ليخبرك أن كلمات مثل «الفرج» و«الإيلاج» و«القضيب» وغيرها من ألفاظ سهل أن تجدها وتجد ما هو أكثر منها صراحة ووضوحا فى كتب الحديث والفقه والتاريخ تصيبه بالإثارة وتدفعه للعيش فى أحضان خيالات جنسية.
لو خضعنا الآن لمنطق خدش الحياء الذى يروج له نائب تحت قبة البرلمان سنضطر أن نخضع لأصوات أخرى تطالبنا بحذف قصائد وأبيات كاملة من أشعار أبى نواس والجاحظ وأبو حيان التوحيدى أو بعض الفقرات من «الفتوحات المكية» لابن عربى أو «طوق الحمامة» لابن حزم، سنضطر وقتها أن نعيد محاكمة الإمام جلال الدين السيوطى ونمنحه لقباً جديداً غير الفقيه والعالم، بعد أن نحرق كتبه التى تمتلئ بالكثير من الإشارات والتلميحات الجنسية وسنضطر أيضاً إلى حرق «تاج العروس» و«رجوع الشيخ إلى صباه» و«فن الإيك» و«الروض العاطر فى نزهة الخاطر»، و«تحفة العروس ومتعة النفوس» و«نزهة الألباب فيما لا يوجد فى كتاب» و«الأغانى» لأبى فرج الأصفهانى و«العقد الفريد» و«نثر الدر» و«ثمرات الأوراق» و«الإمتاع والمؤانسة» و«البيان والتبيين»، وسنضطر أيضا لحذف فصول وصفحات كاملة من كتب الفقه والدين التى تتحدث عن آداب النكاح الشرعية وأحكام الحيض والنفاس وعلامات البلوغ عند الرجل والمرأة.
الأمر أكبر من تصريح طائش لنائب فكره أعور، إنها معركة ضخمة لو بدأت سنجد أنفسنا مرغمين على تفريغ محتويات مكتباتنا العامة والتاريخية والخاصة من كنز ضخم اسمه كتب التراث وجمعه فى ميدان التحرير تمهيدا لحرقه، خوفا على مشاعر أولئك الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن الأخلاق، فى محاولة لإخفاء نفوسهم المريضة التى تصيبها الإثارة وتداهمها الخيالات الجنسية فى حال قراءة 10 ألفاظ ذات علاقة بالجنس أو المرأة.
إنهم يريدون السير بأستيكة على تاريخ بأكمله ليشطبوه أو يعدلوه وفق هواهم، ومن بعدهم يأتى جيل أكثر تطرفا يطالب بتعديلات أخرى حتى نجد أنفسنا أمام صفحات بيضاء، أمام مستقبل بلا ماض أو حاضر وأجيال بلا هوية، هذا المنطق، منطق خدش الحياء العام، والشطب والتعديل والمصادرة الذى يعتمده أمثال النائب أبوالمعاطى يعنى أننا قد نجد أنفسنا أمام جماعة أخرى من المحامين أو المتطرفين يطالبوننا بتفجير وهدم جميع الآثار الفرعونية التى تحمل دلالات جنسية بداية من كل تماثيل الآلهة التى اشتهرت بأنها آلهة الجنس مثل «أربيدايس» ونهاية بجميع اللوحات والجدارايات المصورة التى تحمل زهرة اللوتس على اعتبار أنها رمز للخصوبة النسائية وكل المسلات الفرعونية، وأن نعيد بحث وفحص البرديات الفرعونية التى تتحدث عن الجنس وجمعها وحرقها أو مصادرتها أو شطب الألفاظ ذات الإيحاءات الجنسية منها، فمثلاً لابد أن نقوم بحرق تلك البردية الفرعونية الشهيرة التى يضمها متحف مدينة تورينو الإيطالية التى تتضمن شرحاً وافياً بالصور لأوضاع جنسية مختلفة.
منطق خدش الحياء العام الذى يستظل بظله النائب مريض الخيال يعنى أيضا التحرك لمصادرة ومحاكمة من وضع وطبع ونشر قواميس اللغة العربية لما تتضمنه من شروح وألفاظ صريحة تخص الأعضاء التناسلية والعملية الجنسية، بالإضافة إلى مصادرة كل القواميس الإنجليزية وكتب كليات الطب لما تتضمنه من شروح بالصور للأعضاء الذكرية والأنثوية، إضافة إلى كتاب الأحياء الخاص بالثانوية العامة بسبب ما يضمه من شرح وافٍ للعملية الجنسية بشكل يعرض طلبة فى عمر الزهور وسن المراهقة للإثارة، وبناء على ذلك لابد أن نقوم بسن قوانين تمنع أغانى الأفراح الشعبية والتراثية، نظرا لما بها من إيحاءات جنسية صريحة وواضحة، ومن يتم ضبطه وهو يغنى «ادحرج واجرى يا رمان» أو «خدها ونزل الترعة أو تحت السرير» يعاقب بالسجن فورا بتهمة خدش الحياء العام وإثارة سيادة النائب.
وبعيدا عن القواميس وتماثيل وبرديات الفراعنة تبقى كتب الأحاديث والفقه التى ستكون فى موقف لا تحسد عليه، إذا طبقنا نظرية السيد النائب الخاصة بأن أدب نجيب محفوظ والأفلام المأخوذة عن رواياته تخدش الحياء العام، فى صحيحى مسلم والبخارى والكثير من كتب الفقه عدد من الأحاديث والنصوص التى تحمل إشارات وتعاليم وألفاظا جنسية صريحة، وقبل سرد نماذج من تلك الكتب لابد أن نشير إلى أن المعلوم بالضرورة يقول بأن تناول كتب الحديث والفقه والعلوم للمسألة الجنسية، رغم أن أغلبه يأتى فى إطار مغلف بالألفاظ غير الشعبية، فإن هذه الأحاديث والنصوص الفقهية تتضمن أمورا جنسية أكثر عمقاً وإيحاءً مما ورد فى أدب نجيب محفوظ، كما أنها كتب موجودة فى البيوت ومتاحة للمراهقين وأى محاولة لشرح ما فيها يعنى الاستفاضة فى الكلام بوضوح عن العملية الجنسية بكل تفاصيلها وفى البخارى ومسلم نماذج كثيرة لهذا الأمر مثل:
1 - الحديث الذى رواه البخارى عن عبدالله بن عمر قال «ذكر عمر بن الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: توضأ واغسل ذكرك ثم نم»، وفى البخارى ومسلم عن أبى بن كعب «قال: يارسول الله، إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل، قال يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلى».
2 - وفى البخارى حديث آخر تشتكى فيه زوجة قلة جماع زوجها وزهده فيه، فتقول للرسول صلى الله عليه وسلم عن زوجها: «لم يقربنى إلا هنة واحدة ولم يصل منى إلى شىء» أى أنه لم يجامعها إلا مرة واحدة ولم يفعل شيئاً، فدافع زوجها عن نفسه بقوله إنها كذابة فهو ينفضها نفض الأديم بمعنى أنه فحل، ولكنها هى أى زوجته ناشز، فرد عليهما الرسول عليه الصلاة والسلام قائلاً: «فإن كان ذلك لم تحلى له حتى يذوق من عسيلتك أى لذة الجماع».
3 - وهناك أيضاً ما رواه الترمذى عن عدم قدرة سلمة بن صخر الأنصارى على التحكم فى شهوته والذى وصف ذلك بقوله: «فبينما هى تخدمنى ذات ليلة إذ تكشف لى منها شىء فوثبت عليها».
4 - حديث آخر رواه البخارى فى (باب حسن المعاشرة مع الأهل): حدثنا سليمان بن عبدالرحمن وعلى بن حجر قالا: أخبرنا عيسى بن يونس قال: حدثنا هشام بن عروة عن عبدالله بن عروة عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت: (جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، قالت الأولى: زوجى لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثانية: زوجى لا أبث خبره، إنى أخاف ألا أذكره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجى العَشَنَّق، إن أَنْطِق أُطَلَّق، وإن أسكت أُعلَّق. قالت الرابعة: زوجى كلَيْلِ تهامة، لا حَرَّ ولا قَرَّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجى إن دخل فَهِدَ، وإن خرج أَسِدَ، ولا يسأل عما عهد. قالت السادسة: زوجى إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. وقالت السابعة: زوجى غياياء أو عياياء، طباقاء، كل داءٍ له داء، شجَّكِ أو فلَّكِ أو جمع كلاًّ لكِ. قالت الثامنة: زوجى المس مس أرنب، والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجى رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة: زوجى مالك وما مالك؟! مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجى أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حلى أذنى، وملأ من شحم عضدى، وبجحنى فبجحت إلى نفسى.. وجدنى فى أهل غنيمة بشق، فجعلنى فى أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أم أبى زرع فما أم أبى زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبى زرع فما ابن أبى زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبى زرع فما بنت أبى زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبى زرع، فما جارية أبى زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً، قالت: فخرج أبو زرع ذات يوم والأوطاب تمخض، فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقنى ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خَطِياً، وأراح على نعماً ثرياً، وأعطانى من كل رائحة زوجاً، وقال: كلى أم زرع وميرى أهلك، فلو جمعت كل شىء أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبى زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبى زرع لأم زرع).
5 - وفى فتح البارى شرح لحديث آخر للرسول عليه الصلاة والسلام يسأل فيه جابر بن عبدالله عمن تزوج؟، فيرد جابر أنه تزوج ثيّباً- أى سبق لها الزواج- فقال: مالك وللعذارى ولعابها؟ فيقول الكتاب: «المراد به الريق وفيه إشارة إلى مص اللسان ورشف الشفتين، وذلك يقع عند الملاطفة والتقبيل».
الأحاديث السابقة ليست حصراً، ويمكنك أن تحصى بنفسك عددا أكبر من تلك الأحاديث التى لو تعاملنا، معها بتلك العقول التى تستثار جنسياً بسبب لفظ هنا أو لفظ هناك لوجب علينا أن نمنع مجتمعنا من الاطلاع عليها خوفا من خدش حيائه العام، وبعيداً عن كتب الحديث يبقى العديد من كتب الفقه الشهيرة التى حملت جملاً وألفاظاً ذات دلالات جنسية صريحة وواضحة، فها هو الإمام مالك فى كتابه الأشهر «الموطأ» يكتب عن عائشة بنت طلحة، عندما كانت عند السيدة عائشة أم المؤمنين، فدخل عليها زوجها عبدالله بن عبدالرحمن بن أبى بكر، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها؟، قال: أقبلها وأنا صائم؟!، قالت: نعم. ثم يصف مشهداً آخر بكثير من الصراحة والوضوح قائلاً: عن ربيعة بن أبى عبدالرحمن أن رجلاً أتى القاسم بن محمد فقال: إنى أفضت وأفضت معى بأهلى ثم عدلت إلى شعب، فذهبت لأدنو من أهلى فقالت: إنى لم أقصر من شعرى بعد، فأخذت من شعرها بأسنانى، ثم وقعت بها، فضحك القاسم وقال: «مرها فلتأخذ من شعرها بالجلمين».
والكلمة الأخيرة هذه تعنى «المقص»، وفى نفس الكتاب «الموطأ»: سأل رجل أبا موسى الأشعرى فقال: «إننى مصصت من امرأتى من ثديها لبناً فذهب فى بطنى» وكان يستفتى هل تحرم عليه أم لا، وطمأنه عبدالله بن مسعود بأنه لا رضاعة إلا ما كان فى الحولين.
أما فى كتاب «زاد المعاد» لابن القيم وتحديدا فى الجزء الثالث، يمكنك أن تقرأ هذه الفقرة «مما ينبغى تقديمه على الجماع ملاعبة المرأة وتقبيلها ومص لسانها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عائشة ويمص لسانها، وأحسن أشكال الجماع أن يعلو الرجل المرأة مستفرشاً لها بعد الملاعبة والقبلة وبهذا سميت المرأة فراشاً».
وفى الكتاب الشهير «إحياء علوم الدين» للإمام أبى حامد الغزالى المتهم بالتطرف والتعصب والتشدد، يمكنك أن تقرأ الآتى: «إذا قضى الرجل وطره فليتمهل على أهله، حتى تقضى هى أيضاً نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف فى طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان، وللزوج أن يستمنى بيدى زوجته» ويقول أيضاً: «وعن ابن عباس فى تفسير قوله تعالى: «ومن شر غاسق إذا وقب»، قال هو قيام الذكر، وقد أسنده بعض الرواة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قال فى تفسيره الذكر إذا دخل، وقد قيل إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله».
إنها صراحة فى الحديث ربما لا تعجب هؤلاء الذين وصفهم القاضى الشجاع سنة 1986 بالمرضى والأغبياء الجاهزة غرائزهم للإثارة لمجرد سماع كلمة، إنها صراحة وضعها فقهاء وعلماء كبار دون أن يضعوا فى بالهم أن الزمن قد يلد لهم الكثير من أصحاب العقول الضيقة الذين يعتبرون تعاليمهم وحكاياتهم وقصصهم بتلك اللغة أعمالا جنسية تستحق المصادرة والشطب، لأنها تخدش الحياء العام، هذه الكتب وهذه الأحاديث وهذه السطور وهذه الألفاظ قرأها أجدادنا ومن بعدهم آباؤنا، قرأوها جيلا وراء الآخر، وتوقفوا أمام خلاصتها العلمية والتاريخية والأخلاقية، ولهذا كان لهم شأن بين الأمم، أما نحن الذين نترك ما بهذه الكتب من تعاليم ودورس تاريخية، ونتوقف أمام الدلالات الجنسية للألفاظ، ونقيس حكم استثارتنا الجنسية على الجمل والعبارات، فلا شأن لنا اليوم.. فقط نحن نهبط ونهبط إلى حيث يوجد روث الأمم فى قاع القاع.