خيمت الصدمة على الاتحاد الأوروبى، بعد أن فقدت المؤسسة السياسية التقليدية أرضا أخرى لها، حيث حقق اليمين المتشدد فى إيطاليا انتصارا كبيرا بعد رفض الإيطاليين الإصلاحات الدستورية التى تقدم بها رئيس الوزراء ماتيو رينزى، مما دفعه لتقديم استقالته بحسب وعده قبل الاستفتاء على التعديلات.
وصوت 60% من الإيطاليين، الأحد، برفض التعديلات الدستورية المقترحة الخاصة بتقليص سلطات مجلس الشيوخ الإيطالى والأقاليم لصالح مجلس النواب والحكومة المركزية، وهو ما يؤكد نجاح حملة أحزاب اليمين والحركات الشعبوية، وعلى رأسها حركة 5 ستار، فى الحشد لصالح التصويت بـ"لا".
ونتائج التصويت أرسلت صدمة كبيرة فى أرجاء الاتحاد الأورروبى، حيث تمثل خسارة رئيس الوزراء الإيطالى، الذى ينتمى للحزب الديمقراطى مخاطرة بإطلاق العنان لإضطرابات مالية داخل الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد فى أوروبا، فى الوقت الذى تكافح فيه البنوك الإيطالية لاحتواء تداعيات أزمة اقتصادية. وطالما أكد رينزى على أن الإصلاحات تساعد فى جهود إنعاش الاقتصاد.
وتمثل النتيجة فوزا للأحزاب الشعبوية والقومية المتشككة فى الاتحاد الأوروبى والتى حشدت بقوة ضد رينزى ووعده بتحفيز الاقتصاد الإيطالى الراكد. وقد قاد هذه الحملة حركة "5 ستار" بزعامة بيبى جريللو، التى من المتوقع أن تحقق مكاسب كبيرة إذا ما دعى الرئيس الإيطالى إلى إجراء انتخابات عامة.
واعتبرت مجلة "فوكس" الأمريكية هزيمة رينزى بمثابة هدية لبيبى الذى دعا قبلا إلى استفتاء على خروج إيطاليا من منطقة اليورو والعمل بعملتها الوطنية "ItaLeave"، على غرار تلك الخطوة التى اتخذتها بريطانيا فى يونيو الماضى وفازت فيها الأحزاب القومية حيث تحقق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
وبالنسبة لأنصار العملة الأوروبية المشتركة "اليورو"، الذين يخشون سيناريو Brexit آخر، فإن الدعم الشعبى المتنامى لبيبى جريللو، مثار قلق كبير. ومع ذلك فإنه حتى لو وصلت حركة "5 ستار" للسلطة، حيث أصبحت ثانى أكثر حزب شعبية فى إيطاليا، فإن هذا لا يعنى خروج إيطاليا من منطقة اليورو.
فبحسب شبكة بلومبرج، فإن الدستور الإيطالى لا يسمح للحكومة بالانسحاب من المعاهدات الدولية عن طريق التصويت الشعبى، إذ يستوجب ذلك تعديل الدستور أولا قبل الاستفتاء على عضوية إيطاليا فى الاتجاد الأوروبى. ورغم أنه نظريا يمكن إجراء استفتاءين، الأول على تعديل الدستور والثانى على عضوية إيطالية فى اليورو، إلا أنه المحكمة الدستورية يمكنها رفض الاستفتاء الأول.
وتشير محطة سى.إن.إن، الأمريكية، إلى أن الاستفتاء كان يمثل اختبارا حقيقا لموجة صعود التوجه الشعبوى فى أنحاء أوروبا، فضلا عن أنه فرصة للتعبير عن الاستياء تجاه الحكومة الحالية.
واعتبرت إيلى شيلين عضو البرلمان الأورروبى، أن هذه الإجراءات التى أقدم عليها رينزى لا لزوم لها تماما وخطأ منه، مشيرة إلى أن الإصلاحات كانت تنطوى على نقل الكثير من السلطات إلى يد الحكومة المركزية بطريقة غير متوازنة، وأضافت "إنها مقترحات خطيرة لنظامنا الديمقراطى".
وتابعت أن إضفاء الطابع الشخصى على التصويت، من خلال تعهد رئيس الوزراء بالاستقالة إذا فشل فى تمرير التعديلات، يعنى أن العديد من الناس الذين صوتوا بـ"لا"، وخاصة الناخبين الشباب، فعلت ذلك لأسباب سياسية تتجاوز نص الإصلاحات ونتائجها.
وبالنسبة للمصارف الإيطالية، فهناك مخاوف من مزيد من التوترات حيث عانت البنوك الإيطالية لسنوات ارتفاع التكاليف وانخفاض العائدات. وأصبح بنك "مونتى دى باشى BMDPF، وهو أحد أقدم البنوك فى العالم، الأضعف حيث يحتاج إلى 5 مليار يورو بعد سقوطه فى اختبار الصحة المالية هذا العام. وقد تراجعت أسهم البنك لأكثر من 80% خلال عام 2016.
ويستوجب على الرئيس الإيطالى الآن إما تعيين حكومة تسيير أعمال يتم تشكيلها من البرلمان الحالى، أو الدعوة إلى انتخابات عامة، حيث من المتوقع أن تحصد حركة "5 ستار" على مكاسب واسعة من خلالها.