يبدو أن 2016، سيخلد عاماً كئيباً للصحافة الورقية، التى شهدت أزمات خطيرة هددت مستقبلها كمشروع تجارى هادف للربح فى ظل تراجع حجم مبيعاتها ومطاردة واتساع ظاهرة الإعلام الرقمى أو الإلكترونى التى باتت مصدراً أساسيّاً لكثيرين فى استقاء المعلومات بما يزيد من التحديات التى تواجهها الصحافة المطبوعة عالمياً.
وفى مفاجأة صادمة للوسط الصحفى والإعلامى العربى وربما العالمى، أعلنت "السفير" إحدى أعرق الصحف اللبنانية والعربية، صباح اليوم، توقفها بعد 42 عاماً عن الإصدار الورقى للأبد.
وأكد الصحفى ربيع فرحات، أحد العاملين بالجريدة أن "السفير" تعانى منذ فترة طويلة، واتخذت قرار الغلق منذ سبعة أشهر، وتم تأجيله بعد محاولات لم تفلح للعبور من الأزمة، ما دعا الإدارة للاجتماع بطاقم التحرير، وأبلغتهم أنّ "السفير" لم تتمكّن من تجاوز عثراتها المالية، وستتوقف عن الصدور نهائيًا مع ختام هذا العام.
وتعد " السفير" واحدة من أشهر الصحف اللبنانية ذائعة الصيت، التى كانت شاهدة على أبرز الأحداث اللبنانية، وكان لها دورا كبيرا فى التصدى للأزمات التى اندلعت هناك، كما قدمت تغطيات متميزة للقضايا العربية وخاصة الفلسطينية، وتعاظمت بعدما باتت منبراً للمقاومة اللبنانية، خلال اجتياح الجيش الإسرائيلى للبنان، عام 1982، بالإضافة لدورها فى حرب 2006.
"السفير" لم تكن الأولى وربما لن تكون الأخيرة، فقد سبقتها صحف عربية وعالمية أخرى، رفعت يدها عن الصحافة الورقية، وركزت على الإعلام الإلكترونى بعد سيطرة وسائل التواصل الاجتماعى والإنترنت على المشهد الإعلامى، مما أدى إلى انخفاض في نسبة المبيعات، ففى مطلع هذا العام اتخذ "يفغينى ليبيديف"، صاحب صحيفة "إندبندنت" البريطانية العريقة التى تأسست عام 1986، القرار النهائى لوقف النسخة المطبوعة من الجريدة، والاكتفاء بالنسخة الإلكترونية، مع تخفيضات فى عدد الصحفيين الموظفين.
ودرس ليبيديف ومساعدوه بيع صحيفة "آى"، وهى النسخة الموجزة من صحيفة "إندبندنت"، لتوفير 25 مليون جنيه إسترلينى واستثمارها فى تطوير الموقع الإلكترونى للصحيفة والوصول به إلى مستوى علامة تجارية عالمية.
وفى مارس الماضى، أعلنتا أعرق صحفيتين كنديتين توقف الإصدار الورقي، حيث قررت صحيفتا "جيلف ميركورى" التى تصدر فى أونتاريو، و"نانايمو ديلى نيوز" التى تصدر فى فانكوفر"،التوقف عن الإصدار نهائيًا، بسبب انخفاض التوزيع الذى سبب لهما خسائر فادحة.
وقال ناشر صحيفة جيلف ميركورى ومدير شركة تورستار للنشر "دونا ليلو" إن المبيعات انخفضت إلى 9 آلاف نسخة، وهو رقم لا يسمح بتغطية نفقات الإصدار اليومى أو الأسبوعى، لذلك كان القرار بالتوقف عن الصدور، والاكتفاء بالموقع الإلكترونى للصحيفة على شبكة الإنترنت، إضافة إلى إصدار طبعتين أسبوعيا من صحيفة "تريبيون" التي تصدر عن نفس الشركة.
أما أكبر الشركات الصحفية فى كندا وهى "بوست ميديا" التي تصدر عدة صحف فى مدن مختلفة، اضطرت مؤخرًا إلى الاستغناء عن 90 وظيفة، ودمج أربع صحف كانت تصدر فى فانكوفر وكالجارى وأدمنتون وأوتاوا، وفى وقت سابق، توقفت صحيفة "لابريس" التى تصدر في "مونتريال" عن الطباعة، واكتفت بالإصدار الرقمى الإلكترونى على شبكة الإنترنت.
"العام الأسود للصحافة الورقية"، لم يكن رحيما على الصحف الورقية الأسبانية، فقد أعلن رئيس تحرير صحيفة "إلباييس" الإسبانية، صاحبة أكبر توزيع فى البلاد، إن الصحيفة تتجه إلى وقف نسختها المطبوعة والاكتفاء بالموقع الإلكترونى، بعد تراجع عدد قرائها، ووجه رسالته لموظفيه، قال فيها : "خطوة التحول من الورق إلى النسخة الرقمية هي جزء واحد فقط، وليست حتى الخطوة الأكبر من خطوات عدة سيكون على الصحف اتخاذها حتى نجد مكاننا الحقيقى في المستقبل".
وفى هذا الإطار قررت مجلة "بلاى بوي" الإباحية الأمريكية الشهيرة، مطلع هذا العام، أن تكون ممثلة الإغراء "باميلا أندرسون" آخر امرأة تظهر على غلاف المجلة الأكثر إثارة وذلك لتطوى المجلة فيها صفحة تقليد استمر لأكثر من ستين عاما، وظهرت أندرسون عارية على غلاف المجلة لعدد يناير، فبراير للعام 2016، ثم أعلنت المجلة التى أسسها "هيو هيفنر" فى عام 1953 بأنها ستتوقف عن نشر صور العرى، قائلة إن هذه الصور عفا عليها الزمن فى ظل وجود الإنترنت، خاصة بعد تراجع توزيعات المجلة الورقية من نحو 5.6 ملايين نسخة في العام 1975 إلى نحو 800 ألف في الأعوام الأخيرة.
كما أعلنت جريدة الأحداث اليومية بالجزائر، مطلع العام الجارى، توقفها إصدارها الورقى، بسبب أزمة مالية عصفت بالمؤسسة ناجمة عن قلة التوزيع، والمبيعات والتو قاربت الصفر، وتعد جريدة الأحداث ثانى جريدة ورقية تتوقف عن الصدور فى الجزائر فى عام 2016 بعد صحيفة "جول" الرياضية التى توقفت عن الإصدار الورقى من قبل.
الصحف الأمريكية الورقية لم تسلم من تلك الأزمة، فذكر موقع "ميديم" الأمريكى فى تقرير له مطلع العام الجارى، أن توزيع الصحف الأمريكية تراجع بشكل كبير، وهى المؤشرات التى توحى بتلاشى الصحف الورقية خلال ثلاثين عامًا – حسب قول الموقع، وكشف الموقع عن تقرير أعدته شركة "ماكينزى" للأبحاث، أنه من المحتمل أن يتخلى العديد من الأشخاص عن الصحف المطبوعة والمجلات تمامًا خلال السنوات القليلة المقبلة، وأبدى التقرير عددًا من الملاحظات المهمة من بينها أنه لا تزال هناك اثنتان فقط من الصحف المطبوعة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهما "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" التى تبيعان أكثر من نصف مليون نسخة فى متوسط أيام الأسبوع، وستة صحف فقط تبيع ربع مليون نسخة فى الأسبوع.
وبالتأكيد، فإن طوفان الإعلام الرقمى أو الإلكترونى عن مصر ليس ببعيد، فقد شهدت الصحف الورقية مؤخراً خسائر فادحة فى ظل ارتفاع تكاليف الطباعة وتراجع المبيعات مع اعتماد القراء بشكل شبه كلى على المواقع الإليكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى فى استقاء الأخبار والمعلومات.