نقلا عن العدد اليومى...
هذا الجدل الذى يقوم على صفحات التواصل أو فى الإعلام هو جدل لا يمكن أن يثمر نتائج فى التغيير، فالدستور يضع ثورة 25 يناير فى مكانها من التغيير والخروج من حالة الجمود والتراجع. ولا يمكن للجدل العقيم الدائر حاليا إلا أن ينتج المزيد من الانقسام والكراهية بين أطراف تتفق أو لديها عناصر كثيرة للاتفاق، حتى لو اختلفت فى التفاصيل والاختلاف، هو جزء مهم من تركيبة السياسة وتحركاتها.
لكن الأهم هو أن مصر اليوم تقطع مسافات نحو المستقبل على كل الأصعدة. وكل تجارب التاريخ والعالم تؤكد أن الديمقراطيات العريقة لم تقم مرة واحدة، ولا فجأة، لكنها احتاجت سنوات وتراكمات لتقوم وتأخذ شكلها النهائى الذى هى عليه اليوم، بل إن هناك دولا تعيد النظر فى تجاربها بالاستبعاد والإضافة.
لكن الأهم الآن بعد خمس سنوات على 25 يناير أن الدولة تستعيد عافيتها الاقتصادية والأمنية، فضلا عن أننا لا نزال اقتصاديا واجتماعيا متماسكين وقادرين على تحدى التطورات الإقليمية والعالمية، فى ظل أزمات اقتصادية تعصف بدول كبرى فى أوروبا. ومع ما نراه من تفكك لدول وتساقط لمقدرات شعوب- وبالتالى- عندما ننظر إلى التجربة المصرية نكتشف أنها نجت وخرجت من أنفاق مختلفة كانت تكفى الواحدة منها لإسقاط دول وأنظمة.
مصر لديها اقتصاد واعد يقف على أقدامه، ولديها مؤسسات تشريعية وقضائية وأمنية قادرة على حماية الأمن، ومهما كانت تهديدات الإرهاب فكلها تتركز فى الأطراف، والتقييم الأمنى العام يؤكد تراجع الإرهاب إلى مستويات منخفضة، بما يعنى انتهاء الأطماع المتطرفة، وخروج جماعات الإرهاب والتعصب من الصورة. استعدنا الأمن ولدينا مؤسسات تحاسب من يخالف، ونسير نحو تحديث الدولة العجوز التى ترهلت خلال عقود. هناك مخططات كبيرة لتعديل وتغيير شامل فى التعليم والصحة والمؤسسات الخدمية، ودفع لاستثمارات توسع من فرص العمل والاختيارات الاجتماعية، مع مخططات للتنمية لا تتجاهل القدرات الكبيرة للشباب.
مصر تجربة مختلفة فى كل التفاصيل، وبالتالى النتائج مختلفة، والأهم كما تشير تجارب التاريخ هو الاستقرار الذى يوفر مسارات تراكمية اقتصادية واجتماعية، وهو ما يبدو متوفرا لدينا اقتصاد ناهض، وقدرات إنسانية كبيرة، وبنية مؤسسات قوية تحتاج للتحديث، وأن تتغير البيروقراطية والفساد. ونبدأ مشروعا تعليميا كبيرا يغير من شكل الكفاءات والخبرات. وكل هذا يتم خطوة وراء أخرى من دون توقف. ثورة فى البناء والتحديث والتشكيل الجديد، وخروج مصر قوية.
ربما يكون على كل التيارات السياسية أن تتجه إلى البحث عن أفضل طرق المناقشة والجدل، وأن تغادر وجودها النظرى إلى المشاركة الفعلية فى بناء حالة سياسية تتجاوز الجدل، مع العلم أننا أصبح لدينا بعد خمس سنوات بنية سياسية ومؤسسات يمكن البناء عليها وإصلاحها، فى خطوات وبتعاون من كل الأطراف، مع الأخذ فى الاعتبار أن الخطوات التى قطعتها مصر تمثل تطورا نوعيا، فضلا عن أن ما يجرى يؤكد يوما بعد يوم أنه لا عودة للماضى ولا لأى نظام من الأنظمة التى أفسدت أو التى حاولت خطف البلاد إلى اتجاهات وطرق لم يكن من السهل استعادتها.