شهر واحد يتبقى على موعد خروج الرئيس الأمريكى باراك أوباما من البيت الأبيض، الشهر الذى يحمل فيه اسم وصفة "البطة العرجاء"، ولا يملك اتخاذ قرارات مصيرية فى السياسة الأمريكية، ويُفترض أن تكون هذه الفترة شهر العسل الأخير لأى رئيس أمريكى، قضى فترتين فى البيت الأبيض، ويستعد للخروج إلى الظل للأبد، أو إلى مساحة من الضوء الخافت الشرفى على أفضل تقدير، ولكن يبدو أن الفلبين قررت حرمان باراك أوباما من هذا الشهر وهدوئه المعتاد، وحضرت المخدرات ورودريجو دوتيرتى واتفاقية القوات الزائرة وملف المساعدات الاقتصادية، لتكون التفاصيل الصغيرة التى تنغص على أوباما شهره الأخير فى البيت الأبيض، وتستجلب له اللعنات والسباب من شرق آسيا.
يواصل الرئيس الفلبينى رودريجو دوتيرتى، حربه الضارية ضد عصابات تجارة المخدرات والمدمنين، على حد سواء، وذلك بالتزامن مع توجيه رسائل متناقضة للبيت الأبيض، إذ يحرص على التودد للرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، فيما يلاحق الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما بسيل من اللعنات والانتقادات.
وفى تصريحات له، قال "دوتيرتى" للصحفيين، أمس الجمعة، إنه يتوقع أن تتحسن العلاقات بين الفلبين والولايات المتحدة الأمريكية بعد تسلم "ترامب" مهامه رسميًّا فى النصف الثانى من يناير المقبل، وذلك بعدما وصل الصدام بين البلدين إلى تعليق واشنطن لمساعداتها المقدمة لـ"مانيلا"، وأضاف "دوتيرتى": "كلام ترامب يعجبنى، ويشبه كلامى، نعم سيدى الرئيس نحن متشابهان، والطيور على أشكالها تقع".
رئيس الفلبين يتودد لإدارة ترامب.. والرئيس الجديد: معركة "دوتيرتى" الأسلوب الصحيح
جاءت رسائل التودد من جانب الرئيس الفلبينى، بعد رسائل مماثلة قدمها "ترامب"، إذ علق الرئيس الأمريكى المنتخب على طريقة إدارة "دوتيرتى" لمعركته ضد عصابات تجارة المخدرات، قائلاً: "إنها الأسلوب الصحيح"، وذلك رغم تسبب تلك المعركة فى قتل 5 آلاف شخص حتى الآن دون محاكمات.
فى المقابل، شن الرئيس الفلبينى هجومًا حادًّا على الإدارة الأمريكية الحالية، والرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، بعد وقف تجديد حزمة المساعدات الأمريكية التى كانت تقدم لـ"مانيلا" للحد من الفقر فى البلاد، وقال "دوتيرتى" إن قرار وقف تجديد المساعدات "غير مهم"، داعيًا الولايات المتحدة الأمريكية للاستعداد لإلغاء اتفاق عسكرى يسمح بنشر قوات ومعدات عسكرية أمريكية، لإجراء مناورات فى الفلبين، حسبما نقلت وكالة "رويترز" عن تصريحاته الصحفية عقب عودته من زيارة لـ"كمبوديا".
ووفقًا للوكالة البريطانية، وجه رودريجو دوتيرتى رسالة لأمريكا، قائلاً: "نحن لا نحتاج إليكم، استعدوا لمغادرة الفلبين، استعدوا للإلغاء الحتمى لاتفاقية القوات الزائرة، باى باى أمريكا، وابدأوا فى البروتوكولات التى ستخرجكم نهائيًّا من الفلبين"، مشيرًا إلى أن قراره هذا سيصدر قريبًا "فى أى يوم" بعد مراجعة اتفاق عسكرى آخر.
أمريكا تعلق مساعداتها.. و"دوتيرتى" يرد: لا نحتاج أموالكم.. الصين ستوفر المزيد
يُذكر أن اتفاقية القوات الزائرة بين البلدين وُقّعت فى العام 1998، وتمنح الوضع القانونى لآلاف من القوات الأمريكية يتواجدون فى الفليبين بشكل مؤقت لإجراء تدريبات عسكرية وتنفيذ عمليات مساعدة إنسانية، بحسب وكالة "رويترز".
وكانت "مؤسسة تحديات الألفية" للمساعدات الأمريكية الخارجية، قد أعلنت تأجيلهاتجديد حزمة مساعدات انتهت فى مايو الماضى، قبل تولى "دوتيرتى" رئاسة الفلبين، وتقدر قيمتها بـ434 مليون دولار، إذ عللت الإدارة الأمريكية سبب الوقف بقلقها العميق من حملة الرئيس الشرسة ضد المخدرات، وبعد إعلانه أنه تعقب شخصيًّا مشتبهًا بهم من أجل قتلهم، ولكن من الواضح أن ذلك لم يردع الرئيس المثير للجدل رودريجو دوتيرتى، الذى ختم تصريحاته الصحفية قائلًا: "نحن لا نحتاج لأموالكم، الصين قالت إنها ستوفر المزيد، السياسة هنا فى جنوب شرق آسيا تتغير".
وعلقت صحيفة "ذا فاينانشيال تايمز" على الخلاف الحاد بقولها: "إنه يسلط الضوء على توتر العلاقات بين الحليفين التقليديين، اللذين أكدت اتفاقاتهما الأمنية السابقة التواجد الأمريكى فى منطقة المحيط الهادئ".
صدام بين "ترامب" و"البيت الأبيض" بسبب حملة "دوتيرتى"
كانت تصريحات الرئيس الفلبينى رودريجو دوتيرتى، حول حملته للقضاء على المخدرات فى بلده، قد أثارت جدلًا واسعًا، منذ توليه المنصب فى شهر يونيو الماضى، إذ أسفرت الحملة عن مقتل الآلاف، مع تأكيد نيّته ذبح الملايين إذا لزم الأمر، مشبّهًا نفسه فى هذا السياق بالزعيم النازى الألمانى أدولف هتلر.
وجاءت آخر اعترافات الرئيس الفلبينى، لتكشف عن إصراره على خوض هذه الحرب، رغم الانتقادات التى واجهها بسببها، إذ قال إنه قتل ثلاثة أشخاص بنفسه، حينما كان يشغل منصب عمدة مدينة "دافاو" بجنوب البلاد، للاشتباه فى تجارتهما بالمخدرات وتعاطيها،مبرّرًا ذلك بأنه اتخذ هذه الخطوة لتشجيع رجال الشرطة على القيام بالأمر نفسه.
وفى هذا الإطار، شنّت إدارة الرئيس باراك أوباما، الذى يستعد لمغادرة البيت الأبيض فى 20 يناير المقبل، حملة واسعة ووجهت ععدًا من الانتقادات للرئيس الفلبينى فى أشهرها الأخيرة، بسبب تلك الحملة التى يشنّها، ما دفع الأخير إلى إطلاق سيل من السباب ضد "أوباما" فى عديد من المناسبات.
وقد نشب مؤخّرًا صدام بين البيت الأبيض ودونالد ترامب، بعد إشادة الأخير بحرب "دوتيرتى" على تجارة المخدرات، إذ هاجمه ضمنيًّا "جوش أرنست"، السكرتير الإعلامى للبيت الأبيض، قائلا: "الإدارة الأمريكية ترفض القتل خارج القانون، وموقف الإدارة الحالية هو أن كل عمليات القتل التى تتم خارج إطار القانون تتعارض تمامًا مع مفهوم السيادة والالتزام بدعم حقوق الإنسان، وأى تراجع عن تلك القيم هو أمر سيئ لعلاقتنا، ويحط من قدرتنا على بسط نفوذنا فى جميع أنحاء العالم".
وشبه معلقون طريقة الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب فى حديثه عن التعامل مع ملف المهاجرين غير الشرعيين بالرئيس الفلبينى رودريجو دوتيرتى وحملته الشرسة ضد تجار المخدرات، ولكن "ترامب" لم يعترض على هذا التشابه، بل قال فى حواره مع مجلة "تايم" خلال الأسبوع الماضى: "هناك عديد من الجرائم التى تُرتكب بواسطة المهاجرين الأجانب، هذه الجرائم شىء سيئ للغاية، ماذا يجب أن نفعل مع أمثال هؤلاء؟ أن نكون لطيفين معهم؟! بالطبع لا".