تشهد منطقة الشرق الاوسط تزايداً ملحوظاً فى تجارة الأعضاء البشرية، وبيعها في السوق السوداء، وهو ما بدا جليًّا في مصر والسودان وليبيا والمغرب والجزائر واليمن ولبنان وسوريا والأردن والعراق وتركيا، فى ظل شبكة من المافيات الإجرامية، ضمت أساتذة جامعات وأطباء وأعضاء هيئة تمريض وأصحاب مراكز ومختبرات طبية ووسطاء وسماسرة و"أرباب سوابق" ومنتحلي صفات أمنية، وهي تجارة عابرة للحدود الرخوة، لا سيما في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، واشتعال جبهات الصراعات الداخلية العربية، وغياب التشريعات الرادعة.
ويُطلَق على جرائم الاتجار في الأعضاء البشرية في دول الشرق الأوسط "الجريمة الصامتة"، التي تحدث بعيدًا عن المحاسبة والمراقبة، وتُعد إيران الدولة الوحيدة فى الإقليم التى تُبيح التبرع بالأعضاء البشرية لإنسان على قيد الحياة نظير مقابل مادى "300 جنيه إسترلينى"، وهو ما يجعلها تجارة مقننة، في حين تغيب هذه الآلية عن بقية دول الإقليم على نحو يرسخ "السوق السوداء" لتجارة الأعضاء البشرية.
10 آلاف عملية بيع وشراء للأعضاء البشرية بالسوق السوداء سنويًّا
ونشر مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، تقريراً ذكر فيه أن هناك أكثر من 10 آلاف عملية بيع وشراء للأعضاء البشرية بالسوق السوداء سنويًّا، وما بين 5 إلى 10% من جميع عمليات زراعة الكلى على مستوى العالم تتم عبر عمليات الاتجار والتهريب عبر الحدود، وتحقق أرباحًا سنوية تتراوح بين 600 مليون دولار و1,2 مليار دولار، في حين ترفعها تقديرات أخرى إلى 8 مليارات دولار سنويًّا، لكن لا توجد إحصائيات تفيد بحجم ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية في المستشفيات العامة أو المصحات الخاصة.
كما أكد الدكتور حسين نوفل، رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق ورئيس الهيئة العامة للطب الشرعي، لبعض وسائل الإعلام في بداية عام 2016، أن حوالي 20 ألف عملية نزع أعضاء أُجريت منذ بداية الحرب في سوريا، خاصةً في مناطق بعيدة عن الرقابة الرسمية، وأضاف "أن غالبية هذه العمليات أُجريت في مخيمات اللجوء في لبنان وتركيا وغيرها من الدول المجاورة لسوريا".
أبرز مافيات تجارة الأعضاء البشرية
وتسيطر المافيا المغربية على تجارة الأعضاء البشرية في شمال إفريقيا من خلال ممرها الرئيسى، مضيق جبل طارق، وتنفذ المافيا اللبنانية عملياتها في الاتجار بالأعضاء في مناطق الجنوب والبقاع والشمال اللبناني، حيث يتم تهريب أعضائه من خلال مدينة صور الجنوبية إلى دمشق، نحو تركيا ورومانيا، وهناك عصابات في سوريا تتعامل مع عصابات عربية ودولية للمتاجرة بقرنية العين، وتنتقل من دمشق إلى بعض الدول الأوروبية والآسيوية، كما ازدهرت تجارة الأعضاء البشرية في كردستان، ومدن عراقية، خاصة بين النازحين إلى الإقليم.
أنماط تجارة الأعضاء البشرية
وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدة أنماط حاكمة لعملية الاتجار في الأعضاء البشرية مثل "الكلى" و"فص الكبد" و"قرنية العين" و"النخاع" و"الجلد" و"الشعر" في بعض دول الإقليم على النحو التالى:
1- السرقة وسلب الأعضاء من الجسم دون علم الشخص في عدد من المستشفيات، سواء الحكومية أو الخاصة في عددٍ من دول الإقليم، ويتم التعامل معها على أنها "قطع غيار بشرية".
2- الاستئصال: حيث يقوم تنظيم "داعش" بتجنيد أطباء في بؤر الصراعات العربية المسلحة لاستئصال الأعضاء الداخلية، ليس فقط من جثث مقاتليه المتوفين الذين تم نقلهم بسرعة إلى المستشفى، بل أيضًا من المصابين الذين تم التخلي عنهم، أو الأفراد الأحياء الذين يتم اختطافهم.
3- الاختطاف القسري: خاصة للأطفال أو أطفال الشوارع بهدف سرقة الأعضاء البشرية، وهو ما حدث في عدة مدن عربية، إذ يتم العثور على جثثهم بعد فترة من اختفائهم وهي منزوعة القلب والكبد والكلى والطحال.
4- الزواج: ويتم عبر تزويج فتيات فقيرات يُردن بيع أعضائهن من شخصيات عربية ثرية بشكل رسمي، ليتم الطلاق بعد إجراء عملية الزرع أو الاستئصال، وهو ما يشير إلى وقوعهن ضحايا لعملية خداع.
5- التعهد: يسعى بعض السماسرة في عدد من دول الإقليم إلى الحصول على توقيع اللاجئين أو المهاجرين غير الشرعيين على استمارة قبول لنزع الأعضاء لإكساب العملية "شرعية".
أسباب انتشار رواج ظاهرة تجارة الأعضاء البشرية
ويعود رواج ظاهرة تجارة الأعضاء البشرية في دول المنطقة إلى جملة من العوامل، أبرزها تزايد سماسرة الأعضاء البشرية، وتصاعد حدة الصراعات الداخلية العربية، وانتشار الحدود الجغرافية السائلة، وتصاعد التهديدات الحدودية المعقدة عقب الثورات العربية، واحتدام الأزمات الاقتصادية والضغوط المعيشية، وضعف الأطر القانونية الناظمة لنقل الأعضاء البشرية، ومحدودية أدوار جهات الرقابة الحكومية، وتأثيرات جماعات المصالح الدولية وأثرياء الدول الأوروبية، خاصة في دول شرق أوروبا وكوسوفو، في تسهيل ورواج هذه التجارة.
كما تعتبر تجارة الأعضاء البشرية أحد مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية، حيث تقوم عناصر "داعش" بتوفير أعضاء بشرية بمواصفات وكميات معينة، ويقوم كوادر "داعش" باستئصال تلك الأعضاء، سواء من الذين يقعون في الأسر أو من جثث القتلى والجرحى، سواء من مقاتليهم أو من الأطراف الأخرى في الصراع، لا سيما بعد تصاعد حدة ضربات التحالف الدولي على مقاتليه.
سياسات المواجهة:
هناك عدد من السياسات التي تُسهم بدرجات متفاوتة في الحد من تجارة الأعضاء البشرية في دول المنطقة، أبرزها التنسيق المستمر بين أجهزة الدولة لتتبع عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية، وإشاعة ثقافة مجتمعية من شأنها التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وبلورة أطر تشريعية ومظلات قانونية بهدف مواجهة حالات الاتجار بالأعضاء، وتطوير أطر الرقابة الداخلية في المؤسسات العلاجية، والتعويل على دور مؤسسات المجتمع المدني في التوعية بأهمية المواجهة الشاملة، بما تساهم في مواجهة العقبات التي تقف في مواجهة قانونية زراعة الأعضاء ونقلها، كما أن زيادة توافر الأعضاء المعروضة للتبرع أو البيع بطريقة شرعية سيؤدي إلى تأسيس علاقة أكثر إيجابية في سوق زراعة الأعضاء، ويحول هذه التجارة إلى سوق رسمية دولية، تتحدد أسعارها وفقًا للعرض والطلب.