لم يكن غريبًا أن تشهد تركيا حادثًا مروّعًا مثل اغتيال السفير الروسى لدى أنقرة، أندريه كارولوف، فى الوقت الذى يواصل فيه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تمويل الجماعات الإرهابية وميليشيات العنف والتطرف، وإيواء عشرات الآلاف من العناصر الإرهابية من جماعات مختلفة ودول عديدة، الذين ربّاهم ككلاب وجراء صغيرة، تتمسح فى حذائه، بينما يبدو أنهم تحوّلوا مؤخّرا إلى ذئاب تنهش أنقرة، وربما تنهشه هو نفسه، ومنهم عناصر من تنظيم داعش الإرهابى وأعضاء بجماعة الإخوان الإرهابية وعناصر من جبهة النصرة وفتح الشام وغيرها من الميليشيات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، استقبلهم وتعهّدهم بالرعاية وقدم لهم كل أنواع الدعم والتمويل طوال سنوات من الصراعات والقلاقل فى المنطقة، التى يحرص "أردوغان" على أن يكون راعيًا ومموّلاً لها.
وأمام سياسات ومواقف "أردوغان" الداعمة للإرهاب، تحولت تركيا يومًا بعد يوم لمأوى واسع وشبه رسمى للمتطرفين، يتحركون فيها بحريتهم ويعقدون لقاءاتهم ومؤتمراتهم كيفما شاءوا، ليصل الأمر مؤخّرًا إلى جرأتهم على تنفيذ عملياتهم والتخلص ممن يعتبرونهم خصومًا لهم داخل الأراضى التركية وفى حماية مباشرة من النظام الحاكم، وربما من عناصره الأمنية التى تترك هذه الجماعات حرة الحركة، بل وتهتم بتأمينهم أيضًا، وهو ما دفع حكومات عديد من دول المنطقة لإغلاق سفاراتها فى أنقرة، وتحصين بعثاتها الدبلوماسية، عقب الحادث المروع الذى كشف عن إهمال وتراخٍ، وربما تعمّد، من الأجهزة الأمنية التركية التى يسيطر عليها حزب "العدالة والتنمية" ذو الخلفية الإسلامية، وبعد سلسلة من الهجمات والتفجيرات الإرهابية وحوادث إطلاق النار التى شهدتها تركيا على مدار الأشهر القليلة الماضية، وأثبتت أن الإرهاب تسلل لكل مفاصل الدولة التركية، وبعدما كان طفلاً صغيرًا فى حجرها ويعمل على إزعاج المنطقة برعايتها وتوجيهاتها، شبّ عن الطوق وتطاير شرره وجمراته لتصيب الأم الرءوم والصدر الحنون والملجأ الذى أعدّه له "أردوغان".
الولايات المتحدة الأمريكية تغلق سفارتها فى أنقرة
بعد ساعات قليلة من اغتيال السفير الروسى فى أنقرة أمام الكاميرات، على يد ضابط شرطة تركى، تتردّد معلومات عن صلة تربطه بحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، حزب الرئيس رجب طيب أردوغان، بدأت عواصم العالم فى اتخاذ إجراءاتها بشأن الحادث وآليات الحذر والاحتياط لتبعاته، وفى مقدمتها "واشنطن" التى قررت إغلاق سفارتها لدى أنقرة بعدما وقع حادث إطلاق نار منفصل فى محيطها عقب حادث اغتيال السفير الروسى.
وقالت الخارجية الأمريكية فى بيان عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى والتدوينات القصيرة "تويتر"، إن قسم الأمن التابع لإدارة مرافق الدولة فى الخارج بوزارة الخارجية، قرر إغلاق السفارة الأمريكية بتركيا فى الوقت الراهن، وحثّت الخارجية المواطنين الأمريكيين على الامتناع عن زيارة مبنى سفارتهم فى الفترة الحالية، بينما أضافت الخارجية فى بيانها أن حادث إطلاق النار وقع فى مكان قريب للغاية من مبنى السفارة الأمريكية فى أنقرة.
إيران تلحق بـ"واشنطن" وتغلق سفارتها فى تركيا
بعد دقائق قليلة من قرار الولايات المتحدة الأمريكية، أقدمت إيران على إجراء مماثل، إذ أغلقت السفارة الإيرانية بالعاصمة التركية أنقرة أبوابها، إلى جانب إغلاق كل قنصلياتها فى المدن التركية المختلفة.
وقالت السفارة الإيرانية فى تركيا، فى بيان لها عبر موقعها الرسمى، إنَّها أغلقت أبوابها فى أنقرة، كما قررت إغلاق قنصلياتها فى مدن إسطنبول وطرابزون وأرضروم، داعية الراغبين فى مراجعتها لعدم التوجه نحو تلك القنصليات، دون تقديم مزيد من المعلومات حول أسباب القرار ودوافعه.
وأدانت السفارة الإيرانية واقعة اغتيال السفير الروسى أندريه كارلوف، واصفة إيّاه بأنَّه "عمل إجرامى ولا إنسانى"، ومؤكّدة أن "الهجوم يبيّن أنَّ الإرهابيين المنتمين للمجموعات المتطرفة يعملون فى سياق أهدافها وسيناريوهاتها المناهضة للإنسانية، ولا أن هذه الجماعات لا تلتزم بأى من المعايير والقوانين الدولية، وتخطط لزعزعة الأمن وصنع الأزمات".
سفارات أوروبا فى تركيا تعزز إجراءاتها الأمنية عقب الحادث
يُذكر أنه منذ الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، أقدمت سفارات الدول الأوروبية المختلفة لدى تركيا، على تعزيز إجراءاتها الأمنية والحمائية لمقراتها وعناصرها، من خلال فرض كردونات أمنية فى محيط منشآت السفارات ومبانى القنصليات، وأصدرت تلك الدول تحذيرات لمواطنيها بعدم التردد على مقرات السفارات فى الفترة الحالية،فيما تكثف الشرطة التركية من انتشارها فى الأحياء التى تستضيف بعثات دبلوماسية، خشية تعرضها لعمليات هجوم مماثلة لاغتيال السفير الروسى.