ارتفاع فاتورة الواردات فى ظل أزمة عملة طاحنة وتراجع حاد فى الاحتياطى النقدى، كانت الدوافع الرئيسية التى اضطرت البنك المركزى والحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات الحد من الواردات، خاصة التى لها بديل محلى أو غير ضرورية، لاحتواء تلك الأزمة التى تُهدد تعافى الاقتصاد المصرى.
وأصدر وزير التجارة والصناعة المهندس طارق قابيل، قرارًا خلال الشهر الحالى بمنع استيراد نحو 50 سلعة إلا بعد تسجيل المصانع، التى يتم الاستيراد منها فى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات التابعة للوزارة، وذلك لمنع دخول السلع المهربة ومنتجات "بير السلم"، حيث ينص القرار على منع استيراد أى منتجات من تاجر إلى تاجر آخر، وإنما يتم الاستيراد من مصانع مسجلة وحاصلة على شهادات جودة تضمن دخول سلع ذات مواصفات قياسية جيدة.
وثمة تحذيرات من أن سياسة غلق الباب قد تدفع الشركاء التجاريين لمصر وخاصة الاتحاد الأوروبى والصين التى تتصدر قائمة الدول المصدرة لمصر بنسبة 11.4% من إجمالى الواردات المصرية، لتنفيذ مبدأ المعاملة بالمثل إذا تضررت من تلك القرارات.
وكشف سامح زكى عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة وشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، أن عددًا من ممثلى الاتحاد الأوروبى وتحديدًا التشيك أبدوا تخفوهم من قرارات الحد من الواردات.
وأضاف زكى فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، أنه التقى أيضًا الوزير المفوض التجارى الصينى بالقاهرة، وأن الأخير أعرب أيضًا عن قلقه من تلك القرارات وتأثيرها على التبادل التجارى بين البلدين.
وحذر زكى من غلق الباب فى وجه الواردات الصينية، ما قد يعكر صفو العلاقات الاقتصادية التى تطمح لها البلدان، مؤكدًا أن تنفيذ تلك القرارات قد يدفع هذه الدول إلى التعامل مع مصر بمبدأ المعاملة بالمثل، لافتًا إلى أن الصادرات المصرية لدول الاتحاد الأوروبى تشكل نحو 75% إلى 80% من إجمالى الصادرات المصرية.
وكشف زكى عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة، أن الغرفة أعدت مذكرة حول سلبيات قرارات الحد من الواردات وتداعياتها على الاقتصاد المصرى، وتعتزم رفعها إلى الجهات المعنية ورئاسة الجمهورية، لإعادة النظر فى تلك القرارات التى وصفها بـ"غير المدروسة"، لأن سلبياته تفوق إيجابياته بمراحل.
وتابع: "من غير المنطقى أن تتخذ الدولة قرارًا انفعاليًا بتحجيم الواردات بهذه الصورة، لاحتواء أزمة العملة الصعبة".
على الجانب الآخر، صرح طارق عامر محافظ البنك المركزى أن إجراءات الحد من الواردات التى وصفها بـ"غير الضرورية" قد توفر نحو 20 مليار دولار فى 2016، مما يساعد على تخفيف أزمة عملة صعبة تهدد الانتعاش الاقتصادى فى البلاد.
وفى حوار لوكالة بلومبرج الأمريكية، قال عامر إن "مصر تم إغراقها بالسلع الرخيصة ومنخفضة الجودة ونحن نحاول ضبط هذه السوق"، مضيفًا أن السلطات تعمل على تشديد القواعد لتمويل واردات السلع "غير الضرورية" أو ما عرفت إعلاميا بـ"السلع الاستفزازية" كما طالبت المستوردين بتسجيل الموردين الأجانب لدى الحكومة.
لكن زكى يرى أن توفير هذا المبلغ الذى يستهدفه محافظ المركزى "مبالغًا فيه بدرجة كبيرة"، ويكاد يكون مستحيلاً تحقيقه خلال عام واحد، مقترحًا أن تتبنى الدولة خطة متوسطة الأجل لمدة 5 إلى 6 سنوات، تهدف إلى تقليل الفجوة بين الصادرات والواردات، من خلال تعميق الصناعة المحلية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والصناعات المغذية، ما يسهم فى زيادة الصادرات وبالتالى تقليل العجز فى الميزان التجارى.
وأكد أن مبادرة الرئيس السيسى لضخ 200 مليار جنيه فى صورة قروض لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ستسهم فى دعم الصناعة المحلية وبالتالى الصادرات المصرية.
وحذر زكى من ارتفاعات كبيرة فى الأسعار نتيجة الحد من الواردات، مؤكدًا أن العديد من المنتجين المحليين يرفعون أسعار منتجاتهم حال شعورهم بالحماية من الدولة وعدم وجود منافس بسعر أقل بالأسواق.
وتحتل الصين المرتبة الأولى فى قائمة الدول المصدرة لمصر إذ تشكل نحو 11.4% من جملة الواردات فى 2014، وارتفعت الواردات منها خلال الفترة المذكورة إلى 24.4% بقيمة 59.57 مليار جنيه، مقابل 47.90 مليار فى 2013.
وتشمل صادرات مصر إلى الصين المواد الخام مثل البترول والغاز الطبيعى والرخام والجرانيت والرمل الحديدى وخام الحديد والجلود، فى حين تستورد القاهرة العديد من المنتجات الصينية مثل الإلكترونيات والآلات والملابس الجاهزة وقطع الغيار والمركبات بكافة أنواعها.
لكن هناك منتجات أخرى ينطبق عليها لفظ "استفزازية" وفقًا للمسئولين وبعض الخبراء الاقتصاديين ومنها على سبيل المثال فوانيس رمضان التى بلغت فاتورة استيرادها حوالى 60 مليون دولار العام الماضى، فى حين أن لها بديل محلى، كما بلغت فاتورة استيراد طعام القطط والكلاب ما يقرب من 4 مليارات جنيه فى بلد يقترض من البنك الدولى وبنك التنمية الإفريقى لدعم الموازنة.
ومن دون شك ستتراجع الصادرات الصينية إلى مصر بمجرد البدء فى تفعيل قرارات الحد من الواردات بعد انتهاء مهلة الشهرين، وهنا يطرأ تساؤل حول دوافع الحكومة الصينية لضخ استثمارات فى السوق المصرية، بينما تغلق الأخيرة أبوابها فى وجه صادرات بكين.
وأكد هانى جنينة الخبير الاقتصادى، أن الحد من الواردات ليس الحل الوحيد لأزمة نقص العملة الأجنبية، وأنه لا يمكن تطبيق تلك الإجراءات لفترة تتجاوز 6 شهور، وإلا عامل الشركاء التجاريين مصر بمبدأ المعاملة بالمثل بموجب الاتفاقيات التجارية التى وقعت عليها مصر.
واختلف هانى توفيق الخبير الاقتصادى ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، مع الرأى السابق، مؤكدًا أن قرارات الحد من الواردات "حق سيادى للدولة" لمنع استيراد سلع رديئة أو لها بديل محلى.
وأضاف توفيق، أن تلك القرارات ستوقف استيراد العديد من السلع البسيطة التى لها بديل محلى، وأردف قائلاً: "مش ممكن نستورد شباشب وفوانيس من الصين".
ويرى جنينة، أن هذه الإجراءات من شأنها تخفيف الطلب على الدولار، ما يؤدى إلى السيطرة على سعر الصرف، لكنها استبعد أن توفر 20 مليار دولار فى 2016، كما صرح محافظ المركزى، وهو ما اتفق معه توفيق، متوقعًا توفير 8 مليارات دولار فى أقصى تقدير.
وأعلن قابيل عن مهلة لمدة شهرين للمستوردين، لتسجيل المصانع التى يتم الاستيراد منها فى السجل الذى تم إنشاؤه بالهيئة، وتعد المدة فترة سماح للمصانع الأجنبية المصدرة لمصر فى تسجيل كل بيانات كشرط للسماح بالمنتجات للدخول للسوق المصرية، وسيتم رفض أى شحنات مستوردة بعد هذه المدة ولم يقم المصنع المورد لها بتسجيلها.