خالد أبو بكر يكتب: حكاية مستثمر راح يستثمر عند بتوع الاستثمار.. الفرق بين الإرادة والتطبيق هو مشكلة الاستثمار فى مصر.. والخطورة فى التفاصيل

تعرفون حضراتكم أن المستثمرين الكبار لهم وكلاؤهم من المحامين الذين يتولون كل الأمور الخاصة باستثماراتهم، وغالبا هم الذين يكونون حلقة الربط بين الدولة بأجهزتها وبين المستثمر، وهم أيضًا الذين ينقلون الانطباعات الإيجابية أو السلبية عن وتيرة العمل الحكومى والسياسات المتبعة مع المستثمرين. ولو كنت مسؤولاً حكوميًّا لعقدت اجتماعات دائمة مع المحامين ووكلاء المستثمرين الكبار المعروفين بالاسم، لكن وبحكم العمل فى مهنة المحاماة، وحيث إنى أمثل عددا من المستثمرين سأنقل لحضراتكم مثالا حقيقيا يوضح الفرق بين النظرية والتطبيق فى سياسة الدولة فى موضوع الاستثمار. وهذا المقال قد يكون رسالة إلى كبار المسؤولين أو أصحاب المناصب المركزية الذين يضعون السياسات فى مكاتبهم بجدية وأمانة، آملين أن تنفذ على أرض الواقع. والحقيقة التى لابد أن نصارح بها أنفسنا أن فى مصر هناك فارقا كبيرا جدا بين الخطة المكتبية التى يضعها الرئيس أو الحكومة أو الوزراء وبين تطبيقها الفعلى، فمثلا لو أن وزير الداخلية أمر برفع السيارات المخالفة الموجودة على يمين ويسار الشوارع الرئيسية فى محافظة القاهرة، فإن هذا الأمر سيكون موجهًا للسيد مدير الأمن، ومنه للسيد مدير إدارة المرور، وتدريجيا إلى أن نصل إلى أمين الشرطة الذى سينفذ هذا الأمر، فلو لم ينفذه أمين الشرطة بدقة قد تفشل خطة الوزارة بأكملها. ويمكن أن أروى لك فى كثير من المجالات أمثلة فى هذا الاتجاه، وهو الفرق بين الخطط المكتبية والتنفيذ على الأرض. لكن عندما تجد هذا الأمر فى الاستثمار فلابد أن تكون هناك وقفة، فرئيس الدولة يجوب الأرض شرقا وغربا داعيا وباحثا عن مستثمرين لضخ استثماراتهم فى مصر، وطبعا يعطى تعليمات دائمة للحكومة بتشجيع المستثمرين والتعاون معهم، وكثير من الوزراء يكون مع الرئيس فى زياراته الخارجية، لكن المهم أن يعلم الرئيس أين ينتهى الأمر بعد المرور بالكوادر الحكومية. هذه القصة التى سأرويها لحضراتكم حقيقية ولم تنته حتى كتابة هذه السطور: الحكاية بدأت كالآتى: أنا: ألو يا معالى المسؤول الكبير. المسؤول: السلام عليكم ورحمة الله. أنا: من فضلك إحنا مستثمرين عاوزين نشترى فى المشروع الحكومى العظيم الجديد. المسؤول: والله أنا هبعت لك نمرة المهندس ذكى، واشرح له الموضوع. أنا: ألو المهندس ذكى. ذكى: أيوه أنا.. أؤمر. أنا: حضرتك أنا وكيل لمستثمر كبير ومعجب بالمشروع العظيم اللى الدولة عملته وعاوز أضخ استثمارات بالملايين فى هذا المشروع. ذكى: طيب حضرتك أنا هابعتلك ورقة بالمطلوب. أنا: تمام يا بشمهندس. لتمر أيام ثم أسابيع إلى أن وصلت الورقة المذكورة «طبعا لو فى موقع إلكترونى عليه الورق ده كانت الدنيا بقت أسهل». وبدأت مرحلة قراءة هذه الورقة، وكثيرا ما أدعى إلمامى بثقافة اللغة العربية، إلا أن هذه الورقة بلغت من اللغة ما هو أصعبها كى يمكن فهم بند من البنود التى تطلبها هذه الجهة من أجل، قال إيه، نستثمر عندهم. فطبعًا كالعادة اتصلت بالأستاذ ذكى اللى مرة يرد وعشرة لا «وكأنى طالب منه صدقة». يا أستاذ ذكى من فضلك البند الثالث ده مش مفهوم. ذكى: الحقيقة إحنا بندى حق استغلال بس عاوزينك تقول لنا عاوز تدفع كام. أنا: يا عم ذكى أنت اللى بتبيع وأنا اللى بشترى.. إزاى أقولك سعر حاجة معرفهاش. طيب إدينى ياعم ذكى مواصفات الأرض وهيا فين وحددهالى عشان أقولك تسوى كام. ذكى: لا إحنا لسه محددناش الأرض فين، ولازم الموضوع يعرض على مجلس إدارة الهيئة وهما اللى يقرروا. أنا: طيب حضرتك طالب منى دراسات فنية أعملهالك ازاى، وأنا مش عارف أى أرض حضرتك طارحها. ذكى: والله أنت تعمل الدراسات بتاعتك عن إيه اللى هتستثمر فيه بشكل عام، وهتكسب كام، ونشاطك هيبقى إيه فى المستقبل، وهتدفع كام. طبعا كدا الدنيا قفلت مع المهندس ذكى، لأن إحنا بنتكلم لغتين مختلفتين، كل ده طبعا وصاحب المشروع منتظر النتيجة، هو فاكر أنه مجرد ما يطلب أنه يستثمر فى مصر هيلاقى، وده طبعا فى الأحلام. فقلت أطلع درجة عند نائب الرئيس اللى كنت كلمته فى الأول خالص، وقلت لا أنا هاخد المستثمر من إيده وأطلع عليهم فورا عشان الدنيا تمشى بقى، وتحيا مصر، والناس تشتغل، والعجله تدور. المهم، طلعت عليهم.. استقبال جميل، وناس محترمة، وبدأنا نتناقش معاهم، وهنا بقى تعرف أن الكارثة هى أن لما مسؤول يعتقد أن البطولة هى أن يبرز للجالسين جميعا أنه فاهم أكتر من المستثمر ومن اللى جابوه. ياعم خلاص أنت العالم العليم، بس خلصنا، طلباتك إيه عشان قال إيه نستثمر عندكم؟ شوف بقى ياسيدى أنت تسيبلنا الدراسات اللى أنت عاملها دى، وإحنا هنشوف. يا فندم أنت عارف فى الاستثمار مفيش وقت وإحنا عاوزين ناخد قرار يا إما فى مصر يا إما فى أى بلد تانى. لا لا اوعى تقلق، إحنا هندرس، وفى أسرع وقت هيكون الرد عندك، وعدى شهران لحد كتابة هذه السطور بلا رد. الحقيقة المستثمر كل يوم يسألنى «ردوا عليك؟»، أقول له لا، لدرجة أنى بطلت أرد عليه، لأن ما باليد حيلة، والمسؤولين عن الاستثمار مردوش. ده اللى لازم القيادة فى مصر تعرفه أن التطبيق للخطط فى البلد شىء ممل جدا ولا يسير بنفس دقة وضع الخطة، المواطن لا يتعامل مع وزير الداخلية، المواطن يتعامل مع أمين الشرطة وفقا لمنهج وضعه الوزير وينفذه أمين الشرطة، وهى دى الكارثة. فأنت لازم تسأل هل الموظف الصغير ده واللى هو واجهة الحكومة قدام المواطن أو قدام المستثمر الأجنبى، هل هو قادر على استيعاب الخطة اللى وضعتها الدولة؟ هل هو مدرب على التعامل معها؟ هل وضعت خطة من القيادة لمراقبة هذا المسؤول؟ والمراقبة هنا لا تعنى ضبط المخالفات، أبدًا.. المراقبه تعنى جودة الأداء، مدى حرفية هذا المسؤول فى أداء وظيفته. الحقيقه اللى لازم الدولة تعرفها أن الجزء من الشعب اللى بيشتغل فى الدولة زيه زى أركان كتيرة فى بلدنا، محتاج إعادة تأهيل، ومحتاج يتنفخ فى صورته ويبقى سريع وعصرى وحاضر الذهن وعلى درجة من النشاط فى العمل تتناسب وطبيعة حاجة الدولة فى هذه الأيام لكل دولار. أقولك حاجة ولا كأنى قلت حاجة ولا كأنك قريت المقال ده، إحنا نقول للراجل المستثمر «تعالى دبى أو الدول الآسيوية، وهناك بقى بيعرفوا معنى كلمة الوقت فى الاستثمار». وياريت بقى بلاش نتكلم عن الدعوة للاستثمار فى مشروعات كبرى إلا لما نكون مستعدين، ويا دار ما دخلك خير.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;