عاشت الصهيونية ومن يدور فى فلكها من الغرب من المؤمنين ببروتوكولات حكماء صهيون التى أوضحت الفكر الذى يسعون به إلى السيطرة على العالم بالفتن والدسائس، باعتبارهم حسب هذه البروتوكولات والذين وصفوا أنفسهم بأنهم "سادة العالم ومفسديه ومحركى الفتن وجلاديه".. عاشوا طويلا يبحثون ويفكرون بعد أن دانت لهم الولايات المتحدة الأمريكية، وسيطروا على مفاصل قراراتها، وأيضا الغرب الذى سيطروا على عقوله ومفكريه حتى استحصل اليهود على الوعد من آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانى، بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين، ومن يومها برزت أزمة الصراع العربى الإسرائيلى، ورغم ضعف الدول العربية المعبر عنه فى سلوك حكامها وملوكها، إلا أن المجتمعات العربية ظلت قوية متماسكة، الأمر الذى صار يهدد الوجود الإسرائيلى على المدى الطويل، خشية توحد المجتمعات العربية فى المواجهة المقدسة مع إسرائيل التى استطاعت أن تصدر للعالم عبر إعلامها وإفسادها للنخبة الغربية أن العرب هم مجموعة من الإرهابيين الواجب القضاء عليهم، فتفتقت أذهانهم عن اللجوء إلى الوسيلة الشريرة وهى زرع الفتن وإطلاق المؤامرات فى داخل هذه المجتمعات المتماسكة، ووجدوا ضالتهم فى مجموعة من الشباب الذين لا يؤمنون بوطنهم، وأنهم على استعداد لخيانة أوطانهم مقابل حفنة من الدولارات، ولكى يوطنوا السم فى العسل أطلقوا عليهم لقب "الناشط السياسى".
ونحن فى مصر لم نكن نسمع عن الناشط إلا أنه المجتهد فى عمله فى زراعة الأرض، أو المصانع، أو الجامعات، أو غيرها.. ولكن فى النصف الثانى من العقد الأول من هذا القرن فوجئنا بهؤلاء النشطاء يغزون حياتنا، وينشرون الأكاذيب فى كل ربوع الوطن، يهاجمون الدولة والمجتمع، ليقوموا بمهمة التآمر على الشعب المصرى، وشيئا فشيئا تسللوا إلى شرايين المجتمع ومفاصله حتى صاروا أمرا واقعا، ولم ننتبه إلى خطورتهم وأنهم جراثيم وفيروسات معدية، وتولت المنظمات المشبوهة والدول المتآمرة تمويلهم وتدريبهم على القيام بدور الخيانة، حتى أننى أذكر أنه فى عام 2008 أعلنت السفارة الأمريكية بالقاهرة قائمة بأسماء 100 شاب، قالت عنهم السفارة آنذاك إنهم شخصيات المستقبل وهم الذين يتمتعون بطابع التأثير فى أقاليمهم وأقرانهم وذويهم، وقامت بدعوتهم إلى واشنطن، وزاروا البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية والبنتاجون، وعددا من المراكز والمنظمات المهمة، وعقدوا لهم ورش عمل ومحاضرات حول التغيير السلمى فى المجتمعات بواسطة الإشاعات ودفعها فى طريق التغيير، وما أذكره أن نقابة الصحفيين عندما خاطبتها السفارة الأمريكية بهذا الأمر لأن القائمة كانت تحتوى على أسماء بعض الصحفيين، رفضت وقالت: "إن شكوكا تحوم حول هذا الأمر"، وما زلت أذكر أن عددا من مفكرينا وصحفيينا الوطنين والذين أدركوا مبكرا الأزمة المقبلة لمصر بسبب هؤلاء قد هاجموا هذه الدعوة المشبوهة.. ورغم ذلك سافر عدد غير قليل منهم، وعاد كل واحد منهم يطلق على نفسه "ناشط سياسى".. وكشفت هذه التدريبات التى قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية لهؤلاء وغيرهم تسريبات كثيرة من بعضهم أنفسهم، ومنها ما قالته "نانسى روبرتس" أستاذة التحليل الاستراتيجى بوزارة الدفاع الأمريكية فى عام 2012 خلال محاضرتها التى ألقتها أمام طلاب "كلية الدراسات العليا بالبحرية الأمريكية" تحت عنوان "رأس المال الاجتماعى" واستخدام شبكات التواصل الاجتماعى فى الحشد ضد نظام مبارك "فى الواقع.. نجحنا فى تأسيس ركيزتين "أساسيتين".. الأولى: "رأس مال اجتماعى على الإنترنت"، والثانية: "مد جسور التواصل" للخارج.. أى أن "رأس المال الاجتماعى" ارتبط بشبكات خارجية". وهذه الشبكات يديرها مدربون قادرون على الإثارة والحشد من خلال الشباب الذين قمنا بتدريبهم.
ورغم موقفنا الواضح من مبارك ونظامه، إلا أن العام 2011 جاء حاملا فى جعبته الألم الذى أوجعنا حتى اليوم، فوجدنا المعايير وقد تبدلت، وأصبح كل من زار ميدان التحرير فهو "ناشط"، وكل من دشن صفحة له على فيس بوك فهو "ناشط"، وكل صار بلطجيا فهو "ناشط"، وكل من وقف فوق سريره فى غرفة نومه وهتف بسقوط الدولة فهو "ناشط"، ويخرج كل واحد منهم على شاشات الفضائيات باعتباره "ناشط سياسى" يرسم للدولة مستقبلها وخططها دون وعى منه، ويستطرد فى الهجوم على المجتمع ومؤسساته، خاصة المؤسسة العسكرية وقيادتها، والمجلس العسكرى وأعضائه، لأن كل ما ارتفع بسقف الهجوم على الوطن كان المقابل الدولارى أكبر، فتاهت القيم وتبدلت، وأصبح "الناشط السياسى" مرادفا "للسبوبة".. حتى وجدنا هؤلاء الذين كانوا حفاة، والثرى منهم يلبس "شبشب"، وجدناهم وقد انتقلوا من مرحلة "الشبشب" إلى مرحلة المرسيدس، ومن سكان العشش إلى الشقق الفاخرة فى أرقى أحياء مصر ثمنا للخيانة.
ولأن "نشطاء السبوبة" بلا هدف ولا مبدأ غير "قبض الدولارات" عبر التحويل أو الجوائز التى منحها إياهم المنظمات الدولية المشبوهة، أو الحقائب المملوءة بالعملات الصعبة، وفتحوا حسابات لهم فى البنوك أمام أعين الدولة، فقد اختلفوا فيما بينهم على تقسيم هذه الغنائم على جثة الوطن، وفضحوا بعضهم بعضا عبر الصحف والفضائيات فى وصلات ردح متبادلة، لأن "نشطاء" الصف الأول والذين يتعاملون مباشرة مع الجهات الأجنبية استخدموا مجموعة من الشباب الذين غرروا بهم والذين فرحوا بلقب "الناشط السياسى" مع حفنة من الجنيهات، فقاموا بدور "النشطاء بالوكالة"، وعندما عرفوا حجم الأموال التى يتحصل عليها نشطاء "السبوبة" طالب النشطاء "بالوكالة" بزيادة نصيبهم فى "الغنيمة"، فاختلفوا وكان شر الاختلاف بينهم.
ورغم أن ثورة 30 يونيو 2013 قد خلصت الوطن من شرور الإخوان وسمومهم، إلا أن الأمر العجيب أن الدولة تراخت كثيرا لدرجة أنها لم تستطع تخليص المجتمع من رجس "نشطاء السبوبة"، رغم الارتباط النفسى والعضوى بينهم وبين الإخوان، إلا من فارق وحيد وهو أن الإخوان كانوا يسعون لأن تكون مصر مجرد "كوبرى" للنفاذ إلى مخططهم الشيطانى الذى لا يعترف بالأوطان، أما "نشطاء السبوبة" فإنهم يسعون إلى هدم الدولة من أجل المال والملذات وعلى رأسها الجنس والمخدرات، ولم يدرك هؤلاء النشطاء حتى الآن أن سقوط الدولة يعنى أن الأموال التى يحصلون عليها ستتوقف لأن المتآمرين فى الخارج سيكونون قد حققوا ما يريدون، فيصبح هؤلاء النشطاء لديهم بلا قيمة ولا يساوون عندهم دولارا واحدا، وعندما تنهار الدولة لن يجد هؤلاء النشطاء شاشة أو صحيفة "يلوكون" فيها، ولن يجدوا شارعا فى مأمن من البلطجية، وقد تصبح أسرهم وأولادهم وسياراتهم وشققهم هدفا للبلطجة باعتبارهم أثرياء.
ولكن الأمر الذى أثار انتباهى وغضبى، وأحسب أن كل مصرى وطنى حقيقى يشاركنى الرأى والغضب، وهو تلك القوة والنفوذ الذى يحظى به "نشطاء السبوبة" فرغم أن جميعهم لديهم قضايا جنائية وملفات من التآمر إلا أنهم ما زالوا يمارسون نفس الدور القذر فى نشر الشائعات الكاذبة، التى لا تستهدف غير النيل من استقرار هذا الوطن، فنجدهم وقد تضامنوا مع أفكار الإخوان الإرهابيين، وهو الأمر الذى يمثل خطورة داهمة على المجتمع كله، ورغم أنهم قطعوا الرحلة ما بين "الشبشب" و"المرسيدس" فى سرعة الصاروخ، إلا أنهم ما زالوا يبحثون عن المزيد من الطمع والجشع، وقد استرعى انتباهى من حلال عملى بالمحاماة أن معظم قضايا الإخوان أو خلاياهم النائمة يتبناها ويترافع فيها محامون ممن وصموا بالناشط السياسى. من الذين عملوا بأكشاك حقوق الإنسان.. بدأ الإخوان فى اللجوء إليهم لعلمهم أنهم باعوا مسبقا ما هو أغلى إلا وهو الوطن.. ورغم أن مؤسسات الدولة تدرك ذلك، إلا أن هؤلاء ما زلوا يتمتعون بحماية غريبة، وبعضهم يدخلون إلى أجهزة الدولة بكل حرية بل يلقون المعاملة التى لا يلقاها المواطن العادى.. لكنى أدعو كل وطنى إلا يستفزه ما يراه من أثر نعمة على غير مستحق لأنه لو فكر قليلا لأدرك أن هذا الناشط باع أغلى ما يمكن أن يملكه بشر بأبخس ما يمكن أن يحصل عليه خاسر، وستأتى الأيام قريبا كى يعقد التاريخ محكمته ويعطى كل ذى حق حقه.