"يا مغنواتى غنى حكايتنا ع الربابة".. من الربابة ذات الوتر الوحيد انطلقت أوتار حنجرة على الحجار، لتصير مشروعًا واحدًا مميزًا وفريدًا يشبه وتر "الربابة" وألحانها وشجوها وأثرها النفسى فيمن يسمعونها.. وتر متفرد ومنفرد.. يغنى للحب والوطن والحلم والألم.
هذه الفرادة التى تشبه فرادة وتر الربابة، كتب لها صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وعبد الرحيم منصور، وكبار الشعراء أجمل الكلمات، ولحن لها سيد مكاوى، وبليغ حمدى، ومحمد الموجى، وكمال الطويل، وعمار الشريعى، أعذب الألحان، لتطرب أذانا كثيرة فى الوطن العربى.
على الحجار نجم يعرف قيمته ومكانته وحجم مشواره الكبير وتاريخه.. ولكونه فنانًا جريئًا سألته متى يفكر الفنان فى الاعتزال؟
بصوت يحمل كثيًرا من الثقة قال: "اعتزال الفنان أمر غير منطقى.. ولا أفكر أبدا فى الاعتزال، لأن الغناء والفن رقم 1 فى حياتى.. ولم ترد هذه الفكرة بخاطرى إطلاقا.. وأعرف جيدًا أن لكل شىء عمر محدد، لكن من رحمة ربنا على المطرب والمذيع أن الصوت هو آخر شىء (يشيخ) فى الإنسان، بخلاف لاعبى كرة القدم فاللاعب قد يعتزل فى العشرينات.. والفن بالنسبة لى ليس مهنة مربحة تدر دخلا كبيرا، بل أعطيها أكثر مما أأخذ، ولكن الغناء يعنى الحياة، لذلك سأظل أغنى وأكمل أنشودتى مع الدنيا.
هل أخذ على الحجار حظه من الدنيا؟
"حظى أفضل من جيلى والجيل اللى بعدى"، والحمد لله أنى تعاونت مع هذا الكم من الشعراء والملحنين الكبار، ووافقوا جميعا على العمل معى، فقد تغنيت لمحمود درويش وصلاح جاهين وفؤاد حداد وسميح القاسم وإبراهيم عبد الفتاح وجمال بخيت ومن الملحنين محمد الموجى وبليغ حمدى وسيد مكاوى وكمال الطويل وصلاح وفاروق الشرنوبى ومحمد على سليمان وجمال سلامة وغيرهم.
بعض الموسيقيين يعيبون عليك أنك لا تجيد إدارة موهبتك بشكل صحيح؟
"أنا معنديش مخ إدارى"، ولا أمتلك ما يسمى بالذكاء الاجتماعى، ولا عقلية إدارية تدير مشروع على الحجار، وكنت أتمنى أن تدعمنى مؤسسة كبرى، لأن تعاملى مع الأفراد لم يجن ثماره، لكن كل شىء نصيب، وراض بنصيبى.
هل تعرض جيلكم للظلم؟
لدى إيمان كبير أن كل فرد يحصل على الـ24 قيراط "بتوعه" من الله، فترى الذى لم يحصل على مال أخذ حب الناس واحترامهم، وثروة من الفن هتعيشه فى التاريخ، وهناك من أخذ مجد وشهرة وفلوس "لكنهم هيتنسوا فى التاريخ ولن يكن لهم وجود".
لو حكينا عن بدايات على الحجار نبتدى منين الحكاية؟
نبدأ من حيث الأستاذ حسين الإتربى ذلك الرجل الذى ترك فى نفوسنا أنا وجيلى أثرا كبيرا، كان رجلا يهتم بالمواهب ويدعمها وهو عم الإعلامية سامية الإتربى.. ظللنا تحت رعايته أنا وعدد من أبناء جيلى فترة، ثم سأل كل واحد منا: "تحب تروح لمين من الملحنين"؟.. فاخترت محمد الموجى، وأرسلنى له بشيك قدره ألف جنيه عام 1975 كعربون، لكن الموجى رفض، وقال لى: "أنا مش كدة قول لحسين بك الحكاية مش فلوس الحكاية قناعة ولازم أسمعك الأول وأشوف ينفع ألحن لك ولا لأ".
وهل استمع محمد الموجى لصوتك؟
وقتها كنت صاحب ابنه الكبير "موجى"، ودعمنا بالظهور فى البرامج مثل "النادى الدولى" مع سمير صبرى، و"كاميرا 9" مع الإعلامية أمانى ناشد، و"على الناصية" مع آمال فهمى، والدكتورة رتيبة الحفنى فى برنامج الموسيقى العربية، وفى ذاك الوقت تعرفت على المبدع بليغ حمدى وأتذكر أنه اقترح علىّ أن يلقبنى بـ"على حمدى" بينما اختارت آمال فهمى أن يكون اسمى "على فهمى"، وتمسك وجدى الحكيم باسم "على وجدى"، لكنى فضلت اسم على الحجار، وابتدى المشوار.
من أين ابتدى المشوار؟
بدأ من عند بليغ حمدى، وقعت معه عقد احتكار، ولأن بليغ موسيقار وفنان وإنسان حقيقى وافق أن أغنى رباعيات صلاح جاهين من ألحان سيد مكاوى رغم عقد الاحتكار، وكان المرحوم سيد مكاوى رافضا جدا أن يتغنى أحد بالرباعيات غيره، لأنه لحنها لنفسه، وتتناسب مع طبقة صوته فقط، لكن بعد إلحاح من صلاح جاهين، حدد لى ميعادا وذهبت له، وبدأت أغنى أمامه وكل ما أسعه رباعية يقول لى: "إيه ده يا واد برافو"، وعندما نزل الشريط السوق لم يحقق ربحا لكنه اتشهر فيما بعد عن طريق شباب الجامعة.
"أنا آت إلى ظل عينيك.. آت" هكذا تغنيت لـ محمود درويش.. وقبله لـ صلاح جاهين والأبنودى.. كيف عبرت من الأغنية العاطفية إلى الغناء السياسى؟
لست مطربًا سياسيًا مثل مارسيل خليفة أو الشيخ إمام، ولم أكن معارضا سياسيا واضحا يومًا ما، وكثير من الأحزاب عرضوا علىّ الدخول فى أحزابهم ورفضت.. أنا أحب بلدى أكتر من أمى وزوجتى وأولادى، وليس معقولا أن أرى أحداث سياسية ولم أسجل موقفى.. أرى أنه على المطرب تسجيل موقفه، وشاركت فى جميع الأحداث السياسية بالغناء منذ حرب الخليج وحتى ثورة يونيو، كما شاركت فى احتفالات أكتوبر، وأعترف أن حبى للأغنيات التى تمتاز بالحس السياسى جاء من العندليب عبد الحليم حافظ وأغانيه للرئيس جمال عبد الناصر فالرجل كانت لديه قناعة تامة بثورة 52 وجمال عبد الناصر، وذات مرة قلت للشاعر الكبير صلاح جاهين: "احنا صدقناكم لما كنتم بتقولوا عبد الناصر عبد الناصر"، فقال لى: "احنا كنا مصدقين، ومضحكناش عليكم"، وسأظل أغنى كل ألوان الغناء باستثناء الشعبى لأنى لا أجيده، ببساطة "معرفش أقول اللى بيقوله عدوية أو حكيم لأنه لا يليق عليّ".
هل مُنعت لك أغان؟
فى ليالى حفلات أضواء المدينة كانت تمنع بعض الأغانى التى بها حس سياسى، مثل "لم الشمل"، و"متغربناش"، وفى أغنية "هنا القاهرة" قاومت لكى تخرج للنور دون حذف حيث اعترضوا على كلمات "مساء الغش فى الوش والسمسرة" مع إنى ذكرت أيضا "هنا الحب والرحمة والمغفرة"، وكنا أريد كشف المتناقضات وتم إيجازتها.
يقول صلاح جاهين على لسانك "أنا اللى بالأمر المحال اغتوى.. شفت القمر نطيت لفوق فى الهواء.. طلته ماطلتوش إيه أنا يهمنى وليه ما دام بالنشوى قلبى ارتوى.. عجبى" ما هى حكاياتك معه؟
ارتبطنا بصداقة قوية على المستوى المهنى والإنسانى، وعلاقتى به بدأت عندما ذهبت ذات مرة للإذاعية آمال فهمى، بعد 6 شهور من حلقة كنت سجلتها معها، فقالت لى الأستاذ محمد عبد الوهاب وصلاح جاهين سألوا عنك، قلت لها مضى وقت طويل فألحت علىّ الاتصال بأحدهما، فتحدثت إلى صلاح جاهين، وعندما رآنى رشحنى لبطولة مسرحيته "العاشق والمعشوق"، وفى إحدى المرات مزق رسما كاريكاتوريا و"النكتة اللى كتبها عليه" بسبب أنى مضحكتش، قالى معجبتكش وراح قطعها من كثرة ثقته فى رأيى.
ماذا جرى للأغنية المصرية؟
الدولة تتحمل مسئولية ما وصلت له الأغنية المصرية حاليا، ففى الماضى كانت تدرك أهمية الفن، وعندما حدث خلاف بين أم كلثوم وعبد الحليم تدخل رئيس الجمهورية شخصيًا، لأن كان هناك وعى كبير بأن الفن صناعة تتكلم عن دول، "أم كلثوم وعبد الحليم رفعا رأس مصر فى الخارج ولحد دلوقت كل المطربين بيغنوا لعبد الحليم"، والفرق بين ذلك الزمن وزماننا الآن يكمن فى عدم الرعاية والعناية من الدولة".
هل ما زلت تسجل القرآن الكريم؟
نعم، انتهيت من تسجيل عدد من السور منها الرحمن، الكهف، الواقعة، يس، ولن أطرحها فى ألبوم بالأسواق، لكنى سأتركه لأولادى، وحصلت على إجازة من الأزهر بتسجيل القرآن بصوتى.
محمد الحلو.. مدحت صالح.. أنغام.. فى عيون على الحجار؟
"على المستوى الإنسانى مشفتش حد زى محمد الحلو"، إنسان صادق وصريح جدا، و"لو مطرب وحش هيقول فى وشه أنت وحش مابيسكتش"، عكسى تماما أنا "أعرف اضحك واصفق عشان جهدهم وتعبهم ميضعش لكن محمد ملوش دعوة".. ومدحت صالح مطرب عظيم بحب دايما أغانيه فى الأفلام، وكلما استمعت الى أغنية "زى ما هى حبها" من فيلم "مافيا" ببكى بالدموع.. وأنغام سيدة الغناء العربى فى الوقت الحالى، تجمع بين قوة الإحساس وسلاسة الصوت.. وأصالة معندهاش أغنية "وحشة".
كيف ترى الواقع السياسى الآن؟
ما يحدث شىء طبيعى بعد ثورتين، خصوصا بعد ما اتخذ الرئيس السيسي خطوات فعلية بتحرير البلد من الإخوان، والأزمة تتمثل أننا نحارب عدوا مجهولا بمعنى أن "اللى بيدخل بيفجر نفسه فى مكان ما، ده مش عدو طبيعى، وحربه أصعب من الحرب المباشرة واحنا متوقعين طول ما الإخوان وأتباعهم عندهم أمل أن مرسى راجع وعمره ما هيرجع هيحصل أكتر من كدة، لأن مصر مستهدفة بسبب موقعها وبها ثروات كثيرة مش عارفين نستغلها، ولو معانا فلوس هنكون من أهم دول العالم، لكن نحن شعب ناقد دايمًا، واحنا محتاجين شوية صبر".