تمر منطقة الشرق الاوسط بأخطر مراحلها فى الوقت الحالى، فبعد ثورات الربيع العربى تعرضت المنطقة لهجمة شرسة من جماعات الارهاب، التى تحاول ان تسيطر على مجريات الأمور، والدخول فى عمليات اقتتال مع الجيوش النظامية كما يحدث فى سوريا والعراق وليبيا، وبجانب الحرب الشرسة التى تشنها اسرائيل على قطاع غزة، وكذلك المحاولات الفاشلة لتنظيم داعش فى سيناء.
كل ما يحدث هدفة تغيير الوجه الحقيقى الى منطقة الشرق الاوسط وتقسيمها الى دويلات لتبقى اسرائيل القوى الوحيدة فى المنطقة، وتستطيع الولايات المتحدة ان تتمتع بالقدر الاكبر من تروات تلك المنطقة الحيوية، فتصاعدت حدة التهديدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011، نتيجة لتصدع وانهيار عدد من دول الإقليم، وتمدد الصراعات الداخلية عبر الحدود وانتقال تداعياتها لدول الجوار، وصعود التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، بالتوازي مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتزايد الاحتقان والتوتر بين الجماعات القبلية والطائفية والمذهبية في عدد من دول الشرق الأوسط.
وتعاني منطقة الشرق الأوسط حاليا، تصاعد الحروب الأهلية بشكل مستمر، مما يهدد مصالح الدول الغربية التي يجب عليها أن تقوم بتدخلات مباشرة لإنهاء هذه الحروب، بيد أنه من الممكن أن تؤدي مثل هذه التدخلات لمزيد من الفوضى في المنطقة إذا ما تم الانحياز لطرف على حساب طرف آخر، وذلك طبقاً لما ذكره التقرير.
وفي هذا الصدد، تشير إحدى الدراسات إلى أن 75% من الحروب الأهلية على مستوى العالم قد انتهت بانتصار أحد الأطراف مع تدمير الطرف الآخر بشكل كامل، فيما بلغت نسبة الحروب الأهلية التي انتهت عن طريق التفاوض بين أطراف المعركة والتوصل إلى تسوية سلمية، نحو 5%، وقدَّرت عدد الحروب الأهلية التي انتهت عن طريق وساطة طرف خارجي بحوالي 20%.
ويستبعد التقرير نجاح أي جهود للوساطة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط إذا لم يصاحبها تدخل خارجي مباشر يجعل جميع الأطراف متعادلين في القوة، على أن يتم بعد هذا التدخل ضمان تمثيل مناسب وعادل في المناصب السياسية المختلفة لجميع الأطراف. ويقترح التقرير أن تكون هذه الوساطة الخارجية بقيادة أمريكية.
وبالنسبة لخطط امريكا طويلة، التى تعمل من أجل تدمير القوة العربية كاملة وتفتيت الدول لدرء اى مخاطر عن مصالحها بمساندة بعض دول المنطقة ،وبخاصة تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الموسع ،والقضاء على محور الشر الذى اعلن عنه من قبل الرئيس الامريكى السابق جورج بوش فى عام 2001بعد احداث 11سبتمبر ،وكان يقصد وقتها العراق وايران وسوريا.
واستطاع البنتاجون الامريكى ان يضع خططه من اجل الوصول لذلك الهدف من خلال تدمير الجيوش العربية وجعلها بلا قوة قد تعمل على مواجهة اى خطط ترغب فى تنفيذها ،وجاءت البداية فى عام 2003 وبعد الاحتلال الامريكى للعراق ،ومع تعيين بول بريمر كأول حاكم امريكى للعراق قام بأتخاذ قراره الاول بحل الجيش العراقى ،وهو الامر الذى لم يحدث فى اى دولة فى العالم من قبل ،فالجيش يعنى هوية الدولة ،كما يعنى الاستقرار لها ومواجهة اى عمليات داخلية او خارجية ،وحتى لو كان منكسرا بعد حرب لا يمكن ان يتم حله الا لو كان هناك اسباب تهدف الى ذلك ،وهى اسباب تصب جميعها فى مصلحة الولايات المتحدة ،وأهمها جعل العراق بلا هوية لاعادة تشكيلها من جديد والعمل على تقسيمها دون اية مقاومة ،الا أن المخطط الامريكى ازداد شراسة مع دخول تنظيم القاعدة فى الاراضى العراقية وتم تدمير ما تبقى من كيان وهوية الدولة العراقية، مما جعل العراق تبتعد عن الصورة الاقليمية ؟،بعد أن كانت قوة مؤثرة بشكل كبير فيها .
لم يتوقف المخطط الامريكى عند هذا الحد فقط بل انها قامت فى عام 2004 بإقرار مشروع الشرق الاوسط الموسع فى قمة الثمانى ثم من بعده فى قمة اسطنبول لحلف الناتو بحيث جعلت للحلف مهام أمنية وإستراتيجية داخل المنطقة من اجل ان يكون له الغلبة من خلال اعادة نشر قواته فى مواقع استراتيجية مثل البحر الاحمر والخليج العربى وقواعد عسكرية فى دول اخرى .
وخلال تلك الفترة بدأت الادارة الامريكية فى فتح قنوات اتصال مع بعض القوى المعارضة فى بعض الدول العربية لتكون موالية لها فى حال تنفيذ اى ثورات بعد اعلان كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية فى الادارة الامريكية السابقة ،عن مصطلح الفوضى الخلاقة الذى يجب ان يتم تنفيذه فى منطقة الشرق الاوسط والدول العربية ،وحاولت الادراة الامريكية ان يكون لها حلفاء فى حال حدوث ثورات عربية التى كانت تخطط له الولايات المتحدة لاعادة تشكيل المنطقة، كما ترغبها لحماية مصالحها وجعل اسرائيل هى القوة الوحيدة ومن ثم القضاء على القوة العربية المهددة لها.
اما بالنسبة لايران فلم تتوقف محاولات طهران لزعزعة استقرار المنطقة منذ سنوات طويلة؛ ففي عام 1980 قامت إيران بقصف المدن الحدودية العراقية، مما أدى إلى قيام حرب الخليج الأولى، كما دعمت الجمهورية الإسلامية حزب الله بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، فضلاً عن غيره من التنظيمات في المنطقة.
ويرى التقرير أن إيران استطاعت استغلال الفوضى المنتشرة في الإقليم، وانهيار العديد من أنظمة الحكم من أجل تنفيذ مشروعها للتمدد الإقليمي. كما يتوقع التقرير أن يؤدي الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب إلى دعم الاقتصاد الإيراني، مما يشجع طهران على الإبقاء على سياستها العدوانية، ويحفز الاستقطاب في المنطقة والمشاعر العدائية ضدها.
على مدار سنوات طويلة، ظل الصراع العربي – الإسرائيلي القضية المحورية التي تستحوذ على اهتمام المعنيين بشؤون المنطقة، بيد أنه منذ عام 2011 تراجع هذا الاهتمام بعض الشيء. ويؤكد التقرير ضرورة إعادة الاهتمام بهذه القضية، لاسيما من جانب الدول الغربية التي تتعرض للمقاطعة الاقتصادية، وسحب الاستثمارات العربية منها بسبب دعمها إسرائيل.
ويرى التقرير أن الفترة الحالية تعد الأكثر ملائمة للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي؛ حيث إنه في الفترة الأخيرة شهدت كل من حركتي حماس وحزب الله تراجعاً واضحاً، كما تراجعت قوة العديد من الأنظمة العربية التي تعادي إسرائيل. ومن وجهة نظر مُعدي التقرير أيضاً، أصبح ثمة أعداء مشتركون لكل من العرب وإسرائيل، وهم: إيران، و”داعش”. ويطالب التقرير بأن تراعي أي تسوية مستقبلية لهذا الصراع، قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وحسب التقرير، لا يتعامل العرب مع الصراع الإسرائيلي من المنظور البرجماتي الغربي نفسه، ومن ثم فإنه على الدول الغربية أن تقوم بالوساطة بين الطرفين، مع توضيح الفرص والمزايا للدول العربية في حال تحقق السلام.
ويعد الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي ينتشر بها الإرهاب؛ وهو ما يرجعه التقرير إلى الإحباط الاقتصادي والاجتماعي الذي يواجهه سكان هذه المنطقة. ومن ثم فإن أي استراتيجية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط يجب أن تبدأ بإنشاء برامج إصلاح اقتصادي وإدماج اجتماعي، إلا أن أغلب حكومات الإقليم تتعامل مع هذه المقترحات باعتبارها نوعاً من الرفاهية، وتكتفي بالاعتماد على الأداة العسكرية بشكل مركزي.
ويطالب التقرير الحكومات الغربية بتقديم الدعم اللازم لنظيرتها الشرق أوسطية، فيما يتعلق بوضع البرامج والسياسات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة أن تراعي هذه البرامج مبادئ حقوق الإنسان. ومن الممكن، في هذا الصدد، أن يتم تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ببرامج تبادل تجاري، وثقافي.
ويُضاف إلى ذلك، ضرورة أن تعمل الحكومات الغربية على تحسين صورتها لدى الرأي العام في الشرق الأوسط بوسائل متعددة، مثل تسهيل منح التأشيرات للمواطنين العرب، وإن كان هذا الاقتراح يبدو مثالياً بعض الشيء، ناهيك عن أن “سياسات تحسين الصورة” سوف تؤدي إلى زيادة نفقات الحكومات الغربية بشكل مبالغ فيه.