تميزت مصر على مر العصور بالوحدة الوطنية والتآخى والتعايش بين أبناء الوطن الوحدة دون تعصب طائفى أو مذهبى بين أبناء الوطن الواحد، وهى الصفة التى سعى رؤساء مصر خلال العقود الأخيرة على ترسيخها، ولاسيما الرئيس جمال عبد الناصر الذى تبرع بآلاف الجنيهات فى ستينيات القرن الماضى لبناء الكاتدرائية ووضع حجر أساس البناء عام 1965.
تبرع الرئيس عبد الفتاح السيسي لبناء أكبر مسجد وكنيسة فى العاصمة الإدارية الجديدة تمثل تأكيد الدولة المصرية على نهج الوحدة الوطنية والسلام بين أبناء الشعب المصرى، وتأكيد على رسالة الحاكم لإرساء الحب ونبذ التعصب بين أبناء الوطن الواحد وضرب مثالا يحتذى به فى تعزيز الوحدة الوطنية.
وافتتح الرئيس جمال عبدالناصر، والبابا كيرلس السادس، وإمبراطور إثيوبيا هيلاسلاسى، الكاتدرائية عام 1968 م والذى حضره عدد كبير من أبناء الشعب المصرى، وهى التحرك الإيجابى الذى رسخه عبد الناصر بين أبناء الوطن الواحد حيث أكد فى كلمته خلال افتتاح الكاتدرائية: "الثورة قامت أصلًا على المحبة وعلى الخير، ولم تقم أبدًا بأى حال من الأحوال على الكراهية أو على التعصب. هذه الثورة قامت من أجل مصر ومن أجل العرب جميعًا. هذه الثورة قامت وهى تدعو للمساواة ولتكافؤ الفرص والمحبة، وتكافؤ الفرص من أول المبادئ التى نادت بها الأديان السماوية؛ لأننا بها نستطيع أن نبنى المجتمع الصحيح الذى نريده والذى نادت به الأديان".
وتمثل الكاتدرائية رمز مؤسسة الكنيسة المصرية الوطنية وشاهدة على إنجازات وانتصارات ووحدة الشعب المصرى، ومن الأحداث الإنسانية المرتبطة ببناء الكاتدرائية أن البابا كيرلس السادس كان فى زيارة لمنزل الرئيس جمال عبد الناصر، وحين همّ بالانصراف اصطف أبناء الزعيم عبد الناصر لوداع البابا حاملين نقودهم التى احتفظوا بها فى "حصالتهم" وقال عبد الناصر للبابا: "علمت أولادى وفهمتهم أن اللى يتبرع لكنيسة زى اللى يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها، وقالوا حنحوّش قرشين ولما ييجى البابا كيرلس حنقدمهم له". وبالفعل قبل البابا هذا التبرع من أبناء الزعيم كمساهمة فى بناء الكاتدرائية.
وكانت علاقة البابا الراحل كيرلس السادس بالزعيم جمال عبدالناصر علاقة طيبة جدا، فقد أدرك عبد الناصر أن مشروعه القومى سيكون عبر تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء شعبه، ويقول الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: "كانت هناك مشكلة أخرى واجهت البطريرك كيرلس السادس، فقد كان تواقاً إلى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، وكان بناء كاتدرائية جديدة مشروعاً محببا إلى قلب البطريرك لكنه لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر يبنى بها الكاتدرائية الجديدة وفى نفس الوقت فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة، لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط كما أثرت على أغنياء المسلمين ممن كانوا فى العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا بعد فى موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية ثم أن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها قوانين إلغاء الأوقاف".
وأكد الكاتب الكبير أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يدرك أهمية وحقوق أقباط مصر فى التركيب الإنسانى والاجتماعى لشعبها الواحد فقد كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى التاريخ المصرى، لذا قرر أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة نصفها يدفع نقداً ونصفها الآخر يقدم عيناً بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام والتى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء.
وطلب الرئيس جمال عبد الناصر من هيكل إبلاغ البطريرك بقراره، وكان البابا كيرلس السادس شديد السعادة عندما قمت بإبلاغه بموافقة الرئيس عبد الناصر على بناء الكاتدرائية وتبرع الدولة بنصف مليون جنيه حين قال البابا كيرلس السادس: "إن بركات الرب تشمل الكل، أقباطاً ومسلمين".
وتأتى خطوة الرئيس عبد الفتاح السيسي استكمالا لمشروع الدولة المصرية الرئيسى وهو تعزيز الوحدة الوطنية وإرساء الحب والسلام ونبذ التعصب بين جموع الشعب المصرى وهى رسالة سامية تنظر إليها دول العالم بإعجاب، فبالرغم من الصراعات الطائفية التى تشهدها دول المنطقة نجحت مصر فى التأكيد على أواصر التآخى والوحدة والسلام بين أبناء الوطن الواحد.