عندما تم ترشيحى لدورة أكاديمية ناصر العسكرية العليا ال18 عن " الاستراتيجية والأمن القومى " ، تصورت أننى سأكون بين جدران دراسة أكاديمية جافة وصارمة ، بحكم طبيعة المكان - وطبيعة بيئتى المدنية ، لكن ما رأيته بنفسى كان غير ذلك تماما.
رأيت منذ اليوم الأول للدورة مجتمعا آخر من الود والبساطة والاندماج المبكر بين السادة المحاضرين والزملاء الدارسين ،وفريق الأكاديمية ، وكأنه مجتمع ليس بجديد بل أشبه بأجواء بيت العائلة الواحدة .
قبل أن تبدأ الدورة جرى تعارف مميز وتلقائى بين الدراسين ، كان حلقة الوصل فيه اللواء أ ح أسامة راغب نائب مدير الأكاديمية ، ا لذى أذاب كتلا من جليد اللقاء الأول بين المشاركين فى الدورة من مختلف مؤسسات الدولة ، فصاروا بين عشية وضحاها كأنهم يعرفون بعضهم البعض من مدة بعيدة وليس سويعات قليلة .
وأصبحت الأكاديمية بيتنا الثانى ، الذى نمضى فيه أوقاتا جميلة وصار كل واحد منا حريص على الحضور مبكرا قبل بداية المحاضرات ، ليتنافس على الجلوس فى الصف الأول ، رغم أننى كنت أكره بشدة الصفوف الأولى فترة الدراسة بالمدرسة والجامعة ، ولكن ذلك المجتمع الجديد جعلنا حريصين على الاستماع جيدا للمحاضرين والنقاش والحوار فى جو من الألفة والمودة .
شخصيا لم أتوقع تلك الروح والمبادرات الطيبة وطريقة الحوار والسماح بالنقد وحرية الاختلاف ، بين المحاضرين والدراسين ، رغم كونهم قامات عسكرية ومدنية لها وزنها فى المجتمع والدولة المصرية.
لم أسمع أو أرى صوتا مرتفعا أو تشويشا على رأى أو فكرة ، مما نشاهده فى شاشات الفضائيات وبرامج التوك شو أو نراه بأعيننا فى مؤتمرات وندوات ومكلمات أشبه بساحات المعارك الكلامية التى لاتغنى ولا تسمن من جوع.
شدتنى المحاضرات وطريقة عرضها بأسلوب سلس ، يعكس خبرة المحاضرين الكبيرة ومن وراءهم من فريق الأكاديمية المسلح بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة ومهرات التعلم الذكى .
والحقيقة أننى لم أنظر إلى الدورة على أنها تؤهل لمراكز القيادة ، كنت ، لكننى كنت على درجة كبيرة من الشغف والحماس للتعمق فى معرفة مفاهيم و أبعاد الأمن القومى المصرى والعربى ومحددات السياسة الخارجية وحرب المعلومات ومفهوم القوى الشاملة ، وغيرها من العلوم والدراسات الاستراتيجية والسياسية والاجتماعية.
وشعرت بالفخر والاعتزاز لوجودى فى كلية الدفاع الوطنى أقدم محراب دراسى عسكرى واستراتيجى فى المنطقة ، فيما يتعلق بموضوعات الأمن القومي والإستراتيجية القومية وإعداد الدولة للدفاع
والتى تؤهل الدارسين العسكريين والمدنيين – بحق ، وتعمل على توسيع آفاقهم في مجال الأمن القومي والإستراتيجية القومية وتعريفهم بحقائق التهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري وأنسب دور لكل من قطاعات الدولة في مواجهة هذه التهديدات .
أكسبتنى الدورة مهارات كثيرة ومتنوعة ، وزادت من قدرتى على تحليل مجريات الأمور وما يحدث فى مصر والمنطقة والعالم ، وكشفت لى كمواطن قبل أن أكون كاتبا وصحفيا عن أهم التحديات والمخاطر والتهديدات المحلية والإقليمية ، لكى أزداد قناعة راسخة بأن أرض الكنانة مصر تواجه مؤامرة قولا واحدا لا خيالات وأساطير .
كل التحية لفريق أكاديمية ناصر العسكرية العليا ..هنا يصنع القادم ..هنا تبنى الأمم وتتسلح بالعلم والمعرفة لتواجه مشاكل الحاضر وتحديات المستقبل.