قبل اقترابه من اتمام عقدة الثالث على رأس السلطة فى السودان وجد الرئيس عمر البشير نفسه بين مطرقة المعارضة التى تصعّد من حملتها لإقصاء النظام، وترى من وجهة نظرها أنه أصبح خارج الخدمة، بسبب الأزمة الاقتصادية التى أججت الشعب ضده مؤخرا، ما دفع النظام إلى تقديم تنازلات يراها البعض مناورة سياسية ويصفها آخرون "بانحناء للريح حتى تمر العاصفة".
النظام السودانى قدم للمعارضة بعض التنازلات من خلال تنفيذ مخرجات الحوار الوطنى والتى صادق عليها البرلمان، بمنح الأحزاب المشاركة فى الحوار من غير المنخرطين فى الحكومة - نسبة 15%من المقاعد فى المؤسسات التشريعية القومية والمحلية- ، واستحداث منصب رئيس للوزراء يعينه رئيس الجمهورية، وفصل منصب النائب العام عن وزارة العدل، وتغيير مسمى الحكومة من "حكومة الوحدة الوطنية" إلى حكومة الوفاق الوطني.
غير أن تلك التنازلات من وجهة نظر المؤتمر الوطنى الحاكم، اعتبرتها المعارضة "فُتات"، حيث احتجت الأحزاب على هذه التعديلات ما أدى الى انسحاب بعضها من الحوار فى مقدمتها حزب الأمة القومى وحزب المؤتمر الشعبي، معتبرين أن تلك التعديلات الدستورية التفافا على ما اتفق عليه فى مؤتمر الحوار، ودعى زعيم حزب الامة القومى الصادق المهدى الأمم المتحدة لإصدار قرار يلزم الحكومة السودانية بتنفيذ تدابير بناء الثقة، وذلك بوقف الأعمال العدائية، ووصول الإغاثة الإنسانية، وضمان الحريات الأساسية وإطلاق السجناء السياسيين.
الاحباطات المتراكمة لدى الأحزاب السودانية من البشير أدت الى حالة من فقدان الثقة، وصلت لدى البعض الى حد الاقتناع بعدمية الحوار مع هذا النظام، حيث ترى المعارضة أنه أقدم على تلك الخطوات بعد الضغوط التى تعرض لها مؤخرا سواء الشعبية أو السياسية وليس عن اقتناع بضرورة تغيير النظام.
وكانت أولى الضغوط التى شهدتها حكومة الخرطوم الشهر الماضى دعوات العصيان المدنى من قبل نشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعى ولاقى دعما واستجابة حتى وإن كانت بدرجات قليلة ومتفاوتة، فضلا عن الأزمة الإقتصادية التى كانت سببا رئيسيا فى تأجيج الشارع ضد النظام الحاكم بعد رفع أسعار المواد البترولية التى أدت الى رفع السلع الأساسية، إذ تواجه موازنة حكومة الخرطوم خلال العام الجارى ٢٠١٧ عجزاً كبيرا وتراجعا فى احتياطات النقد الأجنبى منذ 2005 ما يقارب المليارى دولار، ووصلت فى عام 2015 وحدها إلى 170 مليون دولار، الأمر الذى أدى إلى تراجع تصنيف السودان، بحسب تصنيف صندوق النقد الدولى الذى يُخضع الخرطوم لشروط برنامج إصلاحاته الهيكلية.
اقتناع المعارضة بعدم جدوى الحوار جعلها تنصرف من حضرة الحزب الحاكم والإستمرار فى صف المقاومة ضده، وفى هذا الإطار بدأ ناشطون سودانيون حملة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم القيادى فى الحزب الشيوعى صديق يوسف، واحتجت أمس أسر ثلاثة من المعتقلين على حبس أولادهم دون توجيه تهم إليهم وتقديمهم لمحاكمة عادلة، ونظموا وقفة احتجاجية أمام سجن كوبر بالخرطوم وتوجهوا لمبانى المخابرات بعد ذلك.
ونقل موقع سودان تربيون أمس بيانا مشترك يؤكد اتفاق الحزب الشيوعى السودانى والحركة الشعبية – شمال على تطوير العمل المشترك بينهما وكافة القوى السياسية لتصعيد النضال السلمى الجماهيرى لإسقاط النظام، وتوحيد المعارضة- على حد زعم البيان.
وأكدوا على العمل مع القوى الأخرى لتوحيد المعارضة بكافة أقسامها فى مركز واحد، مرن قادر على التصدى لمهام العمل اليومى داعيا لتعزيز العلاقات بين قوى المعارضة استنادا على ما تم التوافق عليه من تفاهمات ومواثيق لاسيما نداء السودان والإجماع الوطنى والإنفتاح على القوى الإجتماعية الجديدة، لافتين إلى أن النظام فقد كل مقومات بقائه وتوفرت الشروط اللازمة لإحداث التغيير.
ووضع البيان بعض ملامح لتحرك المعارضة خلال الفترة المقبلة من خلال توحد قوى المعارضة فى جبهة العمل الخارجى بتقديم خطاب موحد للمجتمع الإقليمى والدولي، "ومطالبتهما باتخاذ نهج جديد فى التعامل مع القضية السودانية، وقيام حملات مشتركة حول القضايا الإنسانية وحماية المدنيين وفضح إنتهاكات حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين ودعم نضال شعبنا بالداخل".
والآن يجد النظام السودانى - الذى نجى من لهيب ثورات الربيع العربى – نفسه أمام مطب جديد، وأصبح مطالب أكثر من أى وقت مضى أن يتعامل بجديه مع الحركة الاحتجاجية المتنامية فى الشارع السودانى، وأن يجرى إصلاحات وتجديد دماء حقيقى فى السلطة وليس اللجوء الى مسكنات لجأ اليها سابقوه ولم تفلح فى اسكات صوت الغاضبين.