*لا نستطيع الاستغناء عن مصر فى التعليم ويجب رفع مرتب المعلم 3 أضعاف وكليات التربية سبب ضعف مستوى المدرسين
*إيران هى "البعبع" الذى يخوف به الغرب العرب والعلاقة بيننا وبينهم ثأرية
*شهادات اللاجئين السوريين مشكلة ونعمل على توحيد مناهج الوطن العربى
*على دول المنطقة الاهتمام ببناء الإنسان لتتقدم وهناك محاولات لاختراق اللغة العربية
"داعش صناعة المخابرات الغربية، ولديهم تمويل ضخم جداً وما نعيشه الآن ما هو إلا جزء من خطة وكر الدبابير"، بهذه الكلمات أكد الدكتور "عبد الله حمد محارب" المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو"، والذى كشف لـ"انفراد" فى حوار خاص، عن خطة المنظمة لمحاربة التطرف والإرهاب الذى خلفه الجهل بالتعليم، مؤكداً أن إيران هى الـ"بعبع" الأول الذى يحاول سرقة تاريخ المنطقة، وأن إصلاح مصر هو الطريقة الوحيدة لإعادة الوطن العربى للمقدمة، واصفاً الارتباط بين المنطقة ومصر بالـ"عضوى"، ومقدماً رسالة خاصة للقادة العرب بضرورة إصلاح التعليم، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى شد دكتور محارب على يده فى مواجهة مشاكل مصر والعرب الكبيرة، وإلى نص الحوار..
ألحقتم تطورات عديدة بمنظمة "الألكسو" بعد استلامكم لها منذ 3 سنوات.. هل يمكن أن تحدثنا عن الخطوات والبرامج التى قمتم بها لتصبح جهود المنظمة ملموسة على أرض الواقع أكثر بهذا الشكل؟ وما الفرق بينكم وبين منظمة اليونسكو؟
نحن يونسكو عربية، وهم يونسكو دولى، وعندما استلمت عملى بالمنظمة بعد ترشيحى من قبل الدول العربية وأنا ثورى بطبعى، وأحب تجاوز وكسر الأنماط، لذا عندما ذهبت إلى المنظمة، وجدتهم معتادين على أسلوب معين، بحيث إن الموظف ينهى الشهر ويستلم مرتبه وخلاص، لذا حاولت العثور على مواطن الضعف والتركيز على حلها، ومنها هيكل المنظمة الذى كان موضوعاً منذ السبعينيات، بالإضافة إلى عدم وجود هيئة إعلام، والناس لم تكن تعرف المنظمة أيضاً حتى التونسيين، أصحاب البلد التى توجد بها المنظمة أصلا.
لذا حاولت إعادة الهيكلة وعمل هيئة متخصصة للإعلام، وإدخال التقنية إلى المنظمة، حتى وصلنا الآن إلى إصدار تطبيقات "ألكسو أبس" على الموبايل، لتتواجد المنظمة على الفضاء الإلكترونى بشكل أكبر، وكله من ابتكار الشباب العرب، كما اهتممنا بالمعاقين وتوفير العلوم والثقافة لهم.
كيف كان الوضع الثقافى فى الدول العربية عندما بدأتم.. وما الحالة التى وصلت لها الآن؟
عندما ذهبنا إلى دولة الصومال كان الوضع مأساويا، تلاميذ عرايا لا يدارون إلا عورتهم، ومدرسين فقراء يكتبون على ألواح الشجر الخشبية بدون أى موارد، والتعليم والثقافة فى آخر اهتمامات الشعب، فقمنا بعمل حملة تبرعات خصيصاً لها، وعينت مستشارا خاصا فى مكتب المدير العام خاص بالصومال.
وكان المندوبون فى الصومال وقتها يرسلون التقارير وهم فى دولهم، دون أن يذهبوا إلى الصومال، ولكن المستشارالكويتى د. غانم النجارى هو الوحيد الذى كان قد ذهب إلى الصومال وقتها، فاخترته ليكون مستشار المنظمة فى هذا الصدد، ونصحنى بعمل مؤتمر مانحين، وهو ما تم فعلا بعد ذلك، حتى نساعد الصومال من خلال المؤتمر الذى تبنته الكويت، وسنحاول تنفيذ نفس المشروع فى اليمن وسوريا وليبيا ومصر إن شاء الله.
فى رأيك.. ما أكبر المشاكل التى تواجه المصريين فى التعليم؟
المشكلة الحقيقية أن المؤسسات التى تخرج المدرسين المصريين حالياً أصبحت رديئة، ومخرجاتهم ضعيفة، وهذه الرداءة تنتقل أتوماتيكياً للطالب الخليجى الذى يتعلم على يد مصرى، والحل هو أن يتم عمل منطومة إصلاح حقيقية فى مصر، وأول خطوة هو إصلاح المستوى المادى للمعلم، فالمدرس فى الدول الأخرى يعد من طبقة النبلاء، خاصة فى أوروبا والصين، وعلينا الاقتداء بهذه الدول المتقدمة، وحتى التجربة السنغافورية لم تنجح إلا حينما لجأ الرئيس "لى كوان" للمعلمين، بعد أن كانت أحكام القضاء والشرطة تشترى بالمال.
وما الحل؟
البداية يجب أن تكون من الكتاب المدرسى فى مصر لأنه بصراحة ضائع، فأولادى درسوا فى مصر، وأعرف كم الإهمال الذى يعانى منه الكتاب المدرسى الحكومى، لذا يجب أن تعاد الهيبة للمعلم والمنظومة التعليمية، فالمدرس المصرى زمان كان يخلص التجربة الجامعية كاملة، ثم يذهب ليأخذ دبلومة تربوية، أما الآن فهناك كلية التربية، وهى تدرس 55% فقط من التخصص التعليمى، و45% مواد تربوية، فيخرج المدرس ضعيفا ومستواه مهلهل.
ماذا عن المنظمات الإرهابية التى تستهدف التعليم مثل داعش والقاعدة وطالبان بالاعتماد على حالة الجهل المنتشرة فى الوطن العربى؟
داعش فى الأساس ضد التعليم وكل يوم يخرج علينا فقهاء داعش لنرى أن أصلهم إما ميكانيكى أو نجار أو صنايعى لم يحصل إلا على قدر ضئيل جدا من التعليم.. وأنا خريج معهد دينى أزهرى، ودرست الشريعة والدين، وأعرف أن ما تفعله هذه التنظيمات لا يمت للدين الإسلامى من قريب ولا من بعيد، ووقتها لم نكن نتخيل أبداً أن يظهر علينا شخص فى التليفزيون وهو ينحر شخصا آخر ويقول الله أكبر، فداعش استطاعت تجنيد هؤلاء الشباب بسبب ضعف التعليم، ونحن بدورنا نقدم لتلاميذنا طبخة مسمومة منذ 30 سنة فى تعليمهم ونقول لهم هذا هو الدين، بالإضافة إلى المناهج الدينية فيها خطأ والدعوة للدين نفسها فيها تطرف، والتعليم الدينى الذى لا يتحدث إلا عن الحدود وعقاب الكفار وعقاب الزانى والسارق، دون أن يركز على القيم، ويرفض الآخر بكل صوره، هو ما أوصلنا إلى هذه الحالة المأساوية، من أجيال ضعيفة الثقافة والدين.
هل تؤمن بأن هناك مؤامرة غربية لهدم الإنسان العربى من خلال مثل هذه التنظيمات المتطرفة؟
بالطبع، فداعش صناعة مخابراتية، الذخائر تصلهم بالجو من الدول الغربية، ولديهم تمويل ضخم جداً، وهذه خطة من الثمانينيات، لتفتيت الوطن العربى، بحيث تظل المنطقة مشتعلة وتبقى إسرائيل فى أمان طول الوقت، والدول العربية تنشغل بمحاربة بعضها البعض، فيما يسمى بخطة وكر الدبابير التى بدأت بالعراق وانتقلت على الدول المجاورة لها وهذه الخطة موضوعة من زمان بين الدول الغربية على أن تظل المنطقة متخلفة وذلك من أيام هولاكو حينما أرسل له الفاتيكان زوجة جميلة هى من أوعزت له بالهجوم على الوطن العربى بالاتفاق مع السياسات الغربية.
ماذا عن ملف هجرة الكوادر والمخترعين العرب إلى الدول الغربية؟
البيئة والمناخ هنا لا يحتضنان الأفكار البحثية الخلاقة، فإسرائيل تقدم سنوياً أربعة أضعاف الأبحاث، التى تقدمها الدول العربية كل سنة، لأنه ليس هناك مشجعون فى الدول العربية، بينما يذهب المخترع للمجتمع العربى فيشجعه ويدفعه للأمام، فالقضية ليست بناء بيت أو برج ولكن أن تبنى الإنسان، أهم مورد فى الدول الحديثة، ولكن الأسر العربية ترسل أبناءها إلى المدارس والجامعات ليأخذوا شهادة، دون أن يكون لدى الطالب شوق لمعرفة المعلومات الجديدة، لذا أصبح الطالب يأخذ نصف العلم، فهذا مخطط لتظل الدولة الإسلامية متخلفة من ناحية بناء الإنسان.
ماذا عن إيران.. هل ترى أن لها دورا فى هذه المؤامرة الكبرى؟
بعد حرب 1973، حينما تنبأ الاقتصاديون بأن الخليج على مشارف الحصول على ثروات ضخمة من البترول، ذهب الغرب إلى إيران وخططوا لعزل الشاه، وصرفوا على الخومينى ومولوه، وأخذوا شرائط خطبه إلى إيران لتندلع الثورة، ووقتها رفض العالم كله استقبال الشاه إيران إلا الرئيس السادات رحمه الله، ومن وقتها وإيران تسبب مشكلات للدول العربية، وأصبحت إيران "بعبع" لدول الخليج كلها، وكل ذلك بتخطيط من الغرب حتى ننفق ما نأخذه من البترول على السلاح، ولا تنفق هذه الأموال على التفكير أو التنمية العلمية.
بصفتك مسئولا عن أهم منظمة ثقافية فى الوطن العربى.. لماذا يستخدم الغرب اسم "الخليج الفارسى" وليس "الخليج العربى"؟
هذه قضية قديمة، وإيران منذ القدم تدفع مليارات لنشر أكاذيبها وعمل دعاية لنفسها فى الغرب، لدرجة أنهم يدعون أن "ابن سينا" عالم إيرانى، ذلك العالم الذى أثرى العلوم العربية فى الطب باللغة العربية، ويقولون نفس الشىء على "سيبويه" واضع علم النحو فى اللغة العربية، وكذلك محاولة تسميته الخليج الفارسى، والإيعاز لموقع جوجل باستخدام هذا اللفظ، فلو حاولت البحث الإلكترونى على اسم الخليج فى إيران ستجده الخليج الفارسى ولمن يبحثون فى المنطقة العربية يظهر لهم الخليج العربى، وكل ذلك بسبب مطامع إيران وتعمدها تشويه التاريخ، فالعلاقة بيننا وبينهم ثأرية منذ القدم من أيام كسرى ملك الفرس.
ماذا عن اللاجئين السوريين، وشهاداتهم غير المعترف بها فى عدة دول؟
نحول فى المنظمة مساعدة اللاجئين السوريين داخل المنطقة العربية، وذهبت للمخيمات بنفسى فى الأردن وتركيا، وستكون توصية من توصيات المؤتمر القادم للمنظمة مناقشة قضيتهم، والتوصية بتوحيد المواد المدروسة فى الوطن العربى كله، وبلغة واحدة، لحل هذه الأزمة، وسننادى بتعريب كافة العلوم بما فيها الطب والرياضيات.
تعانى اللغة العربية الآن بين اختراق اللغات الأخرى لها، واستخدام الشباب للفرانكو أراب، حتى أن بعض الدول يسير فيها المواطن العربى وهو مجبور على التحدث بالإنجليزية أو الفرنسية، ما الحل لهذه المعضلة؟
نحتاج إلى قرارات سيادية سياسية لتحبيب الشعوب فى اللغة العربية، ومنع المحلات من كتابة أسمائها باللغة الإنجليزية، فكل ذلك مؤثر، والتصدى للإعلانات الإنجليزية التى تعرض فى تليفزيوننا العربى، كما يجب عمل برنامج أطفال يحبب الجيل القادم فى اللغة العربية الفصيحة.
أخيراً، ما رسالتك للقادة العرب؟
أن يجعلوا التعليم همهم الأول، فنحن معتادون على قصر النظر وليس طول النظر، مع أن التعليم يظهر نتائجه بعد 10 أو 15 سنة، لذا يجب أن يكون التعليم على رأس أولوياتهم مثلما يحدث فى كوريا الجنوبية، وأما رسالتى للرئيس السيسى، فأنا أشد على يده فى حل مشكلات مصر خاصة أنها كبيرة وتحتاج إلى تحدٍ، وأدعوه أن يهتم قدر إمكانه بموضوع إصلاح التعليم، لأن مشكلات الوطن العربى كلها تحل يوم أن تحل مشكلات مصر، فارتباطنا بأم الدنيا ارتباطا عضويا.