الحروب هى ذلك العمل الشرير بفعل الإنسان ونزعة الشيطان داخله، وتتغير نذر الحروب بتغير صانع القرار وأهدافه ودوافعه ووقته، وإذا كان داهية السياسة الأمريكية هنرى كسينجر قال "من لم يسمع طبول الحرب العالمية الثالثة تقرع لا بد أن يكون مصاباً بالصمم"، وبعيدا عن الاختلاف معه أو الاتفاق فإن العالم يسير إلى منزلق خطير من حالة اللا سلم بما ينذر معه أن حروبا شاملة ستدور رحاها ستعمل على تغيير الخرائط الجيوسياسية للعالم .
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فإنها ستكون الأكثر سخونة وغليانا، ورائحة البارود ودخان الطائرات الحربية سوف تملأ سماء تلك المنطقة التى لها من خصوصية الصراع، بعد أن تمدد الغول الإرهابى فيها سواء كان تمددا قائما بذاته، أو تمددا بفعل أجهزة استخباراتية ودول كبرى لإحداث حالة من القلاقل والفوضى فى المنطقة تصبح ذريعة للتدخل والانقضاض على المنطقة التى ظلت طيلة الحرب الباردة والعالم ثنائى القطبية بمأمن من التدخلات الخارجية طيلة عقود مضت.
وأرى أن مصر التى قضت على أحلام ساكن البيت الأبيض باراك أوباما فى الإجهاز على مصر وغيرها من الدول العربية بما يسمى الربيع العربى، وقضت مصر على تلك المؤامرة وعادت الآلة الأمريكية إلى واشنطن استعدادا للانطلاق من جديد بعد الانتخابات الأمريكية، حيث دارت الآلة الإعلامية الأمريكية لتكريس فوز هيلارى كلينتون لتستكمل المنهج "الأوبامى" فى الحرب من جديد على مصر.. كان هذا السيناريو يروج له الإخوان الإرهابيون الهاربون فى ربوع بلاد أشرار المعمورة، وجاء فوز دونالد ترامب ليقضى على هذا السيناريو لتتحول فوهات مدافع الحرب إلى مناطق أخرى ليس من بينها مصر، وهو ما يقضى على سيناريو هنرى كسينجر من أن الحرب العالمية قادمة وهو السيناريو الذى كان يغذيه تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية وفى مقدمتها الـcia، وهو ما وضح من الأزمة التى وقعت بين دونالد ترامب وهذه الأجهزة قبل تسلم ترامب السلطة فى الـ20 من يناير الجارى، ووصف ترامب لهذه التقارير بأنها ملفقة وغير أمينة، وقال فى تغريدته "التويترية" "وكالات الاستخبارات كان يجب ألا تسمح أبدا بتسريب هذه المعلومات الخاطئة للشعب، آخر ضربة ضدى، هل نحن نعيش فى ألمانيا النازية؟"، وذلك إثر تقرير مخابراتى منشور يتحدث عن تدخل روسيا فى الانتخابات الأمريكية لصالح "ترامب" وأن روسيا تمتلك وثائق ضد ترامب يمكن أن تستخدمها فى الضغط عليه.
وبعد أن تغير هذا السيناريو الذى كانت مصر موضع القلب فيه، وأن فوهات المدافع ورؤوس المؤامرات تنتظر الانطلاق نحو القاهرة بإشارة من هيلارى كلينتون، فإن سيناريوهات أخرى تصبح ماثلة خاصة لمنطقة الشرق الأوسط.. ففى ظل الحرب الشرسة التى تقودها مصر ضد الإرهاب الذى ينتشر فى تلك المنطقة فقد أعلن الرئيس الأمريكى القادم فى مناسبات عدة أنه يأمل فى التعاون مع مصر والرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى مكافحة الإرهاب، وهو ما يعنى أن الإدارة الاستراتيجية المصرية قد حولت مصر من هدف للحرب عليها إلى أن تكون فى قلب صناعة النظام العالمى الجديد.
ويرى المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام أن تغييرات جوهرية ستتولى إدارة المنطقة برمتها، خاصة المتمثلة فى انهيار التحالفات السابقة التى كانت تربط أمريكا ببعض الدول والدويلات النفعية التى لم يكن لها فى صناعة التاريخ غير أن تكون أداة فى يد سيد البيت الأبيض وأجهزته الاستخباراتية مثل قطر، عندما كان الهدف هو تمكين الإخوان فى السلطة فى مصر، ودعم الجماعات الإرهابية لتكون "بعبع" الأنظمة السياسية فى المنطقة، وبعد أن تحول مسار الرؤية الأمريكية فى المنطقة فإن هذه الدول أصبحت هدفا مباشرا للآلة الأمريكية فى المرحلة القادمة.
الآلة الأمريكية سوف توجه قذائفها فى وجه الإخوان وتوابعهم فى كل مكان على ظهر الأرض، وسوف نجد قريبا وقد خلعت تركيا التى لا تبحث إلا عن مصالحها النفعية، ونفضت يدها من الإحوان وطردتهم من أراضيها، وهو الأمر الذى يفسره القرار التركى الذى يتغير دوما حسب المصالح والأهواء، وأنه تحت ضغط المفاهيم والرؤى الأمريكية الجديدة، سوف نجد الرئيس التركى وقد هرول نحو مصر لتحسين علاقة القاهرة بأنقرة فى ظل سعى الأتراك للدخول فى تفاهمات المنطقة الجديدة.
أما دول الخليج فإن المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام يرى أنه للمرة الأولى تتطابق رؤى داهية السياسة الأمريكية هنرى كسينجر مع رؤى البيت الأبيض الجديد عندما قال "إن هناك 7 دول عربية لابد أن تحتلهم الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على النفط فيها.. وهو ما بدأ بقانون "جاستا" الذى يتيح لأسر الضحايا فى أحداث 11 سبتمبر برفع دعاوى التعويضات ضد المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذى يمكن أن تستغله أمريكا فى التدخل فى الشأن السعودى ومن ثم الخليج العربى كله، والذى بقى وحيدا، دون فهم ما ترمى إليه الاستراتيجية المصرية وعدم مد الجسور مع روسيا، فأصبح الخليج فى حالة طمع فارسى للانقضاض عليه.
ولأن مصر تؤمن بعروبتها وقوميتها فإنها ستبقى السد المنيع نحو تنفيذ هذا السيناريو المحتمل باعتبارها شريكة فى صياغة النظام العالمى الجديد، لكن يتبقى على هذه الدول أن تعود إلى القاهرة وتتخلص من عبء الإخوان، والبديل أن تدفع فاتورة الوجود الإخوانى والإرهابى على أراضيها، ومن المنتظر أن تلعب القاهرة الدور الأكبر فى تقريب المسافات بين روسيا والصين من ناحية وأمريكا من ناحية أخرى، وهو الدور الذى كانت تلعبه ألمانيا فى السابق، وذلك بما تتمتع به مصر من علاقات مميزة وفريدة مع دول الشرق، وما تتمتع به من علاقات استراتيجية مع أمريكا بعد رحيل أوباما من البيت الأبيض، وبعد سقوط نظرية كلينتون للأبد، وأن الدور المصرى فى هذه المرحلة هو الذى سيقضى على كل احتمالات اشتعال الحرب العالمية الثالثة.