باتت حالة من التفاؤل تسيطر على الدول العربية المصدرة للنفط، منذ أواخر العام الماضى، وذلك عقب إعلان منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" عن اتفاق الدول الأعضاء، ودول أخرى من خارج المنظمة، على تخفيض الإنتاج بدءًا من مطلع يناير الجارى، وهو ما ساهم فى ارتفاع أسعار النفط مجدّدا، بعد التراجع الذى شهدته منذ عام 2014 وحتى أواخر عام 2016.
وسط هذه الحالة التفاؤلية، أصبحت هناك توقعات كبيرة بارتفاع معدلات النمو الاقتصادى فى هذه الدول خلال العام الجارى، خاصة أن النمو الاقتصادى فى الدول العربية المصدرة للنفط يعتمد بشكل أساسى على العائدات البترولية، التى بدأت فى الانتعاش حاليًا بعد قرار المنظمة، ولكن إذا كان هذا هو المتوقع للدول العربية المصدرة للبترول، التى ترتبط معدلات نموها الاقتصادى ارتباطا وثيقًا بمدى استقرار أسواق النفط، فما هو حال الدول الأخرى المستوردة للنفط؟ وما الذى ينتظرها خلال العام الجارى؟
بات هذا الأمر يشغل بال كثيرين، والذين يتساءلون، هل تقف الدول المستوردة للنفط أمام إشارات مستقبل أفضل كما هو الحال فى الدول المصدرة؟ أم سيكون الوضع مختلفًا بالنسبة لهذه الدول؟ خاصة أنها لا تجنى ثمار انتعاش أسواق النفط، مثل الدول التى تمتلكه بوفرة، ويحاول هذا التقرير الإجابة عن هذه التساؤلات، اعتمادا على البيانات الاقتصادية والإحصائيات الرسمية الصادرة عن عدة جهات متخصصة حول الأمر،أهمها صندوق النقد العربى، وما أشار إليه فى تقارير صادرة عنه، توضح أبرز التحديات التى تواجهها الدول المستوردة للنفط، والنسب المتوقعة لمعدلات النمو الاقتصادى بها فى 2017.
ضعف مستويات الطلب الخارجى والأوضاع فى أسواق الصرف الأجنبى أهم تحديات 2017
رغم استفادة الدول المستوردة للنفط من بقاء الأسعار عند مستويات منخفضة خلال الفترة الماضية، قبل بدء تنفيذ قرار "أوبك"، ما وفر لها حيزًا ماليا داعما بدرجة ما للنمو، إلا أن تعرضها للتداعيات الناتجة عن ضعف مستويات الطلب الخارجى، والأوضاع فى أسواق الصرف الأجنبى فى بعض هذه البلدان، إضافة إلى عوامل أخرى، أبطأ من وتيرة النمو الاقتصادى بهذه الدول خلال العام الماضى، وبحسب تقرير صندوق النقد العربى، فإن التوقعات فى هذه الدول تشير لاستمرار هذا التباطؤ فى معدلات النمو خلال العام الجارى، خاصة بعد عودة أسعار النفط للارتفاع مجددا، إلا إذا أسرعت الدول المستوردة للنفط فى تنفيذ برامجها الإصلاحية التى تساعد على تعافى الأداء الاقتصادى بها.
وبحسب تقارير الصندوق، التى أكدت أنه رغم ضعف التوقعات بتحسن معدلات النمو الاقتصادى فى الدول المستوردة للنفط، إلا إنها ممكنة، خاصة فى ظل التحسن المتوقع للنشاط فى عدد من القطاعات الرئيسية فى تلك الدول، التى ستستفيد من تحسن الطلب العالمى، وهو ما سينتج عنه ارتفاع متوقع فى مستويات الاستثمار والإنفاق الاستهلاكى والصادرات، بما يدعم النشاط الاقتصادى لها والمتوقع ارتفاعه إلى 4% خلال العام الجارى.
كما أكدت التقارير، أنه رغم ما شهدته هذه الدول من تباطؤ فى معدلات النمو الاقتصادى خلال عام 2016، جراء عدد من العوامل، أبرزها ضعف معدلات الطلب الخارجى لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين، والتحديات فى سوق الصرف الأجنبى، وتباطؤ مستويات الاستثمار، لا سيما الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فى ظل التطورات الدولية الراهنة، إلا أن هناك توقعات بتحسن النمو وارتفاعه عما سجله فى عام 2016، والذى بلغ 3.1%، وذلك فى إطار التوقعات بتحسن مستويات الطلب الخارجى وظهور الأثر الإيجابى لبعض الإصلاحات الداعمة للنمو الاقتصادى، والجارى تنفيذها حاليًا فى تلك الدول المستوردة للنفط.
توقعات معدلات النمو الاقتصادى للدول المستوردة للنفط خلال العام الجارى
أولا: مصر
ما زال عجز الموازنة العامة للدولة، الذى يلقى بتبعاته على الأداء الاقتصادى، التحدى الأهم الذى تواجهه معدلات النمو فى مصر خلال العام الجارى، إضافة إلى التقلبات فى أسواق الصرف الأجنبى، التى تؤثر أيضًا على مستويات النشاط الاقتصادى، وعلى قيمة العملة المحلية، وتدفع بها نحو مزيد من الانخفاض، ورغم ذلك فإن التوقعات تشير إلى تحسن معدلات النمو خلال العام الجارى، شريطة حدوث تحسن فى مستويات الطلب الخارجى، واستقرار نسبى فى سوق الصرف، علاوة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتحسين مستويات كفاءة أسواق العمل والمنتجات.
ووفقا للاستراتيجية المتكاملة التى تتبناها الدولة حاليًا لإصلاح المالية العامة، فمن المتوقع أن تنتج عنها زيادة الموارد المالية فى الموازنة، وهو ما سيساهم بالتبعية فى تحسن معدلات النمو الاقتصادى، خاصة فى ظل ما تستهدفه الدولة من الاعتماد على وسائل وأدوات مبتكرة ومتنوعة فى تمويل المشروعات الكبرى، إضافة إلى جذب مزيد من الاستثمار الأجنبى المباشر، خاصة فى مجالات الطاقة والنقل، واللوجيستيات والصناعة، كما تستهدف الدولة أيضًا، ضمن برنامجها الإصلاحى، تشجيع الصادرات المصرية ورفع مساهمتها فى النمو الاقتصادى، وزيادة الاعتماد على المكون المحلى ورفع نسبته فى الإنتاج، وهو ما سيؤثر بالإيجاب على معدلات النمو المتوقع ارتفاعها خلال العام الجارى إلى 3.8% بعد أن كانت 3.2% فى عام 2016.
ثانيا: المغرب
بعد تأثر معدلات النمو بالمغرب فى عام 2016، بسبب تداعيات تراجع إنتاج الحبوب بنسبة 70%، وهو ما أثر سلبًا على القطاع الزراعى، الذى تعتمد المملكة فى اقتصادها على عائداته بشكل أساسى، فإن التوقعات تشير إلى استمرار تأثر النمو وسيره بوتيرة بطيئة خلال العام الجارى أيضًا، إلا إذا أسرعت المملكة المغربية فى تنفيذ الإصلاح التدريجى الذى أعلنته مؤخّرا على مستوى الاقتصاد، والذى سيساهم حال بدء تنفيذه فى ارتفاع معدلات النمو خلال العام الجارى، والإسراع بوتيرة تحسنها.
وتأتى مجموعة الإصلاحات التى أعلنتها المملكة، متمثلة فى تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تبنى نظم أكثر مرونة لسعر الصرف، والاستمرار فى تنفيذ عدد من الاستراتيجيات القطاعية لتوطيد أسس نمو القطاع الصناعى، وغيرها من الإصلاحات المتعلقة بقطاع التعليم وتخفيف العبء المالى لدعم المنتجات البترولية، ووفقًا لبيانات صندوق النقد، فإنه من المتوقع وصول معدلات النمو بالمغرب خلال 2017 إلى ما يقرب من 4%، بافتراض البدء فى تنفيذ الإصلاحات وعدم تعرض القطاع الزراعى لأى تأثيرات سلبية.
ثالثا: تونس
تشير التوقعات بالنسبة لمعدلات النمو فى تونس، إلى ارتفاع نسبة النمور الاقتصادى خلال 2017 لـ 2.5%، بعد أن كانت 2% فى عام 2016، خاصة فى ظل التطورات الاقتصادية بمنطقة اليورو، الشريك التجارى الأول لتونس، والتى سيكون لها تأثير ملموس على أداء الاقتصاد التونسى خلال العام الجارى، علاوة على الارتباط الوثيق بين الصادرات الوطنية والطلب الخارجى الآتى من دول الاتحاد الأوروبى من جهة، وتحويلات التونسيين بالخارج والمتواجدين أساسًا فى أوروبا من جهة أخرى، إضافة إلى ما تتبناه الدولة التونسية من إصلاحات فى عدد من المجالات، وما يستهدفه البنك المركزى التونسى من استقرار للأسعار، باعتبارها الهدف الأساسى للسياسة النقدية لضمان نمو سليم ومستدام للاقتصاد.
رابعا: الأردن
رغم انخفاض أسعار النفط فى الآونة الأخيرة، إلا أن تحدى الطاقة والتقلبات الكبيرة فى أسعار النفط العالمية، ما زالا يشكلان التحدى الأكبر أمام الاقتصاد الأردنى، الذى يعتمد فى سد احتياجاته من الطاقة على الاستيراد بشكل شبه كامل،خاصة فى ضوء التخوف من الارتفاع المتوقع للأسعار خلال الفترة المقبلة، نتيجة لاتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بخفض الإنتاج، والذى سيساهم فى زيادة سعر برميل البترول عالميا.
ورغم هذه التحديات، إلا أن التوقعات تشير إلى ارتفاع معدلات النمو بالمملكة الأردنية خلال العام الجارى إلى 2.7%، بعد أن كانت 2.3% فى العام الماضى، خاصة فى ظل التصور الذى وضعته المملكة لاقتصادها على مدى السنوات العشر المقبلة "رؤية الأردن 2050"، الذى يهدف لرسم طريق واضح للمستقبل، من خلال إعداد خطة تنفيذية أولية مدتها 3 سنوات، تتضمن تحديث حزمة جديدة من التشريعات الاقتصادية، التى من شأنها المساهمة فى تعزيز جاذبية مناخ الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادى فى المملكة الأردنية، وذلك بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية.