كتب كريس جارفيس، رئيس بعثة صندوق النقد الدولى، اليوم الأربعاء، مقالا على منتدى صندوق النقد الدولى، بعنوان "حماية محدودى الدخل أثناء الإصلاح الاقتصادى فى مصر"، شرح فيه أهمية الإصلاحات الاقتصادية، التى اتخذتها مصر الشهور الأخيرة، وكيف أنها ستفيد المواطنين على المدى الأخير، وما هى الإجراءات التى تم الاتفاق عليها لحماية محدودى الدخل.
وفيما يلى المقال نقلا عن منتدى صندوق النقد الدولى:
ليس من السهل استعادة الاستقرار الاقتصادى، كما قال الرئيس السيسي، رئيس مصر، عدة مرات. فمصر تواجه ثلاث مشكلات مترابطة: مشكلة ملحة فى ميزان المدفوعات – أى أن النقد الأجنبى الخارج أكثر من الداخل – وتصاعُد فى الدين العام، بالإضافة إلى النمو المنخفض والبطالة المرتفعة. وبمساعدة صندوق النقد الدولى صممت مصر خطة إصلاح لمعالجة هذه المشكلات التى تؤثر على حياة المصريين اليومية، ولا سيما الأقل دخلاً فى المجتمع. والهدف من هذه الخطة هو مساعدة المواطنين على اجتياز مرحلة التحول الاقتصادى الصعبة وإشراكهم كأصحاب مصلحة واحدة فى مستقبل البلاد.
كيف تساعد الحماية الاجتماعية إجراءات الإصلاح الاقتصادى؟
كل المشكلات الاقتصادية التى تواجه مصر قابلة للحل، والإصلاحات التى أجرتها الحكومة فى الشهور الأخيرة – بتطبيق ضريبة القيمة المضافة وتعويم الجنيه وتخفيض الدعم على الوقود – ستخفف أعباء كل المصريين على المدى الطويل.
وستساعد الإصلاحات الطبقة المتوسطة، وكذلك محدودى الدخل عن طريق زيادة النمو وخلق فرص العمل، ولكن هناك تكاليف على المدى القصير أيضا.
ففى الحياة اليومية نجد أن تكلفة الواردات أكبر بالجنيه المصرى، نظرا لارتفاع سعر الدولار فى مقابل الجنيه. وهناك من سيدفعون ضرائب أكبر.
وتكلفة الوقود ترتفع مع تخفيض الدعم، ومن ثم، فالحكومة والصندوق عازمان على أن تكون التكلفة أقل ما يمكن بالنسبة للفئات الأقل قدرة على احتمالها، ولهذا تلتزم الحكومة بإنفاق ما لا يقل عن 33 مليار جنيه إضافية، أى حوالى 1% من إجمالى الناتج المحلى، لزيادة الإنفاق الاجتماعى.
إجراءات الحماية الاجتماعية
تم إعداد برامج مختلفة أصبحت فى طور التنفيذ، وهو ما يهدف فى الأساس إلى مساعدة محدودى الدخل. وتتضمن هذه البرامج زيادة فى الدعم الغذائى وإصلاحات فى ميزانية معاشات الضمان الاجتماعى. وفيما يلى بعض التفاصيل:
- زيادة دعم المواد الغذائية عن طريق رفع قيمة الدعم المقدم من خلال بطاقات التموين الذكية من 12 إلى 21 جنيها مصريا للفرد.
- التوسع فى برنامج "تكافل وكرامة" ليغطى 1.7 مليون أسرة و7.3 مليون مستفيد.
- التوسع فى ميزانية معاشات الضمان الاجتماعى لتغطى 1.7 مليون أسرة إضافية، إلى جانب زيادة معاشات التقاعد العامة.
- هناك برامج أصغر تستهدف فئات معينة من محدودى الدخل، مثل البرامج التى تتيح زيادة الوجبات المدرسية المجانية، وزيادة توصيلات الغاز إلى المناطق الفقيرة، وستقوم الحكومة بزيادة الدعم على ألبان الرضع وأدوية الأطفال، ومواصلة التدريب المهنى للشباب أو زيادة البرامج التدريبية القائمة.
- وتتضمن الإصلاحات الهيكلية الاجتماعية زيادة مشاركة المرأة فى سوق العمل، وهو ما ستكون له آثار اجتماعية مهمة، إلى جانب مساهمته فى النمو الاقتصادي. فسيتم إنفاق حوالى 250 مليون جنيه إضافية على دور الحضانة العامة، وستدرس الحكومة كيفية جعل المواصلات العامة أكثر أمانا وسهولة فى الاستخدام بالنسبة للنساء.
زيادة النمو تعنى زيادة الوظائف
ويعالج البرنامج القيود الاقتصادية والهيكلية أيضا، فمع التنفيذ السليم للسياسات المخططة، يمكن أن يرتفع النمو فى مصر إلى 6% على المدى المتوسط، وهو ما يضاهى النمو فى الفترة من 2005 إلى 2010 حين كان المتوسط السنوى 5.9%.
وعلى المدى المتوسط، يهدف البرنامج إلى الوصول بالاقتصاد المصرى إلى تحقيق إمكاناته الكاملة وتسجيل معدلات نمو مرتفعة. وسيساعد هذا فى خلق الوظائف لاستيعاب الشباب الداخلين إلى سوق العمل. ويتوقع الصندوق أن تهبط البطالة إلى 10% مع آخر سنة فى البرنامج، مقارنة بمعدل 12.7% فى العام الماضى، وأن تنخفض بدرجة أكبر لتصل إلى رقم أحادى فيما بعد.
ولا يزال برنامج الإصلاح الاقتصادى فى مراحله المبكرة، وهناك التزام من جانب الحكومة والصندوق بدعم الحماية الاجتماعية طوال هذه الفترة. فكل من الإصلاحات الهيكلية وإجراءات الحماية الاجتماعية ضرورى لتحقيق أهداف البرنامج وسيتم استخدامهما كمؤشرين لقياس التقدم، والسلطات ملتزمة بتنفيذهما مع نهاية يونيو 2017.
وقد وضعت الحكومة المصرية هذه الخطة لصالح الشعب المصري، ويستفيد برنامج الإصلاح الاقتصادى من تجارب النمو فى كثير من البلدان التى نجحت فى تحقيق تقدم اجتماعى واقتصادى مستمر، مع مراعاة خصوصيات مصر المتفردة لضمان توفير أفضل فرص النجاح للشعب المصرى. وسيكون التنفيذ صعبا فى بعض الأحيان، ولكن مصر تستطيع التقدم بخطى واثقة، مرتكزة على فهمها لأن الإصلاح الاقتصادى لا يتعلق فقط بزيادة الدخل القومى، وإنما يمتد إلى حماية فئات المواطنين الأكثر فقرا والأقل دخلا وتحسين فرصهم فى المستقبل.
كريس جارفيس
هو رئيس بعثة صندوق النقد الدولى إلى مصر ومستشار فى إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى الصندوق. وقد عمل من قبل فى الإدارة الأوروبية، حيث ترأس بعثات الصندوق إلى بيلاروس ثم أوكرانيا؛ وكان قبل ذلك كاتب خطب رودريجو دى راتو، ودومينيك ستراوس-كان، المديران العامان السابقان للصندوق. ولدى جارفيس خبرة تتجاوز العشرين عاما كاقتصادى فى الصندوق، حيث ركز فى الغالب على شؤون الاقتصادات الصاعدة، من مواطنى المملكة المتحدة، وقبل التحاقه بالعمل فى الصندوق كان يعمل فى وزارة الخزانة بالمملكة المتحدة، وقد تلقى تعليمه فى كلية "كيبل" بجامعة أكسفورد، وكلية "نافيلد" بجامعة أوكسفورد أيضاً، وكذلك فى جامعة "ييل" الأمريكية.