سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 19 يناير 1899.. «بطرس باشا غالى» يوقع على اتفاقية حكم الإنجليز للسودان

ذهب اللورد كرومر، المندوب السامى للاحتلال الإنجليزى، لمصر إلى الخديو عباس حلمى الثانى لمقابلته يوم 17 يناير 1899، وذلك بعد مرور أربعة أيام على عودة «كرومر» من زيارة إلى السودان، وحسب الجزء الثانى من مذكرات «أحمد شفيق باشا» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»، فإن لقاء الاثنين دار فيه الحديث حول قول «كرومر» فى خطبته بـ«أم درمان»: «لقد شاهدت أن العلمين الإنجليزى والمصرى يخفقان على هذا المكان، وفى هذا إشارة إلى أنكم ستحكمون فى المستقبل بملكة إنجلترا وخديو مصر، والنائب الوحيد فى السودان عن الحكومة البريطانية والمصرية سيكون سعادة السردار الذى أودعت فيه جلالة الملكة وسمو الخديو تمام ثقتهما». وحسب «شفيق» فإن هذه الكلمات بدت إعلاناً صريحاً من الجانب الإنجليزى بأنه لا يبغى الاشتراك فقط فى حكومة السودان، بل ويعتزم غل اليد المصرية نهائياً عن التدخل فى شأنه، وجاءت هذه التطورات بعد القضاء على نفوذ الحركة المهدية فى السودان بفضل هزيمة قوات الجيش المصرى بقيادة الإنجليزى «ونجت باشا» لـ«المهديين» فى «أم درمان» وقتل خليفتهم «عبدالله التعايشى»، ويؤكد الدكتور محمد فؤاد شكرى فى كتابه «مصر والسودان - تاريخ وحدة وادى النيل السياسية فى القرن التاسع عشر» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة»، أنه منذ أن أنهت واقعة أم درمان حكومة الخليفة التعايشى، استأثر باهتمام المسؤولين الإنجليز تدبير نظام للحكم فى السودان يكفل لهم السيطرة الكاملة على إدارته، وهى السيطرة التى استمدوها من حق الفتح، بفضل اشتراكهم بالمال والرجال فى الحملة التى قام بها الجيش المصرى للقضاء على حكم المهديين»، وتأسس حكم المهديين على دعوة «محمد أحمد» مؤسس الحركة المهدية بـ«ضرورة طرد المصريين من السودان لتقرير العدالة ونشر السلام مرة أخرى» حسب ما يذكر «شكرى». فتحت هزيمة المهديين الباب للإنجليز لحكم السودان، وعبرت كلمة «كرومر» فى «أم درمان» عن ذلك، ولما تناقش الخديو عباس الثانى معه حولها فى لقائهما، اعتذر كرومر قائلاً للخديو بأنه قبل أن يذهب إلى السودان لم يكن ينوى إلقاء خطب أو تصريحات، لكنه اضطر إلى ذلك اضطراراً، وأشار فى حديثه إلى أنه بعث بصورة اتفاق إنجليزى مصرى يختص بالسودان لبطرس غالى باشا ناظر الخارجية، وكانت المفاجأة وفقاً لـ«شكرى»: «أن الخديو لم يكن يعرف شيئاً عن تفاصيل الاتفاق المنوى إبرامه، وكانت معلوماته حتى عن المبادئ العامة التى سوف يقوم عليها هذا الاتفاق ضئيلة». انعقد مجلس النظار «الوزراء» للنظر فى مشروع الاتفاق الذى أبلغه اللورد لبطرس غالى، ويؤكد شفيق: «لم يكن لدى المجلس منه غير نسخة واحدة علما أن أكثر النظار لم يكونوا قد اطلعوا عليها، ولكنهم كانوا متفقين على قبولها، على حين كان الخديو يرى أنه لا يجوز للحكومة المصرية عقد اتفاق كهذا لأن فيه اعتداء على السيادة التركية، وأخيراً تقررت الموافقة على المشروع ونشر فى الجريدة الرسمية فى مثل هذا اليوم 19 يناير 1899 بعد أن وقعه فى نفس اليوم بطرس باشا غالى، واللورد كرومر ويصف «شفيق» هذه الاتفاقية بـ«المشؤومة». شملت الاتفاقية «12 مادة» أبرزها: «يستعمل العلم البريطانى والعلم المصرى معاً فى البر والبحر بجميع اتحاد السودان المصرى ما عدا مدينة سواكن فلا تستعمل إلا العلم المصرى فقط، تفوض الرياسة العليا العسكرية والمدنية فى السودان إلى موظف واحد يلقب «حاكم عام السودان» ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديوى بناء على طلب حكومة جلالة الملكة، ولا يفصل عن وظيفته إلا بأمر عال خديوى ويصدر برضا الحكومة البريطانية، ولا يسرى على السودان أو على جزء منه شىء ما من القوانين أو الأوامر العليا أو القرارات الوزارية المصرية التى تصدر من الآن فصاعداً»، و«لا يجوز تعيين قناصل أو وكلاء قناصل أو مأمورى قنصليات بالسودان ولا يصرح لهم بالإقامة بها قبل المصادقة على ذلك من الحكومة البريطانية». يؤكد «شكرى»: أصبح الحاكم العام للسودان القابض على السلطة كلها إنجليزيا معينا بأمر الخديو بناء على اقتراح الحكومة الإنجليزية، لكن الحقيقة كانت فى أن إنجلترا هى التى تعينه، والسودان من هذه الوجهة إنجليزى تقريبا».



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;