توجه الملك فاروق مع الأميرين السعوديين، فيصل بن عبد العزيز وشقيقه خالد، والأمير اليمنى سيف الإسلام إلى مسجد «قيصون» لأداء صلاة الجمعة، يوم 20 يناير «مثل هذا اليوم»، عام 1939 فحدثت المفاجأة بأن قام فاروق بدور الإمام فى الصلاة، مما أثار ضجة كبرى، حسب تأكيد الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية فى مصر» «مكتبة مدبولى - القاهرة».
كان الضيوف الثلاثة فى مصر لبعض الوقت قبل سفرهم إلى مؤتمر المائدة المستديرة فى لندن، وتوجه الأمراء وكبار رجال الدولة والجيش فى مصر إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، وفاجأ فاروق الجميع عندما ترك الصف الأول وتقدم إلى المحراب، وحسب صحيفة الأهرام «21 يناير 1939»: «وقف على أثر الانتهاء من الخطبة، وتهيأ ليؤم المصلين، وصلى بهم، وبعد أن فرغ من الصلاة، ارتفعت هتافات المصلين: «الله أكبر الله أكبر، يحيا إمام المسلمين، يحيا الملك الصالح»، وصافحه الأمراء الضيوف، وقال أمير المؤمنين لمجاوريه: «هذا يوم عظيم حقا، فقد ضم بين يوم الجمعة وبين شهر الحج وبين أول مرة يؤم بها الملك فاروق صلاة الجمعة»، وتذكر لطيفة سالم: «عند مغادرة الملك المسجد ارتفعت الصيحات تردد: «يحيا أمير المؤمنين، يعيش الخليفة»، وعد ذلك الحدث الأول من نوعه منذ تسعمائة سنة، وهللت له الصحافة الموالية، فرأت فيه «روز اليوسف» يوما مشهورا وقالت: «حامت فى أفق الجامع أرواح الخلفاء الراشدين ترفرف حول المليك الشاب وتستمع إلى نشوة دونها كل نشوة، وكأنما أطربها أن يبعث الإسلام من جديد على يد مليك مصر المفدى، فيرفع بيده يد الإسلام، الذى عاش فى ظله عمر بن الخطاب»، ووجدت «الأهرام» أن حلم الإسلام قد تحقق بعد تلك الأحقاب الطويلة، ونشرت صحف لندن برقية مرسلة من مكاتب «مراسل» وكالة رويتر بالقاهرة بالحدث، وذكر أن الدوائر العربية قابلت عمل فاروق بالارتياح لأنها تشعر بضرورة بذل مجهود صادق لجمع كلمة البلاد الإسلامية، وأن هذا العمل دليل على أنه رغم حداثة سنه يقبل الزعامة.
جاءت هذه الضجة فى سياق تجدد الحديث عن الخلافة الإسلامية، ومن هو الأجدر بأن يكون خليفة للمسلمين بعد إلغائها فى تركيا يوم 3 مارس 1924، وأثير الحديث بشأنها أثناء حكم الملك فؤاد، لكنه توقف ثم تجدد مع ابنه فاروق فى محاولة قادها «على ماهر» و«مصطفى المراغى» شيخ الأزهر لتقريب الملك الجديد من المصريين، وتذكر «سالم» أنه عند عقد المؤتمر العربى لبحث المشكلة الفلسطينية كتبت مجلة «آخر ساعة» فى عددها يوم 16 أكتوبر 1938، أن بعض كبار المصريين أراد جس نبض الوفود ومقدار تأييد أو ترحيب الدول الشرقية بفكرة إعادة الخلافة، فلم يتحدث البعض صراحة، لكنهم أوضحوا أن الشعوب العربية يسرها أن تقوم فى مصر خلافة للمسلمين، وأن زعيما عربيا صرح بأنه ليس فى الشرق من هو خير لخلافة المسلمين من فاروق، وأن الهتافات ترددت بحياة فاروق الأول خليفة المسلمين، وأن بعض الأعضاء اقترح انتهاز الفرصة وإقرار إعادة الخلافة الإسلامية ومبايعة فاروق، وتعلق المجلة بأنه من المنتظر عقده فى شتاء 40/1941، وسيدعى إليه ملوك وأمراء جميع البلاد الإسلامية الشرقية والغربية ووفود العرب، وستقام المهرجانات بمناسبة هذا اليوم، الذى ينصب فيه فاروق خليفة على المسلمين.
على أثر الربط بين إمامة فاروق للصلاة وموضوع الخلافة،اتصلت السفارة المصرية فى لندن بوزارة الخارجية مستفسرة، ووفقا لـ«لطيفة سالم»، ردت الوزارة بالنفى وطلبت تكذيبه فى لندن ببيان يصدر من السفارة نفسها، وبالفعل عقد السفير مؤتمرا صحفيا وأنكر أى مغزى لما حدث، ونشرت «التايمز» و«ديلى تلجراف» و«المانسشتر جارديان» كتابا بتوقيع سكرتير السفارة نفى فيه أية تفسيرات تتعلق بالهتافات، وأنه ليس هناك شىء مطلقا يتعلق بالمناداة بفاروق خليفة على المسلمين، وتذكر الأهرام فى عددها 28 يناير 1939، أن «التايمز» نشرت برقية لمكاتبها «مراسلها» فى القاهرة تنفى ما قيل من أن فاروقًا يطمح إلى الخلافة، وأنه إذا كان أم المصلين، فقد أراد أن يحيى أمراء العرب وليس لهذا العمل مغزى خاص، وأن الهتافات له كخليفة للمسلمين كثيرة منذ توليه العرش، وأن مسألة الخلافة تجد هوى فى نفوس بعض طلبة الأزهر وبعض المحافظين، لكن المتزنين من رجال السياسة يرفضون مثل هذه الأمانى، لأنهم يرونها عبئًا على مصر أو سابقة كثيرا لأوانها.