أثار إقرار فرنسا لقانون "الموت الرحيم" الذى يسمح للأطباء بتخدير المرضى الذى لا يرجى شفاؤهم حتى الموت الجدل مرة آخرى فى أوروبا، وذلك بعد أن انضمت فرنسا للدول التى قننت هذا القانون ومنها هولندا وبلجيكا ولوكسمبورج، ويرى بعض الأطباء فى فرنسا أن القتل الرحيم ربما يكون أكثر إنسانية، فيما يرى آخرين أن هذا القانون سيساعد على الإنتحار، وينقسم الأوروبيون اليوم، ما بين مؤيد للتشريعات التى تسمح بممارسة الموت الرحيم، وما بين معارض يرى أن الحياة ليست ملك أحد كى يساعد فى منح الموت، ولكن أكثر إثارة للجدل حول هذا القانون هو توسيع دائرته ليشمل المرضى ما دون الـ18 عاما على إنهاء حياتهم بإشراف طبى.
ففى فرنسا وافق مجلس النواب الفرنسى على مشروع قانون يسمح بالقتل الرحيم للمرضى الميئوس من شفائهم وهو ما يسمح للأطباء باتخاذ قرار بإنهاء حياة المريض بدلا من وضعه المريض على الأجهزة مدى الحياة، وحسب التقرير فإن مشروع القانون الجديد يسمح للمرضى باختيار وضعه فى حالة تخدير عميقة حتى الموت، لكن هذا يتم عندما تتوافر شروط الحالة ومن المرجح أن يؤدى إلى الموت السريع، وبالنسبة لحالة الأشخاص الذين لا يستطيعون التعبير عن إرادتهم نتيجة لتواجدهم فى حالة غيبوبة يتم التشاور مع الأسرة.
ويعتبر القتل الرحيم غير قانونى فى معظم البلدان التى تتلقى المساعدة من أجل شفاء المرضى حتى الحالات الميئوس منها، كما أن بلجيكا واحدة من أوائل الدول التى شرعت وطبقت القتل الرحيم، ونفذت أكثر من 2000 حالة من القتل الرحيم فى العام الماضى، مما يعد أكبر عدد منذ أن تم إنشاء القانون فى عام 2002، مع شرط أن يكون المريض فوق ال 18 عاما، وهو ما يتطلب موافقة طبية صارمة،وفى 2013 تبين أن الوفيات الناجمة عن القتل الرحيم وصلت إلى 25% عن العام السابق ، ويعتبر واحدا من سياسات الدولة الأكثر إثارة للجدل ، حيث أن الأمر امتد إلى الأطفال المرضى الميؤوس من شفائهم، وفى بعض الأماكن فى بلجيكا هناك أكثر من 30 % من حالات القتل الرحيم تتم دون موافقة.
أما فى كندا، فأجازت المحكمة العليا قانون الموت الرحيم ،وذلك بعد أن كان محظورا فى البلاد وقالت المحكمة إنها أجازت هذا القانون فى ظروف معينة ومنحت الحكومة 14 شهرا لاصدار قانون جديد.
أما فى هولندا، فقننت فى 2002 القانون وفى 2013 وصلت الحالات إلى 1600 ثم ارتفع إلى 4188 مجموع الوفيات فى هولندا بمساعدة الطبيب، و78% منهم مصابين بمرض السرطان.
وفى سويسرا الانتحار بمساعدة الغير يتم تنفيذه بواسطة طرف ثالث، وهذا من المحتمل السبب الذى يدفع الكثير من الأجانب إلى السفر إلى سويسرا للانتحار بمساعدة الغير عبر الحدود مع ألمانيا،وتعتبر لوكسمبورج اعتبارا من عام 2009، أصبحت ثالث دولة فى أوروبا فى تقنين القتل الرحيم، ويجب أن تتم الموافقة على طلب المريض من قبل اثنين على الأقل من الأطباء المعتمدين، وكذلك لجنة مستقلة من الخبراء.
أما فى الدنمارك، فلايزال الأمر عالقا بين القانون الحالى الذى يمنع الموت الرحيم، وبين المطالبين بالاستفتاء الذين ترتفع حظوظهم فى الفوز به، فى حال إجرائه، ومازل مؤيدى الموت الرحيم يسعون لإجراء استفتاء للموافقة عليه.
وفى ألمانيا، فإن معايير القتل الرحيم أكثر صرامة من سويسرا حيث أن يكون الفعل قانونى فى حالة أن يعطى المريض نفسه الدواء القاتل ولكن فى سويسرا لابد من أن يكون عبر طرف ثالث، وهذا ما يدفع الكثير من الأجانب إلى السفر إلى سويسرا للانتحار بمساعدة الغير،وحظر مجلس النواب الألمانى عمليات الموت الرحيم الذى يمارسه أشخاص ومؤسسات بصورة انتحارية ، ولذلك فإنه لن يسمح للجمعيات أو الأفراد مستقبلا بتقديم خدمة الانتحار البطىء للراغبين فى الموت، وينص مشروع القانون على عقوبة من يقوم بهذه الجريمة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام فى حال تقديم دواء قاتل لمريض بالسرطان مثلا لا يرجى شفاؤه.
وتسعى إسبانيا لتبنى قانون الموت الرحيم للمرضى الذين يعانون أمراضا مستعصية وميؤوسا منها، وتتبنى اسبانيا القانون وتسعى لإقراره لأنه يحظى بأهمية كبيرة فى البلاد ، ويساعد الكثير من المرضى وافراد أسرتم التحرر من الألم والمعاناة التى قد تستمر لسنوات طويلة ،وينص على امكانية لجوء الاطباء الى الموت الرحيم لبعض المرضى دون التعرض لملاحقة قضائية وذلك فى حال توفر عدة شروط منها ابداء المريض رغبة واضحة بانهاء حياته نظراا لمعاناته الكبيرة وآلامه غير القابلة للشفاء وان يكون موته أمرا حتميا منتظرا".
أما فى أمريكا اللاتينة فإن كولومبيا فى عام 1997 قضت المحكمة العليا فى كولومبيا أنه لا يمكن محاكمة الأطباء بسبب مساعدة المرضى على اتخاذ قرار إنهاء حياتهم ، والشروط المطلوبة فى كولومبيا هى تقرير طبى يؤكد أن المريض يعانى من مرض عضال بالإضافة إلى موافقة المريض.
وفى الولايات المتحدة الأمريكية فإن المرضى لديهم الحق فى اختيار رفض تناول الدواء أو زيادة المسكنات عند الضرورة، حتى لو كان هذا يشكل خطرا على حياتهم، بينما اعتبر الموت الرحيم قانونيا فى 6 ولايات منذ حادثة "دكتور الموت"، الدكتور كيفوركيان (الذى ساعد على موت نحو 40 مريضا فى ميشيجان فى 1990)، ففى ولاية فيرمونت ومونتانا وواشنطن ونيو مكسيكو وأوريجون من القانونى للطبيب توفير الأدوية التى تنهى الحياة، طالما أنها تلبى مجموعة من المعايير الصارمة التى تشمل تقريرا طبيا يؤكد أن المريض يعانى من مرض عضال، على النحو الذى يحدده أطباء متخصصون، وفى عام 1997 صدر قانون الموت الرحيم فى ولاية أوريجون، وفى واشنطن أصبح الموت الرحيم أمرا قانونيا فى 2009 ووصفت أدوية مميتة لحوالى 255 شخص.
وكانت ولاية كاليفورنيا الأخيرة فى تشريع قانون الموت الرحيم لتصبح سادس ولاية فى الولايات المتحدة الأمريكية التى تجيز القانون ،واكتسب القانون هذا زخما كبيرا بعد انتحار شابة تبلغ 29 عاما قبل أشهر إثر اصابتها بسرطان فى الدماغ كان يسبب لها آلاما مبرحة، وقد بثت فيديو على الانترنت تحدثت فيه عن معاناتها وعن رغبتها فى إنهاء حياتها، وقد اضطرت هذه الشابة الى مغادرة ولايتها كاليفورنيا الى ولاية اوريجون للحصول هناك على عقاقير الموت الرحيم.
أما بريطانيا فتعتبر من أكبر الدول التى ترفض الموت الرحيم ، ورفض البرلمان البريطانى قانون القتل الرحيم بعد نقاش حاد، وذلك بعد دعوة ممثلى الجماعات الدينية فى بريطانيا المجلس الى عدم اقرار قانون يجيز الموت الرحيم، ودعا ممثلون عن الجماعات الإنجليلية والكاثوليكية والارثوذكسية واليهودية والمسلمة فى بريطانيا، اعضاء البرلمان الى رفض المشروع.
رأى الكنيسة فى الموت الرحيم
وترى الكنيسة الكاثوليكية أن القوانين التى تجيز الموت الرحيم والإجهاض ومثلى الجنس، قوانين لا تتعلق بالسلام ولا بالإنسانية، وكان البابا يقول دائما إنه من الخطأ إقامة حقوق زائفة على أساس الرؤية اختزالية ونسبية للإنسان واستغلال البراعة فى التعبيير عن أمور غامضة ، وتهدف إلى ادعاء الحق بالإجهاض والقتل الرحيم اللذان يهددان الحق الأساسى فى الحياة، كما أن هذه القوانين تهدد كرامة الإنسان.