لا تتوقف مشاكل النقود المتداولة -"الكاش"- عند خطورة ضياعها أو الأمراض التى تنقلها أو تعرضها للضياع والتلف من كثرة الانتقال بين الأيادى، لكنها أصبحت أيضًا وسيلة بدائية فى ظل انتقال الأموال عبر المحمول والإنترنت، بالإضافة لكل المشاكل التى تحدثها الفكة فى التعاملات اليومية، ورغم المحاولات المتتالية للحكومة لدفع الاقتصاد نحو تقليل استخدام الكاش فى التعاملات المالية، ولكن يواجهها كثير من العقبات والمصاعب، حيث ما زال قطاع عريض من المصريين يفضل التعامل النقدى باستخدام "الكاش" باعتباره وسيلة أكثر أمانًا من الوسائل الإلكترونية كـ"الفيزا" وغيرها، ومن ناحية أخرى لا تصل هذه الوسائل الإلكترونية لقطاع عريض من المواطنين خاصة القاطنين بالقرى والنجوع.
ورغم هذه الصعاب لكن هل تستطيع مصر أن تحول معاملاتها المالية إلى المدفوعات الإلكترونية والتخلى عن الكاش كما فعلت السويد؟ القول بأن مصر فى طريقها نحو ذلك لا يكتمل إلا من خلال وجود قانون يلزم التعامل البنكى بدون كاش، وهو الأمر الذى لم يتخط حيز المناقشات حتى الآن خاصة بالنسبة للأفراد والمشروعات الصغيرة التى لا تزال تفضل التعامل بالكاش.
وأصدر المجلس الأعلى للاستثمار مؤخرًا قرارًا بإنشاء المجلس القومى للمدفوعات، وتعد أولى خطوات التحول الحقيقي نحو تحجيم تداول السيولة النقدية "الكاش" خارج الجهاز المصرفى، ومن المنتظر أن يصدر عن هذا المجلس قرارات تنظم هذه المسألة مستقبلاً.
وبالنظر إلى التجارب الدولية نجد السويد تمكنت من التحول إلى الاقتصاد غير النقدى لكل المعاملات المالية لحوالى 98% من معاملاتها عام 2015، رغم أن تجربتها بدأت فى ستينيات القرن الماضى، ولم يتبق أمامها سوى 2% فقط هو حجم المعاملات النقدية، والمتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 0.5% فقط عام 2020، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية العام الماضى.
السبب الرئيسى فى نجاح السويد فى هذه التجربة بحسب التقرير يرجع لثقة المواطنين ورغبتهم فى هذا النظام، لدرجة شراء الصحف بالبطاقات الإلكترونية، ما جعل تداول الكاش يتم فى أضيق الحدود، ولكن لم يخف الخبراء مخاوفهم من عمليات الاحتيال والقرصنة فى نفس الوقت.
تجربة السويد كما أشرنا من قبل لم تكن وليدة اللحظة وإنما بدأت فى التحول لهذا النظام عام 1960 عندما أقنعت البنوك الموظفين والعاملين بها باستخدام التحويلات الإلكترونية لدفع الأجور، وزاد هذا التوجه فى عام 1990 – بحسب تقرير الجارديان.
وبمقارنة هذه الحالة بوضع مصر، نجد أن الحكومة بدأت تفعيل نظام البطاقات الإلكترونية فى صرف الرواتب والمعاشات لقطاع كبير من الموظفين، لكن ما زال هذا الأمر غير معمم بالكامل على كل مصروفات الأجور والمعاشات، ما يتطلب سرعة القيام بهذا الإجراء كإحدى آليات التحول إلى الاقتصاد غير النقدى.
ويستلزم الأمر أيضًا تشجيع المواطنين على التعامل مع البنوك من خلال تخفيض رسوم فتح الحسابات البنكية وتوسيع شبكة البنوك لتشمل القرى والمناطق النائية، يليها وضع قواعد وقوانين تحد من استخدام الكاش فى التعاملات المالية، وهو من شأنه جذب قطاع كبير من الاقتصاد غير الرسمى وضمه إلى الاقتصاد الرسمى.
ولا يخفى على أحد أن من أهم أسباب عدم نجاح السياسة التى يتبعها البنك المركزى لاستهداف معدلات التضخم من خلال زيادة أسعار الفائدة إلى 18% بعد التعويم، هو وجود سيولة كبيرة خارج القطاع المصرفى لا يمكن السيطرة عليها تتمثل فى الاقتصاد غير الرسمى والتعاملات الفردية، ولم تتمكن البنوك من جذب هذه السيولة إليها حتى الآن، وهو ما يتطلب سياسة واضحة يتبعها مجلس المدفوعات الجديد نحو تقليل هذه السيولة خارج الجهاز المصرفى، ويمكنه من السيطرة على التضخم الذى سجل أعلى معدلاته السنوية فى ديسمبر الماضى مسجلاً 24.3% مدفوعًا بارتفاع أسعار السلع عقب التعويم.