انتهى المؤتمر الدورى الثانى للشباب الذى انعقد فى مدينة أسوان، تنفيذا لتوصيات المؤتمر الوطنى الأول للشباب الذى انعقد فى مدينة شرم الشيخ، وأعلن فيه الرئيس أن هذا اللقاء الشبابى سوف يتكرر على رأس كل شهر وبشكل دورى، ليضحى الشباب فى قلب العملية السياسية والاقتصادية، وأن الإرادة فى تمكينهم أصبحت حقيقة لا مراء فيها.
وجاءت فعاليات المؤتمر وتوصياته لتؤكد أن الدولة عازمة على تبنيها نهج الحوار والشفافية ،وهو ما عبر عنه الرئيس عندما أكد فى كلمته الختامية "وطنكم العزيز مصر ينتظر منكم الكثير، والحلم مرهون بكم وبعزيمتكم على تحقيقه"، وقبل انطلاق عملية الاستعداد للمؤتمر الدورى الثالث للشباب فإننا ندون بعضا من ملاحظاتنا على ما دار فى المؤتمر الدورى الثانى على النحو التالى:
أولا: فى أنظمة سابقة كان الحديث عن الشباب والمرأة يمثل عملية تلميع لتلك الأنظمة، دون الدخول إلى جوهر مشاكل الشباب والمرأة، وأن الحديث عنهما يتم استدعاؤه فى مناسبات معينة وأحداث محددة، فظلت قضايا الشباب دون مواجهة ،وأزمات المرأة دون مناقشة ،وعندما أعلنت الدولة المصرية عن انعقاد المؤتمر الأول للشباب أكتوبر الماضى بشرم الشيخ تصور البعض أنها عودة لاستنساخ فلسفة الأنظمة السابقة للحديث عن الشباب لاستقطابهم دون تمكينهم، شكلا دون جوهر، وبعد نجاح فعاليات المؤتمر قال هؤلاء الذين يريدون للدولة أن تتعثر : إنه فقط دور الإعلام الذى يزين الأمور فى عيون الشعب لمصلحة السلطة، وبعد توصيات المؤتمر، قالوا:إنها مجرد وعود لن تتحقق، وبعد أن تحققت التوصيات وفى مقدمتها الإفراج عن الشباب المحبوسين الذين يتمتعون بكامل حرياتهم الآن، قالوا: إنها عملية تبييض لوجه النظام وليست إرادة ومنهاج حكم، وعندما جاءت توصية انعقاد المؤتمر الوطنى بشكل دورى، قالوا:إنها مجرد تظاهرة حكومية تصب فى مصلحة النظام وليست مصالح الشعب، وأنها لن تتكرر، وعندما انعقد المؤتمر الدورى الأول للشباب فى ديسمبر الماضى، قالوا: إنه لقاء وحيد لن يتكرر وأن انعقاده جاء حتى لا ينكشف النظام بسبب تصريحاته التى سبق وأكدها.. ليأتى نجاح انعقاد المؤتمر الدورى الثانى للشباب فى أسوان ليخرس تلك الألسنة، ويؤكد أن الدولة أصبحت لا تعد إلا بما تصدق فيه ،وبما تستطيع تحقيقه.
ثانيا: جاء اختيار أسوان لينطلق منها المؤتمر الدورى الثانى للشباب ليقطع بأن هناك رؤية جديدة فى إدارة الدولة، وهو الأمر الذى نشيد به ونشيد بمن اقترح أن تكون أسوان هى ملتقى الشباب بما يحمله ذلك من دلالات البحث عن مشاكلنا وأزماتنا ومواجهتها، والبحث عن حلول واقعية لها، وأن أسوان هى البوابة الجنوبية لمصر فى اتجاه أفريقيا وما يحمله هذا الاختيار من رؤية واضحة نحو الامتداد المصرى باتجاه أفريقيا، باعتبارها الكنز الاقتصادى الاستراتيجى الذى تسعى إليه كل دول العالم ،وهى الامتداد السياسى والثقافى نحو أفريقيا الذى صنعته مصر على مدار تاريخ طويل من المشاركة المصرية لأفريقيا فى معارك التحرر من الاستعمار الأجنبى، وأن الامتداد المصرى ناحية الجنوب يتمثل فى إيجاز دون إخلال، عودة مصر إلى أفريقيا وبناء جسور التواصل معها، لتأتى توصيات المؤتمر لتدشن ذلك التوجه فى تحويل أسوان إلى عاصمة للاقتصاد والثقافة الأفريقية.
ثالثا: جاء توقيت اختيار انعقاد المؤتمر بالغ الدلالة فى ظل الحديث عن ذكرى ثورة يناير ،والخلاف والاختلاف حول كونها ثورة تآمرية باعتبارها أغرب أنواع الثورات فى التاريخ ،لأن الثورات تبنى ولا تهدم ،فإذا بها تحاول هدم الدولة المصرية وتفريغها ،وفى خضم هذا الصراع الفكرى ،طالعنا الرئيس عبد الفتاح السيسي من أسوان فى جولة حرة دون حراسة وكأنه يبعث برسالة للجميع مؤداها أن مصر عازمة على البناء والعودة إلى ريادتها، والتأكيد على أن مصر آمنة ،وهى دعوة تساهم بلا شك فى عودة السياحة التى يتعطش إليها الاقتصاد المصرى، وأن ما آتاه الرئيس فى أسوان ليقطع يقينا بأن الحكومة فى واد آخر، وأنها تحاول أن تلاحق الرئيس فى سرعة حركته نحو المستقبل ،وهو الأمر الذى كشف عن تواضع وضعف قدرة الحكومة فى ملاحقة خطى الرئيس.
رابعا:عندما طالعنا أعمال المؤتمر وجدنا على رأسها الاهتمام بشباب الصعيد وتمكينهم وتنمية الصعيد ،وهى المرة الأولى منذ عشرات السنين أن يكون هناك توجها حقيقيا نحو صعيد مصر الذى ظل أبناؤه يشكون الإهمال ،وأن محافظات الوجه البحرى هى التى تحظى بكل اهتمام من أنظمة الحكم المركزية ،وكان الحديث عن الصعيد وتنميته يأتى من باب الوجاهة السياسية وفى أوقات الانتخابات البرلمانية ،لكن هذه المرة كان عزم الدولة أكيدا على المواجهة ،وهو ما أعلنت عنه توصيات المؤتمر من إنشاء الهيئة العليا لتنمية جنوب مصر، وإنهاء جميع المشروعات التنموية بها، وكذلك تحسين مستوى جودة الحياة بالصعيد ،وكذلك اتخاذ كل إجراءات الحماية الاجتماعية.
خامسا:كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن النوبة وأهلها ومشاكلهم ،واستغل دعاة تمزيق الوطن وتخريبه هذه القضية لإحداث الانقسام فى المجتمع، فجاء هذا المؤتمر ليقطع بأن أهل النوبة هم أبناء مصر لهم ذات الرعاية التى يلقاها كل شعب مصر،وأنه لا توجد على الخريطة السياسية والاجتماعية أزمة اسمها أزمة النوبة، وأن آثار النوبة هى جزء من التاريخ الوطنى المصرى، وهو ما تمخض عنه المؤتمر بتوصيات حاسمة بالعناية بآثار النوبة فى إطار الهيئة العليا لتنمية جنوب مصر برأسمال قدره 5 مليار جنيه، وإنهاء المشروعات التنموية بمنطقة نصر النوبة، ووادى كركر،وليكون شباب النوبة ضمن المشروع القومى لإنشاء مناطق صناعية متكاملة.
سادسا: جاءت كلمة الرئيس لتؤكد أن الدولة عازمة على محاربة الفساد والإرهاب بلا هوادة، وهو الأمر الذى يعنى أن الدولة المصرية تحمل فى إحدى يديها حلم البناء والتقدم ،وفى اليد الأخرى سلاح الحرب على الإرهاب الذى نعانى منه منذ نحو 4 سنوات، وأن قذائفنا نحو الفساد لن تتوقف حتى نتخلص منه للأبد ،وأن كليهما معوقا للتنمية وتمكين الشباب ،ولن نتوقف عن مكافحتنا لهما حتى تتحقق مصرنا الجديدة دون فساد أو إرهاب.