انسحب كرها.. وعاد طوعا.. إنه المغرب الذى استرد اليوم مقعده الأفريقى بعد غياب أكثر من ثلاثة عقود عن الاتحاد الأفريقى، حيث صوت أكثر من ثلثى أعضاء المنظمة الإقليمية لصالح عودة المغرب خلال اجتماعات القمة الأفريقية المنعقدة فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وهى العودة التى تعتبر نجاحا للدبلوماسية المغربية التى بذلت جهدا كبيرا على مدار العام الماضى لحشد الدعم والتأييد لها من قبل الجيران الأفارقة، لتُنهى خروج المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية – تسميتها أنذاك – فى العام 1984 التى جاءت احتجاجا على قبول عضوية جبهة البوليساريو فى المنظمة التى فى صراع مع المغرب على استقلال الإقليم، وهو الصراع المستمر حتى اليوم برغم اتفاق وقف النار بين الطرفين فى عام 1991، والتأكيد المغربى على أحقيته فى الصحراء الغربية.
وسبق الوصول إلى تلك اللحظة قيام العاهل المغربى الملك محمد السادس بجولات مكوكية للعواصم الأفريقية، من أجل تعزيز موقف المغرب فى العودة إلى الاتحاد، فقد قام بعدة زيارات إلى دول أبرزها نيجيريا وإثيوبيا وكينيا ومدغشقر وتنزانيا ورواندا، وهو ما قوبل بالترحيب الأفريقى.
وألقت الرباط بثقلها الاقتصادى، حيث عملت على تعزيز الاستثمارات المغربية بتلك العواصم التى زارها الملك وبشكل خاص فى منطقة غرب أفريقيا، فالمغرب من أهم الشركاء التجاريين لدول السنغال ومالى وغينيا والجابون وكوت ديفوار ونيجيريا، كما أنه يعد المستثمر الأول بغرب القارة، فوفقا للتقديرات الرسمية فإن الاستثمارات المغربية فى دول تلك المنطقة تبلغ نصف الاستثمارات الأجنبية.
وقالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية إن الحملة الدبلوماسية الضخمة التى قام بها المغرب أحدثت اختراقا ملحوظا فى محاور وتحالفات أساسية داخل الاتحاد الأفريقى، حيث تمكنت الرباط من كسب تأييد دول محورية مثل نيجيريا وإثيوبيا ورواندا، بالإضافة إلى حلفائه التقليديين مثل السنغال وكوت ديفوار والجابون.
وتسعى الرباط من عودتها إلى طى صفحة الماضى مع أفريقيا التى شابها خلافا وجفاء مع بعض أقطابها على خلفية قضية البوليساريو، ويبدو أن المغرب أدرك ما تمثله القارة السمراء من عمقا استراتيجيًا له، مما دفعه إلى تغيير استراتيجيته من خلال تعزيز التعاون والتنسيق المشترك.
وللمغرب هدفان من العودة للاتحاد الأفريقى، الأول التعاون اقتصاديا، ففى الوقت الذى تبرز فيه الرباط كقوة اقتصادية مؤثرة فى غرب ووسط أفريقيا، تتصاعد المؤشرات الإيجابية بشأن الوضع الاقتصادى المستقبلى للقارة السمراء، مما شجع المغرب على السعى الحثيث لتوسيع نفوذه الاقتصادى أفريقيا.
والهدف الثانى هو محاولة مواجهة البوليساريو وتحركاتها دبلوماسيا، حيث أدركت الرباط أن الهروب من المنظمة ليس حلا بل ترك مساحة للصحراء الغربية بالترويج الإيجابى لقضيتها، وبالتالى فالمغرب عمد مؤخرا إلى تطويق هذا التمدد للداعمين لتلك القضية، من خلال تواجده فى الاتحاد لضمان حشد المؤيدين من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأفريقى، وتحويل مسار القضية الصحراوية لصالحه إقليميًا ودوليًا.
فيما تبرز قضية الإرهاب الذى يتمدد فى القارة كتحد كبير أمام المغرب، مما يتطلب مزيدا من التنسيق بين المغرب ودول المنطقة تحت مظلة الاتحاد الأفريقى، لتكثيف الجهود من أجل القضاء على ظاهرة الإرهاب وتعزيز الأمن.
ويضع قرار عودة المغرب للاتحاد الأفريقى جبهة البوليساريو فى مأزق، حيث يتزامن مع تراجع عدد كبير من الدول الأفريقية الأعضاء بالاتحاد المعترفة بالجمهورية العربية الصحراوية، وكان آخر تلك الدول زامبيا، التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الجبهة ولم يعد هناك سوى 10 دول تعترف بها، فى حين قامت حوالى 28 دولة أفريقية بتقديم طلب لرئيس الاتحاد الأفريقى بشأن تعليق عضويتها لحين تسوية وضعها أمميًا.