"انتى طالق"، أو "كل واحد يروح لحاله"، عبارة سهلة يلقيها الرجل ولا يتوقف عندها كثيرًا، وقد يذهب بعدها للقاء أصدقائه أو الجلوس على المقهى، بينما تتسبب فى معاناة وهموم ومشكلات ومشاوير ومحامين ومحاكم للمرأة، أو لكثيرات منهن، خاصة من يتمردن منهن على الدور التقليدى للأنثى الخانعة المظلومة، ويتجرأن على الوقوف بوضوح وقوة مطالبات بحقوقهن أو حقوق أبنائهن.
رغم ما يُقال خلال الفترة الأخيرة عن صعوبة الحياة وحجم المعاناة التى يخوضها الشباب لتدبير نفقات الزواج، وتوفير الشقة والشبكة وتأسيس منزل الزوجية، إلا أن كل هذه الضغوط غير كافية للقضاء على الاستسهال، وداء الهروب من المسؤولية، أو هكذا يبدو لدى بعض الرجال، الذين ينحازون للهروب من معركة الحياة، أو يدمنون التسلط والقيم الذكورية فى علاقتهم بشريكة الحياة، بعيدًا عن قيم المودة والسكن والرحمة التى أمر بها الله، أو عن فكرة الشراكة وحجم ما تقتسمه المرأة من معاناة حقيقة مع زوجها، المحصلة أن كثيرًا من البيوت تفشل فى اختبار عبور المرحلة الحرجة لاجتماع شخصين مختلفى الطباع فى منزل واحد، وتحت سقف واحد، لتكوين أسرة وحياة جديدة مشتركة، فنجد أنفسنا أمام حالات فشل ومشكلات وإهانات وقضايا وخلافات وصراعات، قد تصل أحيانًا للسرقة أو القتل أو التجاوز الذى لا علاج له ولا شفاء لجروحه، ولكنها فى الغالب وفى الجانب الأكبر منها، تنتهى أمام القضاة ومنصات المحاكم، التى تستقبل مئات الآلاف من قضايا الطلاق والخلع، المرفوعة من زوجات لم تمر شهور على زواجهن، ومن أجواء محاكم الأسرة التقينا عددًا من الزوجات الشابات، واستمعنا إلى قصصهن وحكاياتهن ومعاناتهن الكبيرة فى شهور الزواج القليلة، وفى هذه السطور نستعرض هذه القصص المثيرة والمليئة بالأسى.
هاجر: تزوجت 3 أشهر وبعدها قال لى أنا مش عايزك خلاص
نبدأ جولتنا مع الحكايات المثيرة والمليئة بالأسى، من "هاجر. م"، التى بدأت قصتها مباشرة بالقول: "عندى 28 سنة، واتجوزت فى 2015 بعد إصرار أهلى بسبب السن من وجهة نظرهم، وبعد 3 شهور بس تعبت نفسيًّا، وبدأت أشعر وكأن زوجى عدو لى، لأنه كان دائم الانتقاد والتحقير لى، وكأنه مريض بمرض الإسقاط النفسى، فكل ما لديه من سلبيات وفشل يسقطه علىّ، ويغضب لأسباب تافهة جدًّا".
وأضافت "هاجر" مستكملة روايتها الحزينة: "كنت أشعر كأنه قنبلة موقوتة فى وجهى، يغضب لساعات طويلة، وأحيانًا لأيام، وإن حاولت مصالحته يتهمنى بالغباء والتخلف، ويكون بذىء اللسان معى، ويهددنى بالطلاق رغم عدم تقصيرى فى حقوقه، كان يعاملنى بجدية زائدة وكأننى لست زوجته، ويعلق على تصرفاتى ومشيتى وأكلى، وحتى مزاحى، وينتقص من قيمتى جدًّا، وإذا رددت عليه، يقول أنا جوزك، ومن حقى أقول لك أى حاجة، ودائمًا ما كان يحاسبنى على عمل البيت".
مع مرور الأيام بدأت المشكلات تتصاعد، والتوتر يأخذ أبعادًا أخرى وأكثر ضغطًا، هكذا تقول "هاجر"، وتستكمل حكايتها: "تخيلى إنه هددنى لو رفضت أروح معاه الشغل وأساعده فى سداد ديونه، مع إنه بيصرف ببذخ، لكن أزمتى الكبيرة كانت إنى ما عنديش أى مانع أساعده، لكن ما يكونش المقابل إهانتى، وصرف الفلوس على الفاضى والمليان فى خروج ولبس وسهر للصبح".
وتختتم "هاجر" حكايتها بالقول: "دايمًا كنت بفضّل السكوت، لكن بعد خناقة نزولى الشغل لمساعدته، بعد 3 شهور بس من جوازنا، قال لى مش عاجبك روحى عيشى عند أهلك، ومن وقت ما رحت عند أهلى سابنى شهرين من غير ولا سؤال، ولما كلمته قال لى أنا مش عايزك خلاص، وكل واحد يروح لحاله، واتنازلى عن حقوقك وأنا هطلقك، وبعد الرجوع لأهلى رفضت طبعًا، لأن هو اللى رمانى وعايز يطلقنى".
نورهان: اتجوزت وحيد أمه 9 شهور وطلقنى عشان مش بجيب له الشاى فى السرير
أما نورهان فتحكى مأساتها، قائلة: "أنا سنى 26 سنة، وزوجى السابق هو اللى طلب إننا نتطلق، بعد ما اتجوزنا جواز صالونات عن طريق أحد الأقارب، يعنى خاطبة على الطريقة الحديثة، وكان شرطه فى العروسة إنها تكون بنت جميلة، وأنا بيضا وعنيّا خضرا، اتخطبنا 3 شهور بس، هو دكتور وأنا مهندسة ميكانيكا باور فى التكييفات المركزية، وجاب لى شبكة ألماظ وعربية وشقة فى مصر الجديدة وعمل فرح محترم، وما شوفتش عليه أى حاجة فى أيام الخطوبة".
وتضيف "نورهان": "حماتى ساكنة فى الشقة اللى جنبى، من هنا بدأت المشاكل، خصوصا إن والده متوفى من 5 سنين، وهو ابنها الوحيد، فبتعامله كأنه كل حاجة عندها، وكانت بتغير منى وبتجيب له الأكل لحد السرير، وكل موقف يقول لى ماما ما كانتش بتعمل كده، ماما بتساعدنى أكتر، وكان دايمًا يزعق فيّا وفى أمه، وأنا كنت بتحمل وأقول هبقى دبلوماسية وأقول له إنت مش واخد واحدة من الشارع، أنا مهندسة، وانت دكتور ومتعلم، ولازم نحترم بعض عشان نقدر نكمل".
استمرت الحياة على النمط نفسه خلال الشهور التالية للزواج، هكذا تقول "نورهان"، وتستكمل حكايتها قائلة: "حصل حمل من أول شهر، وده كان مخليه متضايق وزعلان، وبيقول لى أنا لسه ما فرحتش بنفسى، ولا خرجت وواتفسحت، وليه أشيل المسؤولية بدرى، وبدأت الخناقات أكتر لما الحمل أظهر إن البيبى بنت، عشان هما صعايدة وكانوا عايزين ولد، وطول حملى كانت المشاكل مستمرة، وأنا فى الشهر الثامن بدأ يتدلّع عليّا أكتر فى الخدمة، ويخلينى أجيبل له الأكل على السرير، ويصحينى الساعة 7:30 الصبح كل يوم، ويقول لى اعملى لى الشاى ويكون بارد شوية بالنعناع عشان أقدر أشربه، وتصحينى أشربه قبل ما أنزل المستشفى الصبح، وبعد حوالى 8 شهور حصلت خناقة ملهاش لازمة، وغلط فيا، وكان سببها إنه مش عايز أمى وأختى ييجوا البيت من غير إذنه، ولما اتخانقنا قال لى انتى أقل من الشراب اللى فى رجلى، وسبت البيت وقولت هولد عند ماما، يمكن يهدى شوية، ويمكن وجود طفل وسطنا يغيره".
وتستكمل "نورهان" حكايتها، قائلة: "رغم كده أبويا قال لى نحاول آخر مرة، وقبل ولادتى بأسبوعين روحت له العيادة بتاعته أنا وأبويا وأخويا الكبير، كنا فى شهر رمضان اللى فات، ولما فتحنا الباب ودخلنا قام هو وقف وقال لنا اتفضلوا يا جماعة، أنا ما قولتش لحد ييجى، وطفى نور العيادة، أبويا قال له انت بتطردنا؟ قال آه، وقال للسكرتيرة اطفى النور وروحى، أنا خلصت، وسابنا ومشى".
وتتابع "نورهان" الحكاية: "عشان نعرفه إن إحنا شاريينه لآخر وقت، خالتى بعد الموقف ده كلمت والدته، إنه اتكلم بشكل غير لطيف مع أبويا وأخويا، فردت عليها: ما دام هى راحت لأبوها خليه هو يتكفل بيها وبولادتها، وولدت عند بابا، وبنتى عندها دلوقتى 6 شهور، ولحد وقتنا هذا أبويا اللى متكفل بكل حاجة، وهو ما بيسألش عليها، وغلّبنى فى تسجيلها، وبعتوا لى شهادة ميلادها مع البواب، وجابوا لى شنطة هدومى وغيروا كالون الشقة بتاعتى، وبلغنى إنه هيتجوز تانى، ومش عايز حاجة تانى منى، وعايزنى أرجع الشبكة الألماظ، والعربية طبعًا اللى ما كانش كاتبها باسمى".
وتختتم المهندسة نورهان حكايتها الطويلة، والحشرجة تسيطر على صوتها، والدموع تلمع فى عينيها: "أنا اللى خسرت كل حاجة وبقى معايا طفلة، وهو زى ما هو، هيتجوز اثنين وثلاثة، وأنا اللى عندى 26 سنة، وشى عجّز من الحزن، ولما غلبت لجأت لمحكمة الأسرة، ورفعت دعاوى مصاريف ولادة ونفقة ليا ولبنتى، وعملت محضر تمكين، وبكده أبقى عشت معاه 9 شهور كاملين، وعند أبويا من وقتها لحد دلوقتى، يعنى من 7 شهور، وأزمتى إنى اتجوزت راجل مش حاسس بمسؤولية، ومتعب، ومتدلع ووحيد أمه".
هدى: تزوجت 10 شهور وكان دائم الإهانة لى رغم مساندتى له
تلتقط "هدى. ع" الخيط من نورهان، لتروى حكايتها التى لا تختلف كثيرًا فى مآلها، وإن اختلفت التفاصيل، إذ تقول: "اتجوزت فى 2014 من زميلى فى الشغل، كان عندى 25 سنة، ورغم فروق المستوى الاجتماعى، بس حبى ليه كان كافى لتجاوزها، وبعد 6 شهور رمى عليا يمين الطلاق فى خناقة من خناقاتنا، اللى أكترها كان سبّ ليّا بالأهل وبالألفاظ الخارجة، وده كان مسبب لى أزمة طبعًا، لاختلاف الوسط الاجتماعى والثقافى، وللأسف اكتشفت أخلاقه بعد الجواز، وما كنتش متخيلة إنه هيبقى وحش وصعب كده".
وتضيف "هدى" مستكملة حكايتها: "حملت من أول شهر، وكنت متخيلة إن أخلاقه هتتغير بعد الولادة والأبوة، لكن حصل العكس، وبعد ولادتى بـ15 يوم رمى عليا يمين الطلاق لتانى مرة، وقبل ما تنتهى العدة بـ10 أيام قال لى، أنا رديتك وإنتى لسه على ذمتى، وأهلى قالوا لى خلاص ارجعى معاه عشان ابنك، يمكن يتغير".
وتتابع هدى الحكاية وما آلت إليه، قائلة: "مع أول خناقة بعد ما ردّنى، قال لى هخليكى تيجى تبوسى جزمتى عشان أطلقك، وانتى اللى خلتينى أتجوزك، وابقى افرحى ببابى ومامى، وبسبب كلامه ده لجأت لمحامى ورفعت قضية خلع، ولسه ما اتحكمش فيها".
وتواصل "هدى" حديثها، وعيناها ممتلئتان بالدموع على ما جرى لها فى تجربتها للزواج فى سنها الصغيرة، متابعة: "فى أوقات كان بيبقى الولد تعبان، فأقول لطليقى إنى مش هقدر أنزله عشان تشوفه، فكان بيحسب إنى بمنعه يشوفه، لدرجة إنه حاول يخطفه، وعملت محضر رسمى، واتحفظ إدارى، لأن اللى حاول يخطفه أبوه، بس للأسف الولد حصلت له أزمة نفسية، وحاليًا بعالجه عند طبيب نفسى".
منال: تزوجت 5 شهور واكتشفت أن طليقى مدمن ويمارس الشذوذ مع أصدقائه
حكاية أخرى لا تقل غرابة، ترويها "منال. م"، عن قصة زواجها التى استمرت 5 شهور فقط، وانتهت بشكل مأساوى جعلها تكره فكرة الزواج مرة أخرى، على حدّ قولها.
تبدأ "منال" حكايتها من مفصلها الدرامى، بعد أن ساقها حظها العاثر للوقوع فى قبضة رجل لديه اضطراب فى السلوك، ويمارس الشذوذ مع أصدقائه، ويتعاطى المواد المخدرة، متابعة: "قابلته عن طريق أحد المعارف، وبعدها تمت الخطبة التى استمرت 3 شهور فقط، وكنا خلالها مشغولين فى التحضير للزواج، و خلال شهر العسل لم يظهر عليه أنه شاذ، ولم تظهر أعراض الإدمان، وكانت المشكلة الوحيدة التى يعانى منها هى نوعية أصدقائه المثيرين للشك، وقضائه معظم الوقت معهم، وتصرفهم بطريقة غير طبيعية معًا، ما جعلنى أشك فيه".
وتضيف "منال" مستكملة حكايتها: "بعد فترة أصبحت لا أراه إلا صدفة، وكان دائم النفور منى، ويعاملنى كأنه مجبر على الزواج، ويقضى معظم وقته خارج المنزل، وخلال تلك الفترة بدأت أكتشف تعاطيه المخدرات، ثم فى الفترة الأخيرة بدأت المشاكل تتزايد، وبدأ سلوكه يتضح لى، فاكتشفت أنى وقعت فى مصيبة، وهى اضطراب زوجى السلوكى وممارسته أفعالا شاذة مع أصدقائه، ووقتها لم أستطع استيعاب الموقف، وقررت الهرب من تلك الحياة وتركه نهائيًّا، لكنه رفض ذلك وقرر معاقبتى على كشف سرّه، بعدم تطليقى، فلجأت لمحكمة الأسرة للتخلص منه برفع دعوى طلاق للضرر".
أستاذ علم اجتماع: الحوار يظل عصب الحياة الزوجية والوسيلة الأفضل للنجاح
من الحكايات ودراما الحياة بكل ما تحمله من غرابة ومفاجآت، إلى العلم وتحليل المشكلة والنظر إليها بعمق، يقول الدكتور أحمد صبرى، أستاذ علم النفس والاجتماع، إن الحوار يظل عصب الحياة الزوجية، وإنه الوسيلة الأفضل لنجاح الزواج وبناء أسرة سعيدة ومتوازنة، مؤكّدًا أن الحوار يجب أن يشمل المسائل اليومية لكل الأفراد، و الملاحظات والعتاب واللوم، إضافة إلى الثناء على الآخر والتعبير عن المشاعر بين الزوجين، مهما كانت ودون مغالطات، وذلك لضمان التواصل وإصلاح الأخطاء فى التعامل والسلوك، وتثمين العادات السليمة والقرارات الصحيحة التى يتخذها الزوج أو الزوجة.
وأضاف "صبرى" فى تصريح خاص لـ"انفراد"، أنه من خلال البحث فى انعكاسات الصمت على الحياة الزوجية، يُلاحظ أولاً أنه يرتقى إلى درجة الظاهرة المتفشية فى مجتمعنا، فقد غرقت فيه كثير من الأسر، وثانيًا فإنه يُعدّ من أهم أسباب الطلاق، وفى تصريحات الأزواج تؤكد الغالبية أن الصمت ليس خيارًا تلقائيًّا، وإنما اضطرار، لأنهم عجزوا عن بلوغ التوافق مع الطرف الآخر بالحوار، وتجاربهم الفاشلة والمتكررة فى التحاور جعلتهم يلجؤون للصمت، ثم طلب الطلاق.
ويؤكد أستاذ علم النفس والاجتماع فى تصريحه، أن الزوجين الصامتين بعد احتدام الخلافات بينهما، يعيشان فى حياة تحمل نُذر الانفجار داخلها، وأجواء تشبه السرطان الذى ينتشر فى جسد الإنسان ويقتله تدريجيًّا، فالصمت يفعل الشىء نفسه داخل الأسرة، ويظل يقتل مشاعر الشخص تجاه شريكه تدريجيًّا، حتى يقوده إلى حالة من الملل واليأس، تجعله يفضل القطيعة النهائية بالطلاق وإنهاء الحياة المشتركة.