كانت الشمس فى طريقها إلى الغروب، وقت أن جلس عدد من أبطال «البحرية المصرية» فى خيمة كبيرة تم نصبها بمكان ما على مشارف خليج السويس يوم 5 فبراير «مثل هذا اليوم» عام 1970.
فرد الأبطال خريطة كبيرة ذات مقاس رسم كبير لقمة خليج العقبة، وتفصيلات ميناء إيلات الإسرائيلى ومداخله، وبدأ قائد المجموعة شرحه على الخريطة، كاشفًا طبيعة العملية التى جاءوا من أجلها، وهى تدمير السفينة الإسرائيلية «بيت شيفع» الراسية فى ميناء إيلات، والسفينة «بيت يم» وأى وحدات عسكرية تكون موجودة فى الميناء، ووفقًا لكتاب «البحرية المصرية من محمد على إلىالسادات 1800 - 1973»، تأليف عبده مباشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، فإن قائد العملية التى نفذتها مجموعتان أعطى التعليمات الأخيرة للرجال أثناء اجتماعهم فى الخيمة، وشرح دور كل منهم بالتفصيل، وتأكد قائدا المجموعتين من أن كل فرد استظهر دوره، وبانتهاء الأسئلة والأجوبة بدأ الجميع التحرك فى اتجاه تنفيذ العملية التى تعد الثانية فى مجموع «عمليات إيلات الثلاث» فى أقل من عام «من نوفمبر 1969 إلى مايو 1970»، مما أجبر إسرائيل على تشديد دفاعاتها على الموانئ الأخرى، مثل حيفا وأشدود، ضد الضفادع البشرية المصرية، حسب كتاب «حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل 1967 - 1970»، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة.
بدأ التفكير فى العملية الثانية لحظة تلقى اللواء محمود فهمى، قائد القوات البحرية، مظروفًا من سكرتيره العسكرى يحتوى على معلومات عاجلة من إدارة المخابرات الحربية بوقوع انفجار فى الباب الأمامى لسفينة الإنزال الإسرائيلية «بيت شيفع» فى ميناء إيلات أثناء تفريغها معدات وألغامًا استخدمتها إسرائيل فى غارتها على جزيرة شدوان التى فشلت فيها أيضًا، وطبقًا لرواية «فهمى» إلى «مباشر» فإنه أيقن أن «بيت شيفع» المنكوبة ستبقى على الأقل أسبوعًا فى مكانها لإصلاحها، فطلب من الرائد بحرى مصطفى طاهر، بلواء الوحدات الخاصة، التخطيط لعملية إغارة جديدة على الميناء بهدف ضرب وتدمير «بيت شيفع» و«بيت يم» وأى وحدات عسكرية أخرى موجودة فىالميناء.
تشكلت مجموعتان من الضفادع البشرية، واحدة فيها الملازم أول بحرى عمر البتانونى، والعريف بحرى على أبوريشة، ومهمتها تدمير «بيت شيفع»، والثانية فيها الملازم أول بحرى رامى عبدالعزيز، والرقيب فتحى محمد أحمد، وهدفها «بيت يم»، وطبقًا لما كشفه «البتانونى» فيما بعد، فإن المجموعتين تحركتا من الإسكندرية بمعداتهما إلىالعراق وهبطتا فى مطار «h3»، واستقبلهم أعضاء من منظمة فتح الفلسطينية، وسافروا برًا إلى عمان، وباتوا فيها ليلة واحدة قاموا خلالها بتجهيز الألغام «لغم لكل فرد» والمعدات.
يضيف «البتانونى»: «انتقلنا إلى ميناء العقبة حيث استقبلنا ضابط أردنى برتبة رائد، تطوع للعمل معنا بغير علم سلطات بلاده، لأن المنطقة كلها كانت مغلقة عسكريًا، فكان من الضرورى أن تحصل على معاونة أحد من أفراد القوات المسلحة».
كان اليوم ممطرًا والجو عاصفًا، مما يسّر للمجموعتين المرور من نقاط التفتيش الموجودة على طريق عمان - العقبة، وحسب «مباشر»: «كانت الأمطار المنهمرة من السماء تجعل الجنود بمناطق التفتيش يحتمون داخل الأكشاك الخاصة بهم، ويشيرون للسيارتين أن تتقدما بدون تفتيش، وفى تمام الساعة الثامنة وأربعين دقيقة نزل الأفراد إلى الماء، وقاموا ببعض التمرينات الخاصة قبل الانطلاق إلى الأهداف، ثم بدأ التحرك فى اتجاه ميناء إيلات الذى كان يبعد عن ذلك المكان مسافة أربعة كم، وكان الظلام حالكًا والهدوء مثيرًا للأعصاب إلا من ضربات أيديهم فىالماء، والتى كانت تؤنس وحشتهم فى ذلك المكان».
فى منتصف الطريق تقريبًا فاجأ الرقيب فتحى محمد أحمد بإبلاغ قائد مجموعته الملازم أول رامى عبدالعزيز بفقد الوجه الزجاجى الخاص به، مما يمنعه من الغطس بكفاءة، فعاد إلى نقطة الانطلاق والانتظار، لينفذ الملازم أول رامى مهمة المجموعة الثانية بمفرده.
وصلت المجموعتان إلى مسافة حوالى مائة متر من الأهداف، حيث تم تمييزها والوقوف علىحقيقتها، والتعرف عليها، وفىالساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل وصل رامى عبدالعزيز تحت السفينة «بيت يم» ووضع اللغم فى مصافى الماكينات الرئيسية، وأخذ طريقه إلى خارج الميناء فىالساعة الثانية عشرة وخمس دقائق، ووصل «البتانونى» والعريف «أبوريشة» إلى أسفل السفينة «بيت شفيع» وثبتا ألغامهما فىالسفينة، واتخذا طريقهما إلى خارج الميناء للعودة إلى نقطة انطلاقهما.
وتواصل الحدث فى اليوم التالى..