اشتهرت مصر على مر العصور بريادتها فى مجالات الفن المختلفة، ومنها فنون الرقص الشرقى، والتى تربعت على عرشه العديد من الراقصات المتميزات، واللائى حققن شهرة كبيرة داخل مصر وخارجها وأصبح اسمهن يدوى فى المحافل الدولية.
وقد تربعت على عرش الرقص الشرقى فى مصر، إحدى الراقصات التى حققت شهرة كبيرة ومجدًا لم تستطع أى راقصة الوصول إليه من قبل، وهى الراقصة "شفيقة القبطية"، حيث كانت تتمتع بقدر لا بأس به من الجمال والرقة مع تمكنها من إجادة فنون الرقص الشرقى التى تبهر الحاضرين.
ولدت شفيقة القبطية عام 1851 فى شبرا محافظة القاهرة، وكانت دائمة التردد على الكنيسة لأداء الصلوات، حيث كانت أسرة شفيقة من الأسر المسيحية الملتزمة والمتدينة، وكانت تلتزم بتأدية الصلاة فى الكنيسة، إلى أن قابلت الراقصة "شوق" وهى إحدى الراقصات اللاتى كانت لهن شهرة كبيرة فى مصر، حيث كانت تحيى حفل زفاف أحد أبناء أكبر الأسر القبطية، وكانت تتخلل فقرات الرقص بعض فترات الاستراحة، والتى قامت خلالها شفيقة بأداء بعض الرقصات وشاهدتها الراقصة شوق، وعرضت عليها تعليمها الرقص وهو ما قوبل بالاعتراض من أسرة شفيقة، حيث كان الرقص فى هذا الوقت من المهن سيئة السمعة.
تركت شفيقة أسرتها وذهبت إلى "شوق" من أجل أن تتعلم الرقص على يديها، وظلت أسرتها تبحث عنها على مدار 6 أشهر حتى جاءهم النبأ، بأنها ترقص فى أحد الموالد، هنا قاموا بإرسال قسيس لكى ينصحها للرجوع عما هى فيه، ولكنها رفضت وتبرأت منها أسرتها.
قامت شفيقة بافتتاح صالة لحسابها فى شارع عماد الدين، حتى تستطيع أن تجمع روادها من كبار الشخصيات والسياسيين والأجانب، وعلمت الكثير من الأسرار السياسية، واستطاعت شفيقة الحصول على مبالغ وثروات كبيرة، وفازت بالعديد من الجوائز، حتى شاركت فى معرض بالعاصمة الفرنسية وحصلت على جائزة كبرى فى فرنسا، وهو ما جعل إحدى الشركات الفرنسية الرائدة فى مجال تصنيع أدوات المكياج والزينة لوضع صور شفيقة القبطية على منتجاتها، حيث ظهرت زجاجات عطر وعلب مكياج تحمل صورتها، وحققت رواجا عالميا كبيرا، وكانت سببا فى شهرة شفيقة دوليا.
وقد حازت شفيقة القبطية على إعجاب الكثير من الرجال الذين أنفقوا أموالا طائلة من أجل الفوز بحبها، إلى أن وصل الأمر بأحد الأغنياء والذى كان دخله لا يقل عن 300 جنيه ذهبى فى اليوم أن يأمر بفتح زجاجات الشمبانيا للخيل التى تجر عربة شفيقة، وكانت تظهر فى ملابس محلاة بخيوط من الذهب، وحذاء مغطى كعبة بطبقة من الذهب، ومزين بقطع من الماس.
لم تكن شفيقة تعلم أن القدر قد خبأ لها نهاية غير متوقعة، فبقدر ما حققته من نجاحات وثروات طائلة بقدر ما خسرت كل ذلك، وابتعد عنها المعجبون، ونالت عقاب ما كانت تفعله بهم من إذلال، ورفضها لهم وارتباطها بهم بعد أن أنفقوا أموالا طائلة من أجل إرضائها، وباعت شفيقة كل ما تملك وصرفت أموالها على الشباب من أجل تقربهم، حتى اضطرت إلى الرقص فى "بوظة" باب الخلق من أجل الحصول على المال الذى يكاد يعينها على تخطى عقبات الحياة من مأكل وملبس، حتى انتهت أسطورة "شفيقة القبطية".
وقد طُويت صفحتها على يد 3 راقصات تمتعن بقدر كبير من الجمال وهن "معتوقة - زهرة العربية - نفوسة غرام"، حيث حققن شهرة كبيرة واستطعن سحب بساط الشهرة من تحت أقدام "شفيقة"، ولكن لم يصلن إلى شهرتها ومجدها، حتى توفيت عام 1926 عن عمر ناهز الـ75 عامًا.