تترقب الأوساط الاقتصادية الأسبوع الحالى قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى فى أول اجتماع لها فى العام الجديد، للنظر فى أسعار الفائدة والمقرر الخميس المقبل، وسط مطالب بتثبيت الفائدة رغم ارتفاع معدل التضخم السنوى فى مصر إلى 29.6% فى يناير، مقابل 24.3% فى ديسبمر، بعد 3 أشهر من تعويم الجنيه المصرى.
وأعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، يوم السبت الماضى، ارتفاع التضخم على أساس شهرى بمعدل 4.1% فى يناير بعد أن تراجع فى ديسمبر الماضى مسجلا 3.4%، مقارنة بـ 5% فى نوفمبر الذى شهد تحرير سعر الصرف، وأضاف الجهاز، فى بيانه، أن معدل الزيادة فى أسعار الطعام والمشروبات بلغ 38.6% على أساس سنوى و7% على أساس شهرى.
ورفع البنك المركزى أسعار الفائدة بمعدل 300 نقطة أساس(3%) بالتزامن مع تحرير سعر الصرف، كإجراء تحوطى لاحتواء الموجة التضخمية المتوقعة- نتيجة التعويم والإصلاحات الأخرى التى تضمنت رفع أسعار المحروقات وتطبيق ضريبة القيمة المضافة- وتعزيز جاذبية العملة المحلية أمام المدخرين والمستثمرين المحليين والأجانب.
وكانت تلك الإصلاحات بمثابة خطوات استباقية مكنت القاهرة من النجاح فى إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولى لإتاحة قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى لمدة 3 سنوات.
وحصلت مصر على أول دفعة بقيمة 2.75 مليار دولار من القرض، ومن المنتظر أن تتلقى دفعة ثانية قدرها 1.25 مليار دولار بعد إجراء مراجعة دورية تبدأ منتصف مارس المقبل.
ورغم جهود البنك المركزى لاحتواء التضخم، واصلت الزيادة فى الأسعار ارتفاعها ليصل التضخم السنوى إلى أعلى مستوياته فى يناير وسط توقعات باستمرار الاتجاه الصاعد حتى نهاية العام المالى الحالى (30 يونيو المقبل)، على أن يبدأ فى التراجع خلال النصف الثانى من 2017.
رئيس قسم البحوث ببنك "فاروس" للاستثمار ترجح تثبيت سعر الفائدة
ورجحت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث فى بنك "فاروس" للاستثمار، تثبيت أسعار الفائدة فى اجتماع لجنة السياسة النقدية الخميس المقبل، واستبعدت تمامًا أن يتم رفعها رغم تلك القفزة التضخمية.
وأوضحت السويفى فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، أن رفع أسعار الفائدة لن ينجح فى كبح جماح التضخم، لأن الزيادة المستمرة فى معدل التضخم ليست ناتجة عن ارتفاع الطلب وزيادة السيولة النقدية، وإنما نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج والمواد الخام المستوردة بعد تعويم الجنيه.
وأضافت رضوى السويفى : "فاتورة رفع الفائدة أكبر من فوائدها، لأنها تؤدى إلى زيادة عجز الموازنة نتيجة زيادة تكلفة الدين الحكومى، كما ترفع تكلفة الائتمان أمام القطاع الخاص الذى يعانى فعليًا من أسعار الفائدة المرتفعة".
وأبقى البنك المركزى فى اجتماع لجنة السياسات النقدية ديسمبر الماضى على أسعار الفائدة عند معدلاتها الحالية، إذ يبلغ العائد على الإيداع والإقراض لليلة واحدة 14.75% و15.75% على التوالى، و15.75% للعملية الرئيسية للبنك المركزى وسعر الائتمان والخصم عند 15.25%.
وأوضحت رئيس قسم البحوث فى "فاروس" أن كل زيادة لأسعار الفائدة بنسبة 1% تكلف الدولة 14 مليار جنيه إضافية فى بند خدمة الدين الذى يلتهم نحو ثلث المصروفات فى الموازنة العامة للدولة، مضيفة أن حوالى 10% من المصريين لديهم حسابات بنكية، ما يرجح أن زيادة الفائدة عن معدلاتها الحالية لن يجتذب المزيد من السيولة النقدية.
وفى محاولة لزيادة جاذبية الجنيه المصرى وتشجيع حائزى الدولار على التخلى عنه، طرحت البنوك الخاصة والعامة عقب تعويم الجنيه شهادات إدخار بفائدة 16% و20%، ونجحت فى جذب مدخرات تقدر بعشرات المليارات.
وأشارت رضوى السويفى إلى أن تعويم الجنيه ورفع الفائدة 3 % دفعة واحدة كان كافيًا لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب، وهو ما ظهر فى نجاح طرح السندات الدولارية فى الأسواق الدولية الشهر الماضى، ثم زيادة استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة المحلية التى تطرحها الحكومة، بنسبة 11.5 مليار جنيه (حوالى 630 مليون دولار)، لتصل إلى 1.15 مليار دولار فى يناير.
وعن الحلول المقترحة لاحتواء انفلات التضخم بعيدًا عن رفع أسعار الفائدة، قالت رضوى السويفى : "المسألة مسألة وقت حتى يتم امتصاص تلك الصدمة. ولابديل عن زيادة معدلات الإنتاج وتحقيق معدلات نمو اقتصادى، وهو ما يسهم فى خلق فرص عمل جديدة وزيادة الدخول، على أن يصاحب ذلك تغيير المواطنين للنمط الاستهلاكى للتكيف مع التغيرات المواكبة للإصلاح الاقتصادى".
وترى رضوى السويفى، أن جهود ضبط الأسعار وتشديد الرقابة على الأسواق لن تجدِ فى السيطرة على التضخم، لعدم وجود آليات للرقابة والسيطرة على التسعير، لافتة إلى أن محاولات لفرض تسعيرة جبرية تؤدى إلى نقص السلع فى الأسواق وخلق سوق موازية.
وتتوقع رئيس قسم البحوث فى "فاروس"، استمرار الضغوط السعرية خلال النصف الأول من 2017، على أن يتراجع متوسط معدل التضخم إلى 25% خلال النصف الثانى من العام المالى الحالى. ورهنت رضوى السويفى هذا التراجع باستقرار سعر صرف الدولار أمام الجنيه عند مستوى 16- 17 جنيهًا، وعدم زيادة أسعار الوقود مطلع يوليوم المقبل بموجب برنامج الإصلاح الاقتصادى المتفق عليه مع صندوق النقد الدولى الذى أعرب صراحه عن أمله فى تقليص أكبر لدعم الطاقة حتى يتم إلغائه تماما خلال 3 سنوات.
وبنبرة تحمل بصيصًا من الأمل، قالت رضوى السويفى إن معدل التضخم سيهبط إلى نحو 14% نهاية العام الحالى، مع تغير فترة الأساس التى يتم المقارنة بها.
رئيس قسم البحوث فى "بلتون" يتوقع التثبيت أو رفع الفائدة 100 نقطة
ومن جانبه، توقع هانى جنينة، رئيس قسم البحوث فى "بلتون" أن يتجه المركزى إلى تثبيت أسعار الفائدة أو رفعها 100 نقطة أساس، موضحًا أن استمرار الموجة التضخمية فى يناير الماضى يرجع إلى أن المصنعين رفعوا الأسعار تدريجيًا على عدة مرات.
وأضاف أن ارتفاع أسعار السلع العالمية مقارنة بنفس الفترة العام الماضى ساهم أيضًا فى ارتفاع التضخم، ضاربًا المثل بزيادة تكلفة خام اللبن البودرة من مستوى دون 2000 دولار للطن إلى 2200- 2600 دولار، كما شهد متوسط أسعار النفط عالميًا زيادة ملحوظة ليستقر قرب 55 دولارًا للبرميل، مقارنة بنحو 30 دولارًا مطلع العام الماضى.
وتوقع جنينة استمرار ارتفاع التضخم حتى يوليو المقبل، ولكن بوتيرة أكثر هدوء تصل إلى 2% إضافية، مرجحًا فى الوقت ذاته أن تظهر صدمة تضخمية جديدة مع تطبيق بنود الإصلاح الاقتصادى المتفق عليها مع صندوق النقد الدولى بداية العام المالى الجديد.
وتتفق توقعات رئيس بعثة صندوق النقد الدولى فى مصر، كريس جارفيس، مع الرأى السابق، إذ تنبأ فى مؤتمر صحفى الشهر الماضى، أن ينخفض مستوى التضخم بشكل كبير فى النصف الثانى من 2017، مؤكدًا أن برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى "يسير على ما يرام".
وكانت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" البريطانية لللأبحاث والدراسات الاقتصادية، توقعت استمرار ارتفاع التضخم فى مصر خلال الشهور المقبلة، نتيجة تعويم العملة وخفض الدعم، مرجحة أن يضطر البنك المركزى إلى رفع أسعار الفائدة بمعدل 1.5% خلال النصف الأول من 2017، فى محاولة لتخفيف الضغوط التضخمية.