شريف إسماعيل رئيس وزراء يخالف كل التوقعات.. وزير البترول القادم من الصفوف الخلفية يخلف إبراهيم محلب فى تكليف مفاجئ.. يشارك فى 6 وزارات ويعبر 3 مطبات فى 18 شهرا.. ويواجه المستقبل بالطبعة الثالثة من

هل يمكن أن تكون النتائج مغايرة للمقدمات؟ وأن يصل القطار لوجهة غير ما تشير بها الشواهد وعلامات الطريق؟ إن لم تصح الإجابة لديك على هذا السؤال بالإيجاب، فبالتأكيد لم تتابع رحلة المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس وزراء مصر، وعليك العودة بالذاكرة ثلاث سنوات ونصف السنة، ومراجعة التواريخ والمواقف والأحداث، لتتعرف أكثر على الرجل القادم من الصفوف الخلفية، الحاضر بقوة على خلاف التوقعات، الكاسر لكل نواميس السياسة وأبجدياتها، والقادر على الصمود فى وجه كل الأمواج العاتية، رغم أنه، نظريًّا على الأقل، لا مركب تحمله ولا دفة فى يده. شريف إسماعيل رجل يبدو عاديا تماما، يتحلى بسمت هادئ ووقور، ملامحه مريحة ومحايدة، لا تبدو عليها الانفعالات بسهولة، أو بالأحرى لا تبدو أصلاً، يجيد الاحتفاظ بثباته وسط الضغوط وتلاطم الأمواج، كانت هذه الصفات والميزات معروفة عنه خلال تدرجه العملى الناجح فى قطاع البترول، وظلت ملازمة له فى مقر وزارة البترول بمدينة نصر، ورحلت معه إلى مجلس الوزراء بأجوائه المزدحمة والخانقة والمختنقة باحتباس وسط القاهرة وتوتر منطقة قصر العينى ومحيط مجلس النواب، وفى كل أزمة أو مشكلة كان يُثار حديث عن فشل الحكومة، وعن وجوب الإطاحة بها، وعن ضرورة التخلص من شريف إسماعيل ورجاله كحل عملى لتجاوز الأزمة، بينما كان الرجل هادئا وصلبًا وثابتًا، وكأنه على يقين من بقائه، أو أن فى جعبته ما لا نعلمه، أو أن له رصيدًا كبيرًا لا يضع الشارع يده عليه، أو أن الأمر يتصل بالقدر أكثر من اتصاله بأى شىء آخر، وأن الرجل نجح فى كسر النواميس فعلاً. شريف إسماعيل.. رحلة مهنية هادئة وصعود وزارى مفاجئ دخل المهندس شريف إسماعيل ساحة العمل التنفيذى الوزارى فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى، الذى اضطلع بعبء تشكيل الوزارة فى يوليو 2013، عقب ثورة 30 يونيو وإنهاء فترة حكم جماعة الإخوان. جاء "إسماعيل" مدفوعًا بسيرة حسنة وحضور إيجابى وفاعل فى قطاع البترول، من وكيل للوزارة لشؤون وعمليات البترول والغاز بين 2000 و2005، عبورًا برئاسة مجلس إدارة شركة "إيجاس" بين 2005 و2007، ووصولاً إلى رئاسة مجلس إدارة شركة جنوب الوادى القابضة للبترول بين 2007 و2013، وهو آخر موقع شغله قبل اختياره لتولى حقيبة البترول والثروة المعدنية بالحكومة، فى صعود مفاجئ وغير متوقع ولا مطروح ضمن بورصة الترشيحات وقتها، ولكن نجح الرجل فى البقاء 26 شهرًا على كرسى وزارة البترول، وكانت رحلته الهادئة والمستقرة داخل القطاع، وجهوده فى تطوير الاكتشافات والحقول العاملة، وتعزيز المراكز المالية والسوقية لشركتى "إيجاس" و"جنوب الوادى" اللتين تولى إدارتهما، التزكية الأولى والأبرز لاسمه ضمن ترشيحات الوزارة، إلى جانب ما عُرف عنه من دماثة خلق وقدرة على العمل ضمن منظومة. الوزير القادم من الصفوف الخلفية.. رجل واحد و6 حكومات رغم المرحلة المتوترة التى دخل فيها شريف إسماعيل الوزارة، عقب الإطاحة بحكم جماعة دينية سلطوية واسعة الانتشار، فى ثورة شعبية عارمة، ودخول منعطف تاريخى من الصدام، والحرب على الإرهاب الذى شنّته الجماعة وحلفاؤها، وهى المرحلة التى أكلت وجوهًا ومسؤولين وتنفيذيين ووزراء كثيرين، نجح شريف إسماعيل فى الحفاظ على مكانه، بل وتنمية رصيده وترقية أسهمه فى بورصة العمل الحكومى، ليحوز الكرسى الحكومى الأول بعد سنتين وشهرين تقريبًا من دخوله الوزارة للمرة الأولى، وجها جديدا ووزيرا "تكنوقراط" بلا خلفية سياسية كبيرة. فى فبراير 2014، وبعد 7 شهور تقريبًا من تشكيل الحكومة، استقال الدكتور حازم الببلاوى، وكلف الرئيس المؤقت، المستشار عدلى منصور، المهندس إبراهيم محلب بتشكيل حكومة جديدة، وضمن التشكيل الجديد احتفظ شريف إسماعيل بموقعه كوزير للبترول، رغم ضياع فرص وحظوظ كثيرين، واحتراق أسماء ووجوه كان لها رصيد سياسى وتنفيذى أوسع، وفى يونيو 2014 استقال المهندس إبراهيم محلب، عقب انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أعاد تكليفه بتشكيل الحكومة، ليحتفظ "إسماعيل" بموقعه مرة أخرى، أو بدقة للمرة الثالثة، فى الوزارة التى أدت اليمين الدستورية فى 17 يونيو 2014. رغم جهود المهندس إبراهيم محلب، وقدرته على إدارة دولاب العمل التنفيذى بدرجة جيدة، فى مرحلة صعبة وملتبسة، قدم الرجل استقالته بشكل مفاجئ فى 12 سبتمبر 2015، واتجهت التفسيرات وقتها لأن سبب الإطاحة بالرجل الجاد الديناميكى دائم الحركة على الأرض، قضية رشوة وزير الزراعة السابق، الدكتور صلاح هلال، الذى أُجبر على الاستقالة قبل أن تلقى الأجهزة الرقابية القبض عليه فى وسط ميدان التحرير، وفى سابقة تاريخية وسياسية لم تشهدها مصر من قبل، ليستقيل "محلب" وحكومته بعد الواقعة بخمسة أيام فقط، وبينما كانت كل المؤشرات تتجه لإغلاق صفحة الحكومة بكل وجوهها ووزرائها، كانت المفاجأة، لم يحتفظ شريف إسماعيل بموقعه للمرة الرابعة، الأمر كان أكبر، حصل الرجل على فرصة ذهبية للصعود، كانت فرصة مفاجئة أيضًا، بتكليفه بتشكيل الحكومة، لتكون المرة الأولى له فى رئاسة مجلس الوزراء، والرابعة داخل حكومة مصر. بدأ شريف إسماعيل مشاوراته سريعًا، لتؤدى حكومته اليمين الدستورية فى 19 سبتمبر 2015، بعد سبعة أيام فقط من استقالة رئيسه السابق، وتسير مركبه بشكل هادئ وثابت، يشبه ملامح الرجل وحركته وأداءه، ذلك الثبات الذى يتحدى العواصف والأعاصير ويعبرها دون كسر أو خسارة، فقط أدخل تعديلا جزئيا على التشكيل الحكومى عقب انعقاد مجلس النواب الأول بعد ثورة 30 يونيو، وقبل التقدم للمجلس لنيل الثقة فى مارس 2016، وشمل التعديل الأول لحكومة شريف إسماعيل، ويوازى الحكومة الثانية برئاسته والخامسة فى رحلة وجوده داخل مجلس الوزراء، تغيير 9 حقائب، واستحداث وزارة جديدة لقطاع الأعمال العام تولاها الدكتور أشرف الشرقاوى. عقب التعديل الأول عادت الأمور للهدوء مرة أخرى، وظلت على حالتها المستقرة رغم تبدلات الأحوال وانفتاح أكثر من جبهة حرب وهجوم، ما بين بلبلة وغضب شعبى من أداء بعض الوزراء، أو مشكلات وأزمات تتصل بالأوضاع الاقتصادية واحتياجات المواطنين، ظل الثبات والاستقرار مخيمين على الحكومة، إلى حد المرور بواقعة فساد كبيرة كالتى أنهت عُمر وزارة محلب الثانية، بإثبات مخالفات وتجاوزات كبيرة وبأرقام ضخمة، تجاوزت نصف المليار جنيه حسب تقارير رقابية وبرلمانية، فى عمليات استلام وتوريد وتخزين القمح فى الشون العامة والخاصة، ما اضطر وزير التموين والتجارة الداخلية السابق، الدكتور خالد حنفى، للاستقالة من الحكومة فى أغسطس 2016، على خلفية الواقعة والتقارير الرقابية وما وصلت إليه لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس النواب وأثبتت المخالفات بحق الوزارة والوزير، ولكن ظل شريف إسماعيل كما هو، ثابتًا لا يهتز، وقادرًا على عبور المطبات والمحن، فقط استبدل اللواء محمد على مصيلحى بخالد حنفى فى وزارة التموين، وعادت الأمور إلى هدوئها، ليستقر قطار شريف إسماعيل بعد أن تجاوز منحنيات القضبان، والمطبات الثلاثة، التعديل الوزارى الأول، وقضية فساد القمح ووزارة التموين، والتعديل الوزارى الثانى، الذى يتصادف موعد منحه ثقة البرلمان ودخوله حيز التنفيذ اليوم، وبالتزامن مع "عيد الحب"، وكأن هذه المصادفة ليست مجانية، فلعل علاقة حب بين الرجل وكرسى الوزير الأول، أو بين الرجل ونواميس السياسة التى تتكسر أمامه بسهولة ودون مقاومة، فقط عُد ثانية لتقييم المطبات الثلاثة الكبيرة لتتأكد، فهى مطبات كان يمكن لأى منها أن تحمل وجها جديدا لرئاسة وزراء مصر، ولكنها لم تفعل، ربما تقديرا لهدوء الرجل وثباته. حكومة الأزمات.. شريف إسماعيل يعبر مطبات السياسة والاقتصاد لا نبالغ إن قلنا إن حالة شريف إسماعيل حالة فريدة من نوعها، وتستوجب التوقف أمامها بالبحث والدراسة، فالرجل الذى لم يكن مرشحا للوزارة من الأساس فى 2013، انتزع مقعدا مهما كمقعد البترول، وبشهادة زملائه فى الوزارات الأخرى، خاصة الكهرباء، حول دوره فى توفير الوقود لمحطات التوليد وإنهاء أزمة انقطاع الكهرباء التى شهدتها مصر فى شهور 2013، دعم الرجل حضوره المؤثر والملفت ضمن تركيبة الوزارة، عبر تغييرا كاملا للحكومة من "الببلاوى" إلى "محلب"، عبر من الرئيس المؤقت عدلى منصور إلى الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى، عبر تعديلا شمل ثمانية وجوه فى حكومة محلب الثانية، ثم بالمفاجأة نفسها فاز بتكليف رئاسى لتشكيل الحكومة، وبينما سقط من رجاله وجه بارز فى وزارة مهمة وتتصل بحياة المواطنين اتصالا مباشرا، تجاوز الرجل الأزمة، التى أطاحت شبيهتها بسلفه، ويستعد الآن للمستقبل القريب بالطبعة الثالثة من الحكومة. أزمات شريف إسماعيل لم تتوقف فقط على تحولات الأوضاع العامة، أو ملف الحرب على الإرهاب، الذى فتحته جماعة الإخوان وحلفاؤها منذ أغسطس 2013 وما زال قائمًا ومتصاعدًا، ولا على تورط أحد وزرائه فى واقعة فساد، الرجل الهادئ نجح فى تمرير إجراءات وقرارات غير هادئة بالمرة، حتى وإن اتفقنا على أهميتها وضرورتها، وجدواها فى إطار خطة حقيقة للإصلاح الهيكلى للاقتصاد، إلا أنها مثلت ضغطًا مرحليًّا على الوضع الاقتصادى المتأزم، ليكون الرجل الهادئ صاحب السمت الوقور والشخصية الثابتة والملامح المحايدة، صاحب قرار تحرير سعر الصرف "تعويم الجنيه"، وتحريك أسعار الوقود والمحروقات، وتحريك أسعار بعض السلع والمواد التموينية، إضافة إلى منظومة من التشريعات مثل قانون الضريبة على القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية، وغيرهما، وكلها أمور أجمع المختصون على أهميتها، بينما توقع المراقبون أن تؤدى لتوترات سياسية، ولكن يبدو أن هدوء شريف إسماعيل وثباته ساهم فى تمريرها لدى المواطنين، أو أن بركات الرجل التى صاحبته منذ اختياره وزيرا فى يوليو 2013، كان لها دور فى نقل هذا الهدوء والقبول والإقرار من رئيس الحكومة إلى الشعب، وعبور مطبات الواقع الاجتماعى، والتغيرات السياسية. انتهاء لعبة "القط والفار".. الحكومة والبرلمان "سمن على عسل" أزمات شريف إسماعيل لم ترتبط بالأوضاع الاقتصادية وأحوال المواطنين ورؤاهم ووجهات نظرهم فى العمل التنفيذى فقط، أى بين المُنتِج التنفيذى ومستهلكه الأول والأهم، فى ثنائية الحكومة والشارع، أو الوزير والمواطن، تلك الثنائية الجدلية التى تختزل التركيبة السياسية لأى هيكل إدارى حاكم، وتغيب خلفها دوائر السلطة وصنع القرار الأخرى، حتى البرلمان نفسه، الذى يمثل وفق المنظومة الدستورية السيف الأبرز على رقبة الحكومة. عبر خمس سنوات مضت من عمر المنظومة الحكومية، كان شريف إسماعيل رئيس الوزراء الأول فى ظل وجود برلمان، بعد عمل الحكومات المتلاحقة دون مظلة، تشريعية ورقابية، منذ حل برلمان الإخوان بحكم دستورى، ومع توسيع دستور 2014 لصلاحيات مجلس النواب، توقع سياسيون وخبراء وقانونيون أن يمثل البرلمان عقبة حقيقة للحكومة، أى حكومة، على الأقل قياسًا على مستوى السلطة وهامش الحركة والقدرة على المناورة، وما تمتعت به الحكومات السابقة على دستور مصر الأخير، ولكن الرجل الهادئ نجح فى انتزاع قبول البرلمان وثقته فى حكومته بسهولة، وعرض بيانه على المجلس بثباته المعهود، ولم يُواجه بمناقشات حادة أو أسئلة صعبة أو صدامات عنيفة من النواب، على اختلاف توجهاتهم وانحيازاتهم وشعاراتهم ولافتاتهم السياسية، بل نجح فى تمرير مشروع الموازنة دون خلافات كبيرة، وبأرقام ومخصصات فى بعض الأبواب لا تتفق مع المفترض دستوريا، حسبما قال نواب وخبراء ماليون تعليقًا على مشروع موازنة 2016/ 2017. منذ انعقاد مجلس النواب فى العاشر من يناير 2016 وحتى الآن، أكثر من ثلاثة عشر شهرا عبرها شريف إسماعيل وحكومته، شهدت شدًّا وجذبًا وتوترا بين الحكومة والنواب أحيانا، كانت أبرز حلقاته قضية فساد القمح وتقرير لجنة تقصى الحقائق البرلمانية والمطالبة بالإطاحة بالوزير خالد حنفى، ولكنها شهدت محطات ومراحل أخرى ساخنة، وهجوما من النواب على الحكومة ووزرائها، فى مواقف عديدة وتحت لافتات وعناوين مختلفة، تتصل بالعمل التنفيذى وخطط الحكومة وتفاصيل الموازنة ومخصصات الوزارات الخدمية ومستويات الأسعار وقرار تحرير سعر الصرف وتحريك أسعار الوقود والمحروقات وبعض السلع التموينية وبعض مشروعات القوانين، عشرات النقاط الخلافية التى ثار فيها النواب وهاجوا وارتفعت أصواتهم بالنقد والهجوم، عشرات المحطات والمنعطفات التى مثّلت قلقًا كبيرًا وخطرًا حقيقيًّا على الحكومة، ولكن ظل شريف إسماعيل على ثباته وهدوئه وسمته الوقور وملامحه المحايدة، عبر أمواج الشارع والبرلمان، حقق نجاحات فى ملفات وإخفاقات فى أخرى، وبينما يقف اليوم منتظرًا إقرار البرلمان لتعديله الثانى على الحكومة، أو لحكومته الثالثة، لا يمكن وصف الرجل الوقور الصاعد للحكومة بشكل مفاجئ، والمُشكّل لها بشكل مفاجئ، والباقى فيها طوال 6 تغييرات ومع رئيسى حكومة سابقين ورئيسى جمهورية، مؤقت ومنتخب، إلا بأنه فعلا، ووفق كل التفاصيل والمؤشرات والحوادث والسياقات والتحولات، رئيس الوزراء "الكاسر لنواميس السياسة".



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;