عقب مقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إلقاء جثته فى البحر، خوفًا من تحول قبره إلى مزار وقبلة لأنصار التيارات الإسلامية المتطرفة وجماعات العنف فى مختلف أنحاء العالم، والآن تتجدد المخاوف نفسها عقب الإعلان عن وفاة عمر عبد الرحمن، زعيم الجماعة الإسلامية، داخل السجون الأمريكية.
تزامنت هذه المخاوف مع حالة الجدل المثارة خلال الساعات الماضية، حول فكرة نقله إلى مصر، لدفنه فى مسقط رأسه فى الجمالية بمحافظة الدقهلية، وهو الأمر الذى دعم المخاوف حول احتمال تحول قبره إلى ضريح أو مقصد له رمزية لدى أنصار التيارات الإسلامية، لارتباط الشعب المصرى بالأضرحة، إذ تعد مصر من أكثر الدول التى تضم أضرحة ومزارات، بعضها لشخصيات مجهولة تاريخيًّا.
الجماعات المتطرفة ترفض فكرة المزارات والأضرحة.. ولكن بعض الإجنحة تمارسها
على المستوى العقدى، فإن الجماعات الإسلامية المتطرفة ترفض فكرة الأضرحة، بل وتحرم الصلاة فى المساجد التى تضم قبورًا أو أضرحة، لكن هذا لا يغير من حقيقة أن قبور رموز التيارات الإسلامية تتمتع برمزية خاصة لدى أنصار هذه التيارات، مثل قبر عمر التلمسانى المرشد الأسبق لجماعة الإخوان، الذى ظل حتى اليوم مقصدًا للزيارة من جانب عدد من رموز جيل الوسط داخل الجماعة، وكذلك فإن قبر حسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، فى مدافن الإمامين، يعد مزارًا لكثيرين من أعضاء الجماعة وقواعدها، لدرجة وضع علامات إرشادية فى الطريق له، وضعها أنصار الإخوان، كما أن جدران المقبرة نفسها مزينة بعبارات مقتطفة من مقالاته ورسائله.
مسؤول ملف الجماعة الإسلامية بالخارج سابقا: الشيخ عمر فقد بريقه ولا أعتقد أن يتحول قبره لمزار
فى هذا الإطار، يقول الدكتور جمال المنشاوى، المسؤول السابق لملف الجماعة الإسلامية فى الخارج: "لا أعتقد أن يكون قبر الشيخ عمر عبد الرحمن مزارًا أو قبلة للجماعات والتيارات التى تتبنى العنف، أو الجماعات الإسلامية بشكل عام، لأن الشيخ عمر فقد بريقه بين الجماعات الدينية، نظرًا لطول فترة وجوده داخل السجن".
ويضيف "المنشاوى" فى تصريح خاص لـ" انفراد": "بعدما انضم عمر عبد الرحمن للجماعة الإسلامية، اقتصر ارتباطه بالحركات الإسلامية على الجماعة، وأصبح جميع أتباعه داخلها فقط، إلا أنه كانت له قيمة كبيرة أيضًا بين الجماعات والتيارات المختلفة، ولكن كان هذا الأمر قديمًا"، مشيرًا إلى أن الجيل الحالى الذى يتبنى العمل المسلح لم يعاصر الشيخ عمر عبد الرحمن.
ويوضح الدكتور جمال المنشاوى فى تصريحه، أن الشيخ عمر عبد الرحمن فقد اتصاله بالعالم، واتصاله بالجماعات الإسلامية، خلال العقدين الأخيرين، نتيجة وجوده داخل السجن، الأمر الذى أدى إلى خفوت نجمه بحكم عدم التواصل، وليس هذا فحسب، بل ظهر شيوخ أمثال قيادات تنظيم داعش ليحلوا محله، متابعًا: "لو كان الشيخ عمر عبد الرحمن خارج السجن قبل مماته، بالتأكيد كان وضعه وحضوره بين الجماعات سيكون أكبر، وكان الجميع سيعرفونه، بدلا من الوضع الحالى".
قيادى سابق بالجماعة الإسلامية: دفنه فى مصر سيفوت على "القاعدة" فرصة المزايدة
فى السياق ذاته، يقول هشام النجار، القيادى السابق بالجماعة الإسلامية والمتخصص فى شؤون حركات التيار الإسلامى، إن فكرة تحول قبر عمر عبد الرحمن لمزار غير معقولة، متابعًا: "قد يكون الأمر مبالغًا فيه، لأن الوضع مختلف كثيرًا بالنسبة لسياق وحالة الشيخ عمر، فيما يتعلق به شخصيًّا، فهو جانب إنسانى بحت لشخص مات فى سجون أمريكا وهو مريض وضرير، وفى حبس انفرادى ظل فيه لمدة ربع القرن، ليغلب هنا الجانب الإنسانى على الاعتبارات الأخرى، خاصة بالنسبة لأسرته وأبنائه، إذا نظرنا للحقوق الإنسانية لأبنائه، ومنهم من لم ير أباه، وكبر وهو فى السجن الأمريكى، وهذا كله وبغض النظر عن أى خلاف سياسى أو فكرى هو شعور عناصر التيارات الدينية مع الشيخ عمر".
ويضيف "النجار" فى تصريحه: "من جهة أخرى، الأوضاع السياسية والأمنية مختلفة، لأنه من المفترض واقعيًّا أن الجماعة الإسلامية نبذت العنف وتخلت عن منهج الصدام والتنظيمات السرية، وتخالف تنظيم القاعدة حاليًا، باستثماء بعض قيادات الخارج، وهذا يدعم فكرة أن تتعاون الدولة مع الجماعة ومع أسرة الشيخ عمر لدفن جثمانه فى مصر، لأن المستفيد من حدوث عكس ذلك هو تنظيم القاعدة، الذى سيصطاد فى الماء العكر ويزايد على الجماعة الإسلامية ويستغل الوضع لتسخين الحالة الجهادية فى مصر لصالحه، وقد استبق أيمن الظواهرى الحدث وأرسل رسالة يهاجم فيها مبادرة نبذ العنف، ويثنى على قادة الجماعة ذوى الميول القاعدية، مثل رفاعى طه، ويدعو الجماعة الإسلامية لأن تحذو حذوه وأن تنبذ مبادرة نبذ العنف".
ويستطرد القيادى السابق بالجماعة الإسلامية والمتخصص فى شؤون الحركات، قائلاً: "المرئى لنا أن دفنه فى مصر لن يمثل أكثر من لفتة إنسانية، لكنها فى الوقت نفسه داعمة لتيار داخل الجماعة الإسلامية بالداخل، يميل للتهدئة مع الدولة، وما زال باقيًا على أساسيات المبادرة، خاصة أن الشيخ عمر قد أبدى موافقته عليها، وهنا تكمن فى رأيى أهمية التوافق مع قيادات الجماعة بالداخل، ومع أبناء الشيخ عمر، فيما يخص مسألة دفنه فى مصر، لأن تفويت الفرصة على تنظيم القاعدة وأيمن الظواهرى وصقور الجماعة بالخارج، أهم فى نظرى من توقعات البعض المبالغ فيها بأن يتحول قبره لمزار يقصده أتباعه ومريدوه".