أنعش قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى، الأسبوع الماضى، بإنشاء المجلس القومى للمدفوعات، الآمال فى محاصرة الفساد وضم الاقتصاد غير الرسمى الذى يتراوح حجمه، وفقاً للعديد من الدراسات، بين 30 إلى 60% من إجمالى الناتج المحلى، الأمر الذى من شأنه تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلى وزيادة إيرادات الدولة، ورفع التصنيف الائتمانى للبلاد.
وعلاوة على ذلك، يستهدف القرار الجمهورى الخاص بإنشاء المجلس القومى للمدفوعات - رقم 89 لسنة 2017 - عدة أهداف طموحة، فى مقدمتها خفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفى، ودعم وتحفيز استخدام الوسائل والقنوات اﻹلكترونية فى الدفع بديلاً عنه، والعمل على تحقيق الشمول المالى لدمج أكبر عدد من المواطنين فى النظام المصرفى، وضم القطاع غير الرسمى للقطاع الرسمى، وتخفيض تكلفة انتقال اﻷموال، وزيادة المتحصلات الضريبية، وحماية حقوق مستخدمى نظم وخدمات الدفع وتحقيق تنافسية سوق خدمات الدفع.
ورحب العديد من الخبراء بقرار إنشاء المجلس القومى للمدفوعات، باعتباره "ضربة قاصمة" موجهة للقضاء على الفساد، وخطوة طال انتظارها لتحقيق الشمول المالى ودمج الاقتصاد غير الرسمى.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولى والعديد من بيوت الخبرة إلى أن 90% من المصريين ليس لديهم حسابات مصرفية، ولا يتعاملون من البنوك.
وشدد عمرو حسنين، رئيس مجلس إدارة شركة الشرق الأوسط للتصنيف الائتمانى "ميرس"، على أهمية الحد من استخدام أوراق النقد، مؤكداً أن "اعتماد المجتمع على الكاش كان من أهم ملاحظات صندوق النقد الدولى، فيما يتجه العالم إلى الدفع الإلكترونى".
وأضاف "حسنين"، فى تصريحات لـ"انفراد"، لابد من حصر التعاملات النقدية، ففى الخارج هناك قواعد وإجراءات صارمة على التعاملات النقدية وحتى التحويلات للمبالغ الضئيلة التى لا تتعدى 10 آلاف دولار.
وأكد "حسنين" أن ضم الاقتصاد غير الرسمى، التى يتراوح حجمه بين 30 إلى 60% من حجم الاقتصاد الرسمى، سيؤدى إلى زيادة حجم الاقتصاد، وبالتالى تحسين تصنيف مصر الائتمانى، الذى وصفه بأنه "سىء جداً"، مشيراً إلى أن مكافحة الفساد ستسهم أيضاً فى تحسين التصنيف الائتمانى.
واتفق هانى توفيق، الخبير الاقتصادى ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقاً، مع الرأى السابق، معرباً عن أمله فى منع تداول النقود، بأكثر من مبلغ معين إلا من خلال البنوك، وسؤال حاملى النقود الكاش عن مصدرها، أسوة بكل دول العالم المحترمة.
وكتب توفيق، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، "إصدار قرار بإنشاء المجلس القومى للمدفوعات، برئاسة رئيس الجمهورية، قرار طال انتظاره، والخطوة الأولى للقضاء على الفساد فى اقتصاد يعتمد فى معظمه على تداول السيولة خارج النظام المصرفى"، موضحاً أن القرار سيشكل ضربة قاصمة للرشاوى من جهة، والتهرب الضريبى والاقتصاد الموازى من جهة أخرى.
ويرأس المجلس الجديد، التى يأتى قرار إنشائه تنفيذًا لقرارات أصدرها المجلس اﻷعلى للاستثمار فى اجتماعه اﻷول، فى نوفمبر الماضى، رئيس الجمهورية، ويضم 16 عضواً، هم رئيس الوزراء، ومحافظ البنك المركزى، ووزراء الدفاع والإنتاج الحربى، والتخطيط، والداخلية، والاتصالات، والعدل، والمالية، ورئيس جهاز المخابرات العامة، ورئيس هيئة الرقابة اﻹدارية، ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، ونائب محافظ البنك المركزى المختص بنظم الدفع، ووكيل المحافظ أو وكيل المحافظ المساعد للبنك المركزى المختص بنظم الدفع، ورئيس مجلس إدارة أحد البنوك، ومستشار قانونى، ومقرر للأعمال يحدده المجلس دون أن يكون له صوت معدود.
ورحب أيضاً الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى وأستاذ التمويل والاستثمار، بقرار إنشاء المجلس القومى للمدفوعات، مؤكداً أنه يؤكد التزام الدولة المصرية بمكافحة غسيل الأموال، بالإضافة إلى تسهيل المعاملات داخل النظام المصرفى ومنع تضخم الاقتصاد غير الرسمى.
وطالب "نافع"، فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، بضرورة وضع حد أقصى لتداول الكاش والتعامل خارج النظام المصرفى، مؤكداً أن "تفضيل النقود أصبح غير مقبول إطلاقاً على مستوى العالم، فهو أسهل وسيلة لغسيل الأموال".
وأضاف "نافع" أنه إلى جانب تعزيز الشمول المالى، فإن قرارات المجلس القومى للمدفوعات من شأنها ضخ سيولة نقدية جديدة فى شرايين القطاع المصرفى، وزيادة حجم الودائع التى بدأت تتناقص بسبب إقدام بعض المودعين على السحب من مدخراتهم، فى ظل موجة الغلاء الحالية وتراجع القوة الشرائية للجنيه.
وبغرض مكافحة الفساد والتهرب الضريبى، اقترح "تغيير شكل العملة لحرمان الفاسدين والمتهربين وتجار ووسطاء الرشاوى من الاستفادة من أموالهم الحرام"، لأنه سيتعين عليهم أن يتقدموا للبنوك لتغيير عملتهم بالعملة الجديدة وإثبات مصدرها أو دفع ضرائبهم، مشيراً إلى أن دولاً كثيرة نفذت هذا الإجراء مؤخراً، منها الهند التى جمعت أكثر من ٤٠ مليار دولار فى شهر واحد.
وتباينت آراء الخبراء فى هذا المقترح، ففى الوقت الذى اعتبره رئيس مجلس إدارة "ميرس" قابلاً للتنفيذ وبسهولة للحد من الفساد والرشاوى، يرى "نافع" أن تلك التجربة فشلت فى الهند، التى تمتلك أكبر عدد من ماكينات الصرف الآلى، ومن الصعب نجاحها فى مصر لأنها تتطلب بنية أساسية وتكنولوجية غير موجودة حالياً.
أما رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث فى بنك "فاروس" للاستثمار، فأكدت أنه من الصعب حالياً تغيير العملة المحلية، ولكنه مقترح جدير بالدراسة بعد تحقيق الاستقرار الاقتصادى والمالى وانحسار موجة الغلاء.
واعتبرت "السويفى" قرار إنشاء المجلس القومى للمدفوعات "محاولة جيدة" لتعزيز الشمول المالى وعدم اختراق الخدمات المصرفية، وضم الاقتصاد الموازى، وبالتالى زيادة موارد الدولة من الحصيلة الضريبية، ومكافحة الفساد، من خلال منع التعامل مع الكاش دون بيانات واضحة حول مصدره.
وحول التحديات أمام تحقيق أهداف المجلس، أكدت "السويفى" أن أبرزها يتمثل فى أن حوالى 90% من المصريين ليس لديهم حسابات بنكية، وأن الغالبية العظمى منهم ليس لديهم رغبة فى التعامل مع القطاع المصرفى لتفادى دفع الضرائب، وهو ما يتطلب تسهيل وتبسيط الإجراءات لجذب تلك الشرائح.
وأضافت رئيس قسم البحوث فى بنك "فاروس" للاستثمار، أنه يجب على أعضاء المجلس وضع خطط لزيادة الوعى بأهمية التحول إلى المعاملات الإلكترونية بدلاً من النقدية، وتعزيز ثقافة استخدام الكروت الذكية بأنواعها، ودعم البنية الأساسية والتكنولوجية بما يسمح بتعزيز معاملات الدفع وتحويل الأموال عبر أجهزة المحمول، وتوفير أجهزة الدفع الإلكترونى فى كافة نقاط البيع واستغلال انتشار فروع البريد المصرى فى كافة أنحاء الجمهورية وتوفير منتجات تتيح للعملاء الدفع بالكروت الذكية بالتعاون مع البنوك.
أما ريهام الدسوقى، كبير الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار "أرقام كابيتال" ومقره دبى، فأكدت أن التحدى الأكبر أمام تطبيق أهداف المجلس هو التنسيق بين القائمين على السياسات المالية والنقدية، ووضع مخاوف القطاع غير الرسمى فى الاعتبار، وعدم اتخاذ إجراءات طاردة أو تعرضه للملاحقة.
ويعد زيادة حجم إجمالى الناتج المحلى أهم أهداف الشمول المالى، وتوضح "السويفى" أن دمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى، أياً كان حجمه، فهناك تقارير تشير إلى أنه يتراوح بين 40 إلى 100% من إجمالى الناتج المحلى سيؤدى إلى زيادة إيرادات الدولة، وبالتالى زيادة معدل النمو الاقتصادى.
وأكد "نافع" أنه يجب تطبيق قرارات الحد من الكاش تدريجيا ووضع حد أقصى للمبالغ التى يمكن التعامل بها نقدا، وفرض التعامل بالشيكات البنكية فى المبالغ التى تتجاوز تلك الحدود، مرجحاً أن تطبيق تلك السياسات سيدفع مكتنزى الكاش إلى الهرولة على البنوك لإيداع أموالهم وإلا سيقعوا تحت طائلة القانون. قائلا، "الناس هتجرى على البنوك والفلوس اللى تحت البلاطة هتطلع".