هل يمكن أن ينقلب السحر على الساحر، حتى لو كان الساحر ذكيا ومراوغا ويجيد التحايل والتدليس؟ النائب محمد أنور السادات يثبتها بدليل عملى، فبعد شهور من تواتر مخالفاته وتجاوزاته تحت قبة البرلمان وخارجها، ومنها تسريبه لمشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد، الذى أعدته وزارة التضامن الاجتماعى، وسرّبه "السادات" للسفير الهولندى بالقاهرة وبعض الجهات والمؤسسات الخارجية، وبينما يستعد المجلس لمحاسبته على هذا التجاوز، وتجاوزات أخرى عديدة تورط فيها أو ارتكبها بسبق إصرار وترصد، يماطل الرجل ويلف ويدور ويتخفى ويتحالف ويتقرب من البعض ويبتعد عن آخرين، ويتبع سياسة العصا والجزرة، ويمنح ويمنع، ليهرب من التهم الثابتة بحقه، ولكن كأى جريمة غير كاملة، دائمًا ما يمكنك بالتدقيق أن تجد دليلا يعلق التهمة فى عنق صاحبها، وينفى كل الأكاذيب والادعاءات الأخرى، المصنوعة بعناية، والمروج لها بدأب وثبات وإصرار.
رغم إدانة "السادات" القاطعة فى واقعة تسريب مشروع القانون، واعتراف سفير هولندا بتسلم نسخة من القانون من يد النائب مباشرة، وهو ما أثبتته الوزيرة فى شكوى رسمية لهيئة مكتب مجلس النواب، ورئيسه الدكتور على عبد العال، لم يتوقف "السادات" عن محاولاته الدءوب للتضليل وإخفاء الحقائق وإشاعة حالة من البلبلة والارتباك فى الساحتين السياسية والإعلامية، بالقدر الذى يوفر له منفذا رماديا للهرب، وفرصة للتنصل من تجاوزاته، وفى سبيل هذا لا يتورع عن استخدام كل الأدوات المتاحة، وبعيدًا عما يتواتر بشأن اتصالاته بعدد من الصحفيين والإعلاميين، واتفاقاته مع آخرين، ووضع سيناريو للتحرك الإعلامى والسياسى فى إطار صنع حالة من الضوضاء وسحابة من الدخان وفوضى المعلومات، وسواء تمّت هذه الاتفاقات أو لا، وحملت شبهة وصفقات ومنافع أو لا، يعنينا دائمًا جوهر الأمر، وما تمخض عنه جبل الادعاء والرمادية الرابض ففوق كتفى الرجل، يعنينا الرسالة أكثر من المرسل والوسيلة، والرسالة هنا مضحكة وكاشفة عن حجم ما وصل له الساحر من تدنٍّ فى القدرات، وغير القدرات حقيقة، إلى حد التماس البراءة من خلال أدلة إدانة.
تسجيلات محمد أنور السادات.. الاعتراف سيد الأدلة
أحدث حلقات السحر التى لجأ إليها محمد أنور السادات، لسحر عيون الناس وعقولهم، والتدليس عليهم هروبًا من تبعات تجاوزاته، ومسؤوليته التى تستوجب الحساب والعقاب، سرب النائب المحال للتحقيق والصادر بحقه توصية بإسقاط العضوية، تسجيلين صوتيين، يتحدث فيهما مع شخصين عن قانون الجمعيات الأهلية، وتشير معلومات إلى أن التسجيلين خرجا عن طريق النائب لعدد من وسائل الإعلام، فى إطار محاولته إشاعة حالة من الفوضى والارتباك المعلوماتى، والترويج لفكرة براءته من تهمة تسريب مشروع قانون الجمعيات الأهلية لعدد من الدبلوماسيين وسفارات الدول الأجنبية والمؤسسات الدولية خارج مصر.
المفاجأة الصادمة، أو المثيرة للسخرية حقيقة، أن التسجيلين اللذين سربهما "السادات"، يحملان إدانة صريحة للنائب، أو على الأقل يؤكدان الاتهام الذى يخضع بموجبه للتحقيق داخل المجلس، ففى التسجيل الأول يتحدث الرجل مع شخص اسمه "عصام"، متحدثا عن اتصالات تلقاها من منظمات دولية تواصلت معه وطلبت منه الاطلاع على القانون وتسجيل ملاحظاتها عليه، وأنه أكد لها أحقيتها فى هذا، مشيرا إلى استفسارهم عن خضوع جمعيات الجاليات الخارجية والمؤسسات التابعة للسفارات، بينما يبدو من الحوار انحيازه لرؤية الجهات التى يتحدث عنها، وتأييد توجههم لإخراج الجهات ذات الطبيعة الدولية من ولاية القانون، قائلا بالنص: "الناس بيقولوا إحنا شركا، ومهم إن إحنا نستمع".
السادات يعترف بـ"تهمة التسريب".. ويؤكد: بتكلم مع أجانب كتير عن القانون
فى التسجيل الثانى، يتحدث شخص غير واضح الهوية مع النائب محمد أنور السادات، معددا له قائمة التجاوزات التى ارتكبها وتضمنتها شكوى وزيرة التضامن الاجتماعى، غادة والى، ضده للمجلس، وبعدما ينتهى الشخص من ذكر قائمة أفعال السادات عن تسليم مشروع القانون للسفير الهولندى، وحديث السادات مع مدير مكتب الوزيرة وإخباره بأنه تواصل مع جهات أجنبية وأن عددا من السفراء الأجانب سيخاطبون الوزارة وعليه الرد عليهم والحديث معهم والإجابة على أسئلتهم.
عقب انتهاء الشخص من حديثه، يبدو الاتباك والتوتر على صوت محمد أنور السادات، الذى ي صمت لثوانٍ، ثم يتحدث بنبرة مهتزة ومرتكبة، ثمّ يعترف بأنه تواصل بالفعل مع بعض الجهات، وأنه خاطب مدير مكتب وزيرة التضامن، وأن ما ذكره عن تحركاته أمر عادى وطبيعى، وأنه قابل كثيرين من الأجانب الذين أثاروا موضوع قانون الجمعيات الأهلية.
الصورة التى يؤكدها التسجيلان المسربان عبر النائب محمد أنور السادات ودوائره، إلى جانب ما يحملانه من دليل إدانة على ارتكابه للمخالفات والتجاوزات التى أوردتها وزيرة التضامن الاجتماعى فى شكواها ضده، وتتضمنها تحقيقات لجنة القيم معه، تؤكد أننا إزاء حالة منهجية مقصودة للتدليس وإشاعة حالة من البلبلة والضبابية، ومكابرة وعناد وعنجهية وعدم اعتراف بالخطأ وفساد الحركة والتصرف، وتثبت تهمة أخرى بحق النائب محمد أنور السادات، فإلى جانب تسريب مشروع القانون لجهات خارجية عدّة، الرجل يؤكد احترافه للتسريب بالتسجيلين اللذين أذاعهما، وينتهك فيهما خصوصية شخصين آخرين، وينتهك الدستور الذى ينص على حرمة الاتصالات الشخصية وعدم جواز تسجيلها وإذاعتها بدون إذن قضائى، وبالتبعية يؤكدان أن غرضًا غير برىء يقف وراء تحركات النائب، ليس فقط فى تسريب مشروع قانون، أو التواصل مع جهات خارجية، أو التحريض ضد مصر، أو اختصام مجلس النواب فى شكوى للاتحاد البرلمانى الدولى، ولكن قبل هذا وبعده فى الاستهانة بالرأى العام ومصالح المصريين وحقوقهم على نوابهم، والتحرك عمدًا وبسبق إصرار صوب التضليل والسحر، وحتى إن انقلب السحر على الساحر، فالأمر يستوجب العقاب أيضًا، لأن تواتر الحوادث والمواقف يؤكد ثبات القصد والنية، وحقيقة التحرك وفق أجندة ما، إن علمنا جانبًا منها فى واقعة من الوقائع، فلعل جوانب ومخاطر أخرى لا نعلمها، وقد تحمل من الخطر ما هو أكبر، فهل يكون "الاعتراف سيد الأدلة" لدى مجلس النواب، الذى يحاسب عضوا مخطئا من أعضائه الآن، وينظر إلى فقرات الساحر المتتابعة، بكل ما فيها من فشل وضحك على العيون والعقول، ويمنحه تذكرة ذهاب من تحت القبة، إلى حيث الأصدقاء الأجانب؟ ننتظر ما ستسفر عنه فقرات الساحر، وما سيفعله السحر فى أبنائه الأشرار.