ربما يكون الحديث عن الحرب الباردة بين روسيا والغرب تراجع فى الآونة الأخيرة، لكن يبدو أن هناك حربًا جديدة تلوح فى الأفق، أدواتها ليست الدبابات والطائرات، تلك الأسلحة المعتادة فى الحروب التقليدية، وإنما أجهزة الحاسب الآلى الحديثة ووسائل الإعلام الموجهة.
وتحتل موسكو صدارة المشهد، إذ اتهمتها أكثر من دولة غربية فى الأشهر الأخيرة بشن هجمات إلكترونية ضدها، أبرزها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وآخرها فرنسا، التى تشهد انتخابات رئاسية فى إبريل المقبل، ويخشى العديد من المراقبين أن تكون هدفًا جديدًا للقرصنة الروسية.
وتقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية فى عددها الصادر اليوم الجمعة، إن الهجوم الإلكترونى الذى تعرضت له القناة الفرنسية الخامسة TV5 عام 2015 كان يبدو وكأنه عملية قرصنة نفذها تنظيم داعش، لكن تمكن المحققون فيما بعد من التوصل إلى بصمة إحدى مجموعات القرصنة الإلكترونية، المدعومة من طرف الحكومة الروسية، وتدعى APT28، خاصة وأن أعمال القرصنة التى تقوم بها هذه المجموعة أصبحت أكثر قوة بعد ذلك.
وأشارت الصحيفة إلى تفاصيل عملية القرصنة الإلكترونية تلك، قائلة : إن "الرئيس الروسى فلاديمير بويتن، كان يتكلم دائمًا عن حرب معلومات أكبر حجمًا واتساعًا".
وتكشف الصحيفة إن تلك المجموعة (APT28) نشطت منذ نحو عشر سنوات، وإنها شنت عددًا من عمليات القرصنة الإلكترونية فى الغرب، استهدفت مراكز ومؤسسات حساسة فى تلك الدول.
وكشفت الـ"فاينانشال تايمز"، أن أنشطة هذه المجموعة، توصف بأنها فائقة الدقة ومتطورة للغاية، وأن العينة عبارة عن رسائل الكترونية أرسلت فى 2010، ومنها رسالة تلقاها الملحق العسكرى لحلف الناتو فى أنقرة، واعتقد أنها من زملاء له، وتحتوى على وثيقة ملحقة بالرسالة فيها أسماء وبيانات موظفين آخرين فى الناتو، إذ بدا الأمر وكأنه حقيقى، وليس عملية اختراق.
ويخلص المقال إلى أن حرب المعلومات، هى من بين الحروب الدائمة بين روسيا والغرب، وأنه إذا كان التوتر العسكرى بينهما على أشده فى البحر الأسود، ومنطقة البلقان، فإن الفضاء الإلكترونى سيكون بمثابة البلقان الجديد بين روسيا والغرب، حسب وصف أحد المسئولين البريطانيين فى هذا المجال.
ومع اقتراب الانتخابات فى فرنسا، بدأت دوائر سياسية داخل باريس التحذير من القرصنة الإلكترونية الروسية وتأثيرها على العملية الانتخابية، وقال وزير الخارجية الفرنسى، جان مارك أيرولت، فى حوار سابق مع صحيفة "جورنال دو ديمانش"، إن الهجمات الإلكترونية التى يشتبه فى أن روسيا نفذتها مؤخراً فى إطار الحملة الرئاسية هى شكل من أشكال التدخل المرفوض.
وندد وزير الخارجية بدعم موسكو لمرشحة اليمين المتطرف، مارى لوبان، قائلا فى حواره : "يكفى النظر إلى المرشح الذى عبرت روسيا عن تفضيلها له فى الحملة الانتخابية، مارين لوبان أو فرنسوا فيون.. بينما إيمانويل ماكرون الذى يطور خطابا أوروبيا إلى حد كبير، تتم مواجهته بهجمات إلكترونية.. هذا الشكل من أشكال التدخل فى الحياة الديمقراطية الفرنسية غير مقبول وأنا أشجبه".
وأضاف : "روسيا هى أول من أشار إلى أن عدم التدخل فى الشئون الداخلية هو مبدأ أساسى فى الحياة الدولية، وأنا أفهم ذلك، وفرنسا لن تقبل، كما أن الفرنسيين لن يقبلوا بفرض خيارات عليهم".