لم يكن أمام الحكومة مفراً بعد وصول العجز فى الميزان التجارى إلى 51 مليار دولار خلال عام 2015، وهو ما سبب أزمة طاحنة فى نقص الدولار مما أدى إلى ارتفاع سعره أمام الجنيه، سوى إصلاح هذا العجز، ولذا تبنت الدولة خطة لخفض العجز فى الميزان التجارى بنسبة 40 % خلال 4 سنوات.
ويعد الميزان التجارى، هو الفرق بين قيمة الواردات وقيمة الصادرات خلال فترة ما، ويحدث الفائض فى الميزان التجارى عندما يكون حجم الصادرات فى الدولة أكثر من وارداتها.
خطة الحكومة لإصلاح العجز
واعتمدت خطة الحكومة على تقليل العجز فى الميزان التجارى من خلال ضبط عنصريه سواء الواردات، وذلك من خلال إصدار عدداً من القرارات خلال العامين الماضيين للحد من الاستيراد العشوائى وتقنين إجراءات الاستيراد، أو ضبط عنصره الثانى وهو الصادرات من خلال زيادتها عبر فتح أسواق جديدة وتقديم تسهيلات للمستثمرين لدعم الصادرات بالإضافة إلى زيادة أعداد المصدرين.
قرارات وزير الصناعة لترشيد الاستيراد
وجاءت أولى قرارات الحد من الاستيراد خلال شهر إبريل عام 2015 بقرار وزير الصناعة وقتها منير فخرى عبد النور، بمنع استيراد المنتجات ذات الطابع الشعبى، ثم صدور قرار رقم 991 نهاية العام بمنع استيراد نحو 70 سلعة إلا بعد التعامل مع الشركات أو الجهات القائمة على الفحص قبل الشحن إذا ما تبين عدم مطابقة بيانات شهادة الفحص الصادرة منها مع نتائج الفحص العشوائى، وذلك لمدة 6 شهور، وفى حالة العودة يوقف التعامل نهائيا بقرار من وزير التجارة.
واختتمت الوزارة تلك القرارات بقرار رقم 43 لسنة 2016، بشأن تعديل القواعد المنظمة لتسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى جمهورية مصر العربية، ونص القرار على إنشاء سجل للمصانع والشركات مالكة العلامات التجارية المؤهلة لتصدير المنتجات الموضحة بالبيان المرفق إلى جمهورية مصر العربية بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.
وأوضحت أنه لا يجوز الإفراج عن هذه المنتجات الواردة بقصد الاتجار، إلا إذا كانت من إنتاج المصانع المسجلة أو المستوردة من الشركات مالكة العلامة أو مراكز توزيعها المسجلة.
وأثارت تلك القرارات وقتها حفيظة التجار، ووصفوها بقرارات "خنق" الاستيراد، مؤكدين أن الصناعة الوطنية ضعيفة وغير قادرة على سد احتياجات السوق، غير أن الصناع وعلى رأسهم اتحادى الصناعات والمستثمرين، أكدوا مساندتهم الكاملة للقرارات، بحجة أنها تأتى فى إطار الجهود لضمان جودة المنتجات المستوردة متدنية الجودة حفاظاً على صحة وسلامة المستهلك المصرى من ناحية، ومن ناحية أخرى تشجيع الصناعة المحلية وزيادة قدرتها والحد من المنافسة غير العادلة وغير المشروعة ودعم الاقتصاد الوطنى وشعار صنع فى مصر.
ولذا أصبح التحدى أمام الحكومة أولا مواصلة سياسة تقليل الواردات والثبات عليها، دون الاستجابة لضغوط المستوردين أو اثارة حفيظة الدول المصدرة لمصر بزيادة تعقيد إجراءات الاستيراد حتى لا يتم المعاملة بالمثل، وثانياً توجيه بوصلة المستثمرين الأجانب إلى الاستثمار فى مصر بدلا من تصدير منتجاتهم لها، وتوسيع الاستثمارات القائمة فى زيادة المكون المحلى بمنتجاتها.
تشريعات الحكومة لتحفيز الاستثمار
ولتحقيق الهدف الثانى عملت الحكومة على تهيئة مناخ الاستثمار سواء من خلال إصدار حزمة من التشريعات لتحقيق هذا الهدف، على رأسها إعداد مشروع قانون جديد للاستثمار، يعرض حالياً على مجلس النواب، وإعداد تشريعات تخدم المستثمر الصناعى ليستمر بقوة، ومنها مشروع قانون التراخيص الصناعية لتبسيط إجراءات التراخيص، والتى كانت تستغرق أكثر من 600 يوم.
وتضمن قانون التراخيص الصناعية، الذى سيطرح بالجلسة العامة بالبرلمان خلال أسبوع وفقا لتصريحات رئيس هيئة التنمية الصناعية، إتاحة إصدار الرخص الصناعية للصناعات منخفضة المخاطر، والتى تمثل 80% من إجمالى المصانع، خلال أسبوع، أما الصناعات عالية المخاطر، والتى تمثل 20%، سيتم إصدارها خلال شهر، كما سيمنح القانون، للمستثمر الصناعى، إصدار كل التراخيص من خلال جهة واحدة وهى هيئة التنمية الصناعية، بدلا من 13 جهة حاليا.
وبالنسبة لإتاحة الأراضى الصناعية، تعتزم وزارة الصناعة طرح 60 مليون متر أراضى صناعية حتى عام 2020، وطرح 22 مجمعا صناعيا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، سيتم طرح 12 منها خلال العام الجارى من بينهم 8 مجمعات بالصعيد، فيما كانت الوزارة قد طرحت 11 مليون متر خلال العام الماضى، والتى تعادل نفس المساحة طرحتها الوزارة منذ عام 2006 حتى عام 2015.
الحكومة تدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة
ولأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قد تساهم فى توفير الكثير من المنتجات التى يتم استيرادها من الخارج من خلال توفير بديل محلى لها، فضلا عن توفير المكونات للصناعات الضخمة، انشأت وزارة الصناعة جهازا كاملا لدعم ومساندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يهدف ليس تقديم الدعم فقط لكن استمرار تقديم الدعم لتحويلها لصناعات كبيرة، كما تم توقيع بروتوكولات مع البنوك لتوفير التمويل الكافى لصغار المستثمرين.
وحققت مصر تحسن فى عجز الميزان التجارى وتراجع بنسبة 17.4% فى عام 2016 بعد ارتفاع الصادرات 8.65% وانخفاض الواردات 10.56%.
وبلغت صادرات مصر فى عام 2016 نحو 20.285 مليار دولار، فى مقابل 18.670 مليار دولار فى 2015، بينما تراجعت الواردات إلى 62.925 مليار دولار من 70.277 مليار فى 2015، ليصل عجز الميزان التجارى إلى 42.640 مليار دولار من 51.606 مليار فى 2015.
ومنذ بداية العام وصل مصر أكثر من 110 مستثمراً أجنبياً من عدد من الدول المختلفة، وكان اتجاه معظم المستثمرين إلى التصنيع فى مصر مستغلين حوافز الاستثمار التى وضعتها الحكومة، وفرق العملة، كما أن جمعيات رجال الأعمال الأجانب بمصر مثل جمعية رجال الأعمال الأتراك بدأت لأول مرة فى الحديث عن الاتجاه للتصنيع المحلى بدلا من زيادة صادراتها لمصر.
وقال اتيلا اطاسيفين، رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين، إن مصر تعد من أهم دول المنطقة العربية، كما أنها دولة غنية ولديها من الموارد ما يجعلها وطن آمن للاستثمار الأجنبى.
وأضاف أن المستثمرين الأتراك حريصون على الاستثمار بمصر، وتعميق التعاون معها، غير أنه لابد من العلم أن الاستثمار يحب الاستقرار والهدوء، ولذا لابد من تشريع القوانين الحامية والمطمئنة للمستثمر الأجنبى، وتحسين الأنظمة البنكية فى التعامل مع المستثمرين بما يوفر احتياجاتهم ومتطلباتهم.
وأوضح اطاسيفين، خلال مؤتمر للجمعية، أن هناك الكثير من المجالات التى يطمح الاستثمار التركى فى العمل بها فى مصر خلال الفترة المقبلة، فى مختلف الصناعات، سواء الهندسية، أو الأدوية، والأسمدة، وتجارة الحاصلات الزراعية، والسياحة، وخدمات الصحة والتعليم، ونظم تكنولوجيا المعلومات، ذلك إلى جانب مشاريع البنية التحتية والبناء والتشييد وجميع أعمال المقاولات.
وأكد رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين، أن كل ما يطلبه المستثمرين الأتراك من الدولة، أن تتأكد أن المستثمر هو القادر على حل مشكلة البطالة، والمساهم الأول فى حل مشكلة عجز الموازنة العامة للدولة، وذلك فى حالة مساندة الحكومة له ودعمه وتشجيعه بشتى الطرق، ومساعدته حال تعثره، متابعا :"كلنا فى نفس المركب، وقدرنا واحد، وحياتنا مرتبطة بعضها ببعض".