سرت الشائعة: «تقرر مد فترة التجنيد الإجبارى لجنود الأمن المركزى من 3 سنوات إلى 4 سنوات، وتخفيض مرتباتهم لصالح حملة تسديد ديون مصر».
انتشرت الشائعة بسرعة رهيبة، فكان رد الفعل دراميا فى أحداثه، ونتائجه، وبقائه لغزا لم يستطع أحد كشف أسراره الكاملة، بدءا من تمرير الشائعة، التى دفعت الجنود إلى الانتفاضة يوم الثلاثاء 25 فبراير «مثل هذا اليوم» 1986، و«بدأت من معسكر لهم فى منطقة الأهرامات، حيث خرج أكثر من 8 آلاف، وتطورت الأحداث بعد ذلك فيما يشبه انتفاضة شاملة امتدت إلى 6 معسكرات مختلفة من الجمهورية، وبدأ الجنود فى تحطيم الفنادق الموجودة فى منطقة الأهرامات، وحطموا قسم شرطة الهرم، وواجهات بعض المحال التجارية، وأشعلوا النيران فى عشرات السيارات «سيد عبدالعاطى - عندما بكى أمامى وزير الداخلية - الوفد 24 ديسمبر 2014».
اندفع الجنود حسب وصف صحيفة «الوفد» يوم «27 فبراير 1986» مندفعين بخوذاتهم ورشاشاتهم وبنادقهم إلى فندق «الجولى فيل»، الذى يقع فى مواجهة أحد معسكرين للأمن المركزى فى ضاحية «الهرم»، وحطم الجنود الواجهات الزجاجية للفندق ثم اقتحموه، وحرقوا كل ما فيه، كما أحرقوا فندق هوليداى سفنكس، ومبنى قسم شرطة الهرم، وفندق مينا هاوس، وبعض المحلات التجارية الكبيرة فى المنطقة، وخلال ساعات احتلوا منطقة الهرم شاملة طريق الإسكندرية الصحراوى وطريق الفيوم وترعة المنصورية».
كان اللواء أحمد رشدى هو وزير الداخلية وقتئذ «17 يوليو 1984 - 27 فبراير 1986»، ولأن الأمن المركزى يتبع الداخلية، كان هو بالتبعية المسؤول الأول عن جنوده، وحسب محمد صلاح الزهار «أسرار وخفايا معركة 1986 - الوفد - 18 أغسطس 2011»: «استهل «رشدى» عمله فى الوزارة بالإعلان أن استراتيجية عملها تستند على ركيزتين أساسيتين هما مكافحة الرشوة واستغلال النفوذ والقضاء على تجارة المخدرات، كما أعلن عزمه إعادة الانضباط إلى الشارع المصرى، وأجبر كافة قيادات الشرطة من مختلف الرتب على النزول إلى الشارع لتحقيق ذلك الانضباط، ولم يصدر الرجل قرارًا مكتبيًا بتواجد القيادات فى الشارع، ولكنه دفعهم إلى الشارع دفعًا بما كان يفعله بنفسه».
ينقل الدكتور كمال الجنزورى، وكان وزيرا للتخطيط والتعاون الدولى جانبًا مما حدث داخل أروقة الحكم فور وقوع الحدث، قائلًا فى مذكراته «دار الشروق - القاهرة»، إنه كان فى الساعة السادسة «مساء يوم وقوع الحدث» متواجدًا فى مع الدكتور يوسف والى، وزير الزراعة وأمين الحزب الوطنى الحاكم، وكان اللقاء فى مبنى الحزب المطل على كورنيش النيل، «تم إزالته بعد حريقه أثناء ثورة 25 يناير»، ودخل عليهما عبدالفتاح الدالى، أمين الحزب الوطنى بمحافظة الجيزة، وقال إن جنود الأمن المركزى بدأوا بإضراب فى معسكرهم فى الطريق الصحراوى القاهرة - الإسكندرية، مطالبين بإلغاء قرار استمرار مدتهم بالتجنيد»، يضيف «الجنزورى»: «بعد لحظات دخل علينا الدكتور عبدالحميد حسن محافظ الجيزة حينذاك، ورد وهو فى غاية الاضطراب والانزعاج، ما سبق أن قاله عبدالفتاح الدالى، وأضاف، أن الجنود بدأوا يخرجون إلى الطريق الصحراوى، ومعنى هذا أنهم ربما يتوجهون إلى منطقة الأهرامات وشارع الهرم، وعلى الفور طلبت من الدكتور يوسف والى أن يطلب من الرئيس مبارك لأن الأمر فى غاية الخطورة ولا يمكن الانتظار، فتردد، فقلت له اطلب المشير أبوغزالة، وزير الدفاع، وأخبره بالأمر، فهذا ليس إضرابًا من مواطنين وإنما فى صفوف الأمن، وصلنا إلى الساعة السابعة، وتم الاتصال فعلًا بالمشير، ولم أحاول أن أتدخل رغم أننى على علاقة جيدة به، ولكن تركت الأمور لممثل الشارع وهو الحزب».
يواصل «الجنزورى»: «بعد نصف ساعة بدأ القلق فى نفسى بعد أن توارد من أطراف عدة أن الجنود تحركوا بالفعل وقطعوا فى الطريق الصحراوى ما يزيد عن نصف كيلو متر، وطلبت أبوغزالة، وقلت له إننى أتابع الموضوع لأنى مع يوسف والى وسمعته وهو يتحدث معك، سألته: هل طلبت من الرئيس نزول الجيش لأن الأمر أصبح حتميًا والموقف صار فى غاية الخطورة، والمشير رغم أدبه الجم فإنه فى مثل هذه الحالات يتفوه بألفاظ شديدة مصدرها حرصه الدائم على هذا البلد، المهم، قال: طلبت الرئيس أكثر من مرة، ولكنه ما زال مترددًا بالنسبة لنزول الجيش»، واستمر الحدث فى اليوم الثانى.