بعد يومين من نشر صحيفة نيويورك تايمز مقالاً مطولاً للقيادى الإخوانى المحبوس على ذمة قضايا عنف جهاد الحداد، ضمن مواقفها التحريضية ضد الدولة المصرية، ودعمها الذى لم ينقطع للتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية، فوجئت الصحيفة بمنع مندوبها من دخول البيت الأبيض أمس الأول بقرارًا من الإدارة الأمريكية.
وجاء القرار ليعكس حلقة جديدة من صراع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع وسائل الإعلام الأمريكية، حيث عقد المستشار الإعلامى للبيت الأبيض شون سبايسر مؤتمرًا صحفيا بحضور مؤسسات إعلامية محددة، مانعًا صحيفة نيويورك تايمز ومحطة "سى.إن.إن" و"لوس أنجلوس تايمز" و"بولتيكو" و"بازفيد"، فضلًا عن هيئة الإذاعة البريطانية "بى.بى.سى" وصحيفتى "ديلى ميل والجارديان" البريطانية، من الحضور، وهى المؤسسات نفسها التى وجه لها ترامب انتقادات حادة طيلة الفترة الماضية ووصفها بالكاذبة والتحريضية.
وآثار موقف نيويورك تايمز بنشرها مقال "الحداد" ردود فعل واسعة على مدار اليومين الماضيين، حيث تساءل الباحث إريك تريجر الزميل بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حول الطريقة التى تم بها التواصل مع متهم بالتحريض على القتل، فضلاً عن جدوى النشر والهدف الذى سعت إليه الصحيفة من وراء ذلك.
وبعد قرار الإدارة الأمريكية الحاسم بمنع عدد من وسائل الإعلام من حضور مؤتمراتها، علقت شبكة "سى.إن.إن"، على موقعها الإلكترونى قائلة : "ذهب الصحفيين لحضور اللقاء الصحفى اليومى للبيت الأبيض، كما هو معتاد، ليفاجأ مراسلو بعض المؤسسات الصحفية الأمريكية والبريطانية بمنعهم من الدخول لعدم وجود أسمائهم ضمن قائمة الحضور، وهو ما اعتبرته المحطة الأمريكية يدق ناقوس الخطر بين المؤسسات الإعلامية ورقباء التعديل الأول للدستور الأمريكى. إذ استهدف القرار الصحفيين المخضرمين فى البيت الأبيض بشكل لم يسبق له مثيل فى العصر الحديث، ما يدفع بحدة التوتر فى العلاقة بين الإدارة الأمريكية والصحافة نحو مزيد من التصعيد".
وسرعان ما سعى البيت الأبيض للرد على واقعة منع وسائل الإعلام الأمريكية متوقعًا هجومًا غير عاديًا من وسائل الإعلام المستهدفة، وربما غيرها، حيث خرجت سارة ساندرز، المتحدثة باسم إدارة ترامب، وقالت : إن مؤتمر البيت الأبيض عادة ما يتضمن ممثلين عن قناة تليفزيونية واحدة ومحطة راديو وصحيفة، بالإضافة إلى عدد محدود من مراسلى الوكالات. غير أنه تمت دعوة أربعة من خمسة شبكات تليفزيونية كبرى فى الولايات المتحدة وهم "إن بى سى، إيه بى سى، سى بى إس، فوكس نيوز"، فيما تم تجاهل محطة "سى.إن.إن".
وأضافت ساندرز : "بالنسبة للصحف فبينما تم منع ممثل صحيفة نيويورك تايمز، فإن ممثلوا المؤسسات الإعلامية المحافظة مثل بريتبارت، التى كان يرأسها ستيف بانون، المخطط الاستراتيجى للبيت الأبيض وكبير مستشارى ترامب، وكذلك صحيفة واشنطن تايمز وشبكة وان أمريكا نيوز، جميعهم شاركوا فى اللقاء الصحفى".
ويخوض ترامب منذ الحملة الانتخابية الرئاسية حربًا شرسة ضد وسائل الإعلام التى طالما دعمت منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون ووجهت آلتها الدعائية ضد ترامب وحتى بعد فوزه بالرئاسة فى 8 نوفمبر الماضى، واصلت هذه المؤسسات الإعلامية حربها على ترامب وهو ما دفعه مرارًا وتكرارًا لوصفها بـ"وسائل الإعلام الكاذبة"، متهما إياها بتشويه كلامه وفبركة الأخبار ونشر المعلومات استنادًا إلى مصادر غير موثوقة.
وبينما اشتعلت بعض المظاهرات المناهضة لترامب من قبل مؤيدى كلينتون، فإن الرئيس الأمريكى وصف وسائل الإعلام مثل "سى.إن.إن" ونيويورك تايمز وغيرها بالمحرضة التى تدفع بالمزيد من التوترات فى الشارع، فضلا عن رفضه فى يناير الماضى السماح لمراسل "سى.إن.إن" بتوجيه سؤال له خلال مؤتمر صحفى، ووصف موقع "بازفيد"، بأنه موقع للنفايات، بعد أن نشر تقرير مكون من 35 وثيقة تم تسريبه من أجهزة الاستخبارات الأمريكية يزعم وجود اتصالات بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا ويزعم دون أدلة أن موسكو لديها شرائط جنسية لترامب ربما تستخدمها لابتزازه.
ووصلت المعركة الأسبوع الماضى إلى حد وصف ترامب للإعلام بأنه "عدو للشعب الأمريكى" الذى لا يخدم مصالح بلده وإنما مصالحه الخاصة، وذلك فى تغريدة على حسابه بموقع "تويتر".
وأصدرت محطة "سى.إن.إن"، بيان يحمل تحديًا للإدارة الأمريكية ردًا على منع مراسليها من المشاركة فى لقاء الصحفيين بالبيت الأبيض قائلة : "هذا تطور غير مقبول من قبل ترامب والبيت الأبيض. فيبدو أن هذه هى الطريقة التى ينتقمون بها عندما نذكر حقائق لا يحبون ذكرها. سنواصل تقديم تقاريرنا بغض النظر عن ذلك".
وكتب دين باكيت، رئيس التحرير التنفيذى لصحيفة نيويورك تايمز، "لا شئ من هذا القبيل حدث قبلا فى البيت الابيض فى تاريخنا الطويل من تغطية الإدارات الأمريكية المختلفة". وأضاف : "نحتج بشدة بشأن استثناء صحيفة نيويورك تايمز ومؤسسات إخبارية أخرى. وصول وسائل الإعلام الحرة لحكومة شفافة يمثل بشكل لا لبس فيه مصلحة وطنية هامة".
وقاطعت وكالة "أسوشيتد برس" ومجلة "تايم" المؤتمر الصحفى بسبب طريقة تعامل البيت الأبيض مع المؤتمر. كما أعربت رابطة مراسلى البيت الأبيض عن احتجاجها على الأمر، فيما أصدرت صحيفة وول ستريت جورنال بيانًا اعترضت فيه بشدة على استبعاد بعض وسائل الإعلام، وقال المتحدث باسم الصحيفة "لو كنا نعرف بهذا التحرك لما كنا شاركنا، وأننا لن نشارك فى مثل هذه اللقاءات المغلقة فى المستقبل".