انتهت طلقات الرصاص وفرقعات الذخائر لـ«تمرد الأمن المركزى» فى مساء يوم «26 فبراير 1986»، بعد أن تواصلت منذ الساعة السادسة مساء «25 فبراير»، «راجع ذات يوم 25 فبراير و26 فبراير».
وفيما نجح المدبرون سرا للحدث فى الوصول إلى هدفهم وهو الإطاحة باللواء أحمد رشدى من منصبه كوزير للداخلية «شغل المنصب يوم 17 يوليو 1984 خلفًا للواء حسن أبوباشا»، كان السؤال الحاضر الغائب: «لماذا لم يستثمر المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة نزول الجيش إلى الشارع وسيطرته على المشهد تماما، وينقلب على الرئيس مبارك؟».
دار هذا السؤال همسًا طوال سنوات حكم مبارك التالية لهذا التمرد، وتجدد همسًا أيضا حين فاجأ مبارك الجميع بالإطاحة بـ«أبوغزالة» من منصبه كوزير للدفاع فى إبريل عام 1989، ثم أصبحت الإجابة عنه مطروحة بعد ثورة 25 يناير بالإزاحة عن كثير من الأسرار، ومنها ما ذكره الدكتور كمال الجنزورى فى مذكراته «دار الشروق- القاهرة» وكان الجنزورى وزيرا للتخطيط وقت وقوع التمرد، قائلا إنه فى يوم 27 فبراير «مثل هذا اليوم» عام 1986: «كانت الأمور قد استقرت تماما فى الشارع والقوات المسلحة سيطرت تماما على الموقف، وكنا مجموعة قليلة مع المشير أبوغزالة فى مقر القيادة رغم أننى لست عسكريا، ولكن قربى منه سمح لى بزيارته فى ذلك اليوم، ولم يكن اللقاء اجتماعا ولم يكن شيئا رسميا، ولكن كان لقاء به قدر من الارتياح يحس به القائد الذى أنقذ البلد وهو المشير أبوغزالة، فى هذا اللقاء قال أحد العسكريين القريب جدا من المشير: كفاية كده يا سيادة المشير خلصنا منه «يقصد الرئيس» حتى يستقر البلد، فرد المشير عليه فورا وبكل حزم وبالحرف الواحد: لا يمكن أن أفعل ذلك، وإن أخطأت وفعلت فسيُفعل معى فيما بعد».
ويتذكر الدكتور مصطفى الفقى وقت أن كان سكرتيرا لمبارك، أن مبارك ظل قلقًا من أبوغزالة نظرا لحب الناس له ولشخصيته وتعليمه العالى ولغاته «برنامج سنوات الفرص الضائعة- فضائية النهار- القاهرة».
ونجد محمد حسنين هيكل فى قلب هذه القصة مباشرة، ففى كتابه «مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان» عن «دار الشروق- القاهرة»، يتذكر أنه فى هذه المرحلة تلقى اتصالا تليفونيا من الرئيس مبارك، كما يتذكر لقاءه فيما بعد مع «أبوغزالة»: «فى الاتصال التليفونى كان اهتمام الرئيس مبارك بما كتبته ونشرته فى «أخبار اليوم» من أن تمرد الأمن المركزى يعكس أحوالا لا يصح النظر إليها باعتبارها قضية أمن، وإنما لابد من النظر إليها كقضية أوضاع اجتماعية أكثر بعدا وعمقا، ولم يكن من أنصار هذا الرأى «مبارك»، وكان قوله إننى أعلق على هذه الحادثة بأكثر جدا من حجمها، مضيفا: أنا شخصيا لم أقلق، كنت أعرف من أول لحظة أنه فى مقدورى أن أطبق تمرد الأمن المركزى بالقوات المسلحة»، يضيف هيكل: «عندما سألته مذكرا بالاحتمال الموازى على الناحية الأخرى: «وإذا تمردت القوات المسلحة، فكيف يمكن تطبيق تمردها؟» وتردد لحظة ثم أجاب: «إن زمن الانقلابات العسكرية انتهى».
أما لقاؤه مع «أبوغزالة» فكان فى سكن «المشير»، فى بيت على طريق مطار القاهرة مواجه لمبنى الكلية الحربية، ويقول عنه: «لسبب ما كان المكان الذى جلسنا فيه معبأ بتلاوة من المصحف المرتل بصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، ولم أر بعينى مصدر الصوت، لكن التلاوة كانت ملء القاعة طول حديث امتد إلى ساعتين، وضمن ما قاله أبوغزالة: «هناك من يتآمر عليه عند الرئيس مبارك، يصورون للرئيس أنه «أبوغزالة» يرى نفسه أجدر بالرئاسة منه، ويضيف أبوغزالة وبثقة بالنفس لافتة: «الرئاسة لم تخطر على بالى، فأنا أعرف من أحوال البلد ما يكفى لإقناعى بالبقاء حيث أنا»، ويستدرك: هذا إذا كانت الرئاسة من مطالبى، وهى لم تكن كذلك، فخلال أحداث تمرد الأمن المركزى كانت دباباتى موجودة فى كل مكان فى العاصمة، ولو كان الاستيلاء على السلطة مطروحا بالنسبة لى لما احتاج الأمر منى إلى أكثر من ضابط برتبة ملازم يذهب إلى استوديوهات الإذاعة والتليفزيون ويلقى بيانا وتنتهى القصة فى خمس دقائق، وساعتها كان الشعب مستعدا لأن يرحب، وأيضا كان العالم مستعدا لأن يقبل».